رغم تعهدات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الكثيرة قبل صعوده إلى كرسي الرئاسة، تحديدًا خلال حملته الانتخابية، بالاهتمام بسياسة أمريكا أولًا، فيما يعني صب كافة اهتماماته في السياسة الداخلية لتوفير حياة كريمة للمواطن الأمريكي، والتصدي لارتفاع معدلات البطالة، ومناقشة قانون الرعاية الصحية، إلا أنه تجاوز كل ذلك من خلال تعزيز القدرات الحربية والاهتمام بميزانية الجيش الأمريكي، حيث أقر مجلس النواب الأمريكي مشروع قانون ميزانية عسكرية سنوية ضخمة، وخولت وزارة الدفاع إنفاقًا يصل إلى 696 مليار دولار.
وعلى الرغم من أن هذا الأمر يدخل ضمن الاهتمام بالقدرة العسكرية للجيش الأمريكي، ويرى كثيرون أنه يأتي في صالح الولايات المتحدة، إلا أنه يطرح سؤالاً مهمًّا: إلى أين ستتجه هذه الأسلحة في وقت تشهد فيه واشنطن هدوءًا فيما يخص حدود دول الجوار؟
ويأتي قرار التصويت على الميزانية الأمريكية في وقت تشارك فيه قوات الجيش الأمريكي في سوريا والعراق وأفغانستان بعمليات عسكرية، فيما تتواجد قوات أمريكية في كوريا الجنوبية وعدد من الدول الأخرى؛ لتأمين القواعد العسكرية الأمريكية.
وجاء التصويت على الميزانية بتأييد 344 صوتًا مقابل 81، علمًا بأن مشروع القانون سيواجه عقبات أخرى قبل أن يصبح قانونًا نافذًا، خاصة أنه يزيد الإنفاق الدفاعي أكثر من العام الماضي، الذي بلغ 619 مليار دولار، وهو أمر محظور وفقًا للقيود التي يفرضها قانون السيطرة على الميزانية لعام 2011 على الإنفاق الحكومي.
ويبدو لقارئ تعهدات الرئيس الأمريكي، قبل وصوله للرئاسة، أنه سيحافظ على سياسة «أمريكا أولًا»، وتعهداته الأخرى التي أكد فيها أنه ينوى زيادة ميزانية الجيش الأمريكي، بأنه يحمل افكارًا متناقضة، خاصة أن كافة الميزانية العسكرية تدخل في إطار المشاركات العسكرية بالخارج.
وعلى الرغم من أنه دائمًا ما كان ترامب يوجه توبيخات وانتقادات، قبل فوزه بالانتخابات، للرئيس السابق باراك أوباما، على خلفية انتهاجه سياسة خارجية توسعية تؤثر على الداخل الأمريكي، متعهدًا بأن يحول كافة سياساته تجاه الاقتصاد والداخل الأمريكي، إلا أن ما يريده الرئيس الأمريكي بزيادة الإنفاق العسكري، من خلال خفض الإنفاق غير العسكري، يمثل مزيدًا من المواقف المتناقضة لترامب منذ وصوله للرئاسة، ويعطي مؤشرًا بأنه سيتخلى عن أولوية السياسة الداخلية.
ويزيد مشروع القانون الجديد لميزانية الدفاع الإنفاق على الدفاع الصاروخي بنسبة 25%، كما يتضمن زيادة رواتب الجنود بنسبة 2.4%، وهي أكبر علاوة لهم في ثماني سنوات، ومن المقرر أن يصوت على نسخته مجلس الشيوخ في وقت لاحق من هذا العام، فيما يجب التوفيق بين نسختي المجلسين قبل إرسال مشروع القانون للبيت الأبيض، ليوقعه ترامب؛ ليصبح قانونًا نافذًا، أو يرفضه.
ويبدو من القرارات الأمريكية الأخيرة أن الرئيس ترامب سيزيد من تدخله في المناطق الملتهبة في منطقة الشرق الأوسط، وغيرها من المناطق، الأمر الذي يخالف تعهداته السابقة، ففي أفغانستان منح ترامب مؤخرًا البنتاجون صلاحية تحديد عدد القوات الأمريكية في كابول، في خطوة تؤدى لنشر آلاف الجنود الإضافية في هذا البلد، حيث باتت صلاحية وزير الدفاع جيم ماتيس مباشرة لتحديد عدد جديد للجنود الأمريكيين هناك.
تأتي هذه الخطوة لكبح جماع تنظيم داعش الإرهابي في هذين البلدين، وفيما يخص الملف السوري يالتحديد تزايدت القوات الأمريكية على الأرض، حيث أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية الأربعاء الماضي أن جنودها في سوريا ينفذون عمليات داخل مدينة الرقة، وفي التفاصل أكد المتحدث باسم قوات التحالف الدولي، رايان ديلون، أن القوات الأمريكية فى مدينة الرقة تقدم المشورة فقط لمقاتلي قوات سوريا الديمقراطية، الذين يتصدون لتنظيم “داعش” الإرهابي، ونقلت قناة “الحرة” الأمريكية عن ديلون قوله “إن هؤلاء الجنود لا يقاتلون بشكل مباشر، بل ينسقون خصوصًا الضربات الجوية، لكنهم أقرب من مناطق القتال مما كانت عليه القوات الأمريكية التي دعمت العملية العسكرية العراقية في الموصل”.
وفي العراق تدَّعي واشنطن مساعداتها للقوات العراقية ضد داعش، فيما يروح الكثير من المدنين ضحايا في ضربات ما يعرف بالتحالف العربي بقيادة أمريكا ضد داعش، ويقول جنرال أمريكي كبير إن الحرب “بعيدة عن نهايتها” في العراق، بالرغم من استعادة الموصل من داعش، موضحًا أنه لا يتوقع تقليصًا كبيرًا في عدد القوات الأمريكية والدولية بعد تحرير المدينة.