2024-11-30 06:39 م

ما بقي من وهم الانفصاليين بعد انتصار دير الزور؟!

2017-09-08
بقلم: بسام أبو عبدالله
عندما كان الرئيس بشار الأسد يتحدث عن إعادة آخر شبر من الأرض السورية وتطهيره من دنس الإرهاب، ذهب البعض في مراكز الأبحاث الغربية والعربية وكتاب البترودولار، إلى عدم تصديق ذلك، لا بل عملوا على الترويج إلى سردية أن سورية التي نعرفها لن تعود، وأن الرئيس الأسد لن يسيطر على كامل الأراضي السورية وفقاً لتقديراتهم ودراساتهم وأوهامهم، ولكن أسطورة رجال الجيش العربي السوري الذين صمدوا في دير الزور مطارها، وقاتلوا قتال الأبطال في محيط داعشي مدعوم أميركياً، جعلت إسرائيل تصاب بالجنون، ومشهد التقاء القوات التي حررت خلال أشهر مساحات واسعة من الأرض السورية مع أولئك الأبطال، أذهل الكثيرين وأصابهم بالصدمة وجعلهم يضربون أخماساً بأسداس، لأن فك طوق الحصار الأطول في التاريخ الحديث هو نقطة تحول إستراتيجية ومفصلية لدفن مشاريع التقسيم والتفتيت التي عملوا عليها لسنوات، ورسموها لنا، وبكل وقاحة نشروها من دون أدنى احترام لأحد، أو حتى لتاريخ شعوبنا ونضالاتها.
معهم حق في ذلك، لأنهم وجدوا أدلاء محليين وعرباً، يسيرون أمام قوافل الغزاة، ويشاركونهم الفرحة في ضرب بلادهم وأرض آبائهم وأجدادهم من دون وازع من ضمير أو إحساس أو شعور غريزي للبقاء، بل كانوا يعولون على تحول سورية إلى جثة هامدة خلال أشهر، ليتقاسموا لحمها بين زعامات «باب الحارة» وزعامات الزواريب، والميليشيات التكفيرية الوهابية الإخونجية، وبعض أصحاب الياقات من نزلاء الفنادق وهواة السياسة من محبي ماركس وإنغلز، إلى محبي أسامة بن لادن والبغدادي، إلى عشاق النيوليبرالية الذين اجتمعوا تحت خيمة الغدر والخيانة والمصالح الضيقة والحقد والكراهية.
لم يدرك هؤلاء أبداً أنه في مواجهة كل قذارة هؤلاء وسفالتهم، هناك رجال ونساء «صدقوا ما عاهدوا الله عليه»، وقرروا الصمود والدفاع عن هذا الوطن وتحريره من دنس القتلة والإرهابيين والمتآمرين، فقدم مطار كويريس أنموذجاً أذهلهم، وسجن حلب المركزي أنموذجاً آخر، وحامية مطار دير الزور أسطورة أخرى، وملحة كبرى سوف يقفون أمامها طويلاً، وفوق كل هذا وقف المواطن السوري في كل المدن والقرى يتحمل قساوة العيش وقهر الإرهاب ودناءة متآمري الداخل والخارج، وقف في المدرسة والمعمل والجامعة والمحال التجارية، وتحمل التفجيرات والمفخخات وقذائف الموت والتجويع وكل محاولات التركيع، ليقول لهم: لن تكون سورية إلا موحدة وواحدة، ولن يكون شعبها وجيشها إلا أنموذجاً للعالم ليتعلم منه كيف تكون التضحية والفداء والدفاع عن تراب الوطن.
كل سورية كانت في دير الزور، وكل سورية كانت في حلب، وكل سورية كانت في البادية، وكل سورية كانت في عقيربات وريف حماة وريف حمص وريف دمشق وفي الشرق والشمال والجنوب، كل سورية تحرر أرضها الغالية، فمن يرد أن يفهم الرسالة فليفهمها كما هي هكذا من دون ماكياج ومن دون مواربة ومباشرة، سورية واحدة موحدة يدافع عنها السوريون جميعاً.
وما بعد دير الزور، يجب أن يقرأ أصحاب المشروع الانفصالي في الشمال المعادلات بشكلها الصحيح، وأن يخرجوا من أن يكونوا ورقة بيد الأميركي، كي يكونوا جزءاً من مشروع انتصار الشعب السوري، كل الشعب السوري، وهذه الرسالة يجب أن تكون واضحة أمامهم، لأن قصة المظلومية والدجل باسم الحقوق، لم تعد تنطلي علينا كسوريين، فالممارسات تفضح نيات وارتباطات هؤلاء، والحديث عن إدارات ذاتية واستفتاءات أصبحت تثير الشعور الوطني السوري عامة.
وحده التعاطف الإسرائيلي المفضوح والعلني يكشف ويعري أصحاب المظلوميات المزعومة وارتباطاتهم، واستثمارهم لوجود المحتل الأميركي للاستقواء به، وخلق أمر واقع يفرضونه على الدولة السورية والشعب السوري.
دعوني أسأل مثلاً: لماذا هذا الإصرار الانتحاري من رئيس إقليم شمال العراق مسعود البرزاني على إجراء الاستفتاء في 25 أيلول الجاري، على الرغم من معرفته أنّ لا أحد يدعم ذلك من دول الجوار ومن العراقيين؟ ولم نسمع أحداً يدعم هذا التوجه سوى كيان الاحتلال الإسرائيلي، وبالطبع واشنطن من تحت الطاولة.
جوابي: لأنه تلقى الأمر بتنفيذ ذلك، إضافة إلى رغبته في الهروب من مشاكله الداخلية باتجاه الخطاب القومي لجر التعاطف معه، وحشد التأييد بعد أن فقد شرعيته الدستورية منذ سنتين.
لاحظوا معي أن الدعم الأميركي يتزايد بشكل كبير لما يسمى «ميليشيات سورية الديمقراطية»! وكلما أكثروا من استخدام كلمة ديمقراطية، كان عليك وضع عشرات الخطوط الحمراء تحت التسمية، لأن ممارساتهم لا تتطابق مع ذلك أبداً، كما هي حال الجماعات والتنظيمات التي استخدمت اسم «الإسلام» للتغطية على أفعالها وجرائمها وحقيقتها الكريهة.
ما أود قوله للإخوة الأكراد العقلاء بكلام مباشر وواضح، لا تنجروا خلف الأميركي الذي سوف يستخدمكم ورقة للتفاوض، ولا تخسروا أهم داعم لكم إن كان لديكم مطالب منطقية، وهو الشعب السوري والدولة السورية، لأن غيركم ممن تمول على دعم الخارج ها هو يُرمى في مزبلة التاريخ.
لا تصدقوا الأميركي ولا الغربي، ولا تذهبوا بعيداً في أحلام الانفصال، أو حتى إدارات ذاتية خارج إطار الدولة السورية، لأن حفلات النفاق كشفت، والمشاريع الحقيقية ظهرت، ونحن أمام الامتحان النهائي، فإذا أسأتم التقدير فسوف تدفعون ثمناً باهظاً، وإذا أحسنتم فهم التطورات الميدانية، وخاصة فك الحصار عن دير الزور وتداعياته، فإنكم ستشاركون في بناء سورية المستقبل، وستكونون مع شعبكم وجيشكم، وأما أحلام إنشاء جيش مستقل بدعم أميركي فهذا لا أفق له، ولن يسمح به في اللحظة المناسبة.
سبق أن كتبت أكثر من مقال حول هذا الموضوع لأنني أحمل الود والتقدير للإخوة الأكراد، ولدي صداقات كثيرة بينهم، لذلك لا تتوهموا أي شكل من أشكال الانفصال، ولا تعيشوا واقعاً أكبر من حجمكم وقدرتكم، ولا تكونوا وقوداً للمشاريع الأميركية والإسرائيلية ضد دول المنطقة، بل عيشوا كرماء أعزاء في وطن ينتصر شعباً وجيشاً وقائداً، وفي محور صاعد قوي يمتد واسعاً في أنحاء العالم، كونوا مع شعبكم جزءاً من انتصاره، ولا تراهنوا على المهزومين، فسورية سوف تعود واحدة موحدة شاء من شاء وأبى من أبى، وإن غداً لناظره قريب.