2024-11-27 09:31 م

الأزمة الخليجية: هل حان موعد الحصاد الأميركي؟

2017-07-13
حمزة الخنسا

أقرّت واشنطن بأن الأزمة بين حلفائها في الخليج، وصلت إلى طريق مسدود. من البوابة الكويتية، دخل وزير الخارجية الأميركي ريكس تليرسون، شخصياً وبشكل مباشر، على خطّ الأزمة، بعد أن بقيت بلاده تتخذ دور المتفرّج فيما الأزمة تدخل شهرها الثاني. التدخّل الأميركي المتأخر نسبياً، يهدف إلى حصر الخلاف ووضع هوامش وضوابط له، هذا من جهة، أما من الجهة الأخرى، فتريد واشنطن إجراء عملية "حصر إرث" سريعة لـ"الترِكة" المرتقبة إثر "واقعة الأغنياء".
قبل أن يحطّ تيلرسون في الخليج، وضع كبير مستشاريه، آر سي هاموند، قاعدة وهوامش للمرحة المقبلة من الأزمة الخليجية. قال إن المطالب الـ13 أصبحت بحكم اللاغية. لكن الأهم أنه وضع قطر والسعودية في موضع واحد في ما يتعلّق بدعم الإرهاب وتمويله، قائلاً إنه "من الضروري أن تتخذ قطر وكذلك الرياض وحلفاؤها خطوات لوقف أي دعم مالي للجماعات المتطرّفة".

توقيت التدخّل الأميركي المباشر على خطّ الأزمة الخليجية، يشبه كثيراً توقيت اندلاعها. فالأزمة لم تكن لتنشب وتتدحرج سريعاً، لولا الغطاء الأميركي الكامل للسعودية ومَن معها. لكن اللعبة ظلّت محكومة بهوامش وأسقف أميركية صارمة يُمنع على أي من الأطراف تخطيها. التدخّل العسكري السعودي في قطر، أحد المُحرّمات الأميركية.
لعبت المواقف الأميركية المتناقضة من الأزمة الخليجية، دوراً في دفع كل طرف من أطرافها إلى التعنّت والذهاب إلى أقصى المسموح. وزّعت واشنطن مواقفها المختلفة بين المكتب البيضاوي ووزارة الخارجية والبنتاغون، وتلقف كلٌّ من المتخاصمين في الخليج ما يناسبه منها.

تحقّقت شروط التدخّل الأميركي في الأزمة. أتى تيلسرون حاملاً معه "الحلّ" الذي سيُقنع الجميع به عاجلاً أم آجلاً. مذكرة التفاهم الأميركية القطرية لـ"مكافحة تمويل الإرهاب"، التي وُقّعت في الدوحة، أرادتها واشنطن أولى الخطوات في "سُلّم" نزول حلفائها عن سقوفهم العالية. هي لا تريد كسر الدوحة ولا إعطاء نصر كامل للسعودية. لكنها حتماً تفضّل إحصاء مكاسبها السياسية والمالية جرّاء فترة الخصام الخليجية.
اليوم، تستطيع الإدارة الأميركية القول إنها تبذل الجهود الجبّارة ـ حتى مع حلفائها ـ لمحاربة الإرهاب وتجفيف مصادر تمويله. كما أنها تبذل الجهود الإضافية لإدخال الدول العربية "المعتدلة" في سياق يؤدي في نهايته إلى التطبيع والسلام مع "إسرائيل". تحت جناح عاصفة الأزمة مع قطر، مرّر البرلمان المصري الموافقة على تبعية جزر تيران وصنافير للسعودية، التي حقّقت أيضاً إقصاءً سلساً لمحمد بن نايف عن السلطة. وبموجب ملكيتها للجزر، صارت السعودية  شريكاً لـ"إسرائيل" في الترتيبات الخاصة باتفاقية كامبد ديفيد، مع ما ينتج عنه لاحقاً من تنسيق بين الطرفين يفتح الكثير من الأبواب التي ظلّت حتى الأمس القريب مغلقة.. ولو ظاهرياً.

في الأيام الأولى لاندلاع الأزمة الخليجية، وفيما كانت الإجراءات العقابية السعودية تصيب الدوحة بالصدمة، طار مستشار أمير دولة قطر لشؤون الاستثمار، الشيخ محمد بن حمد آل ثاني، إلى واشنطن. هناك التقى بوزير الخارجية الأميركية الخارج للتو من لقاء مع وزير الدفاع جيمس ماتيس، في مقرّ الخارجية. يومها أعلنت الدوحة أن هذه الزيارة تأتي في إطار المساعي الدبلوماسية لحل الأزمة الخليجية. في الحقيقة، أتى لقاء مستشار أمير دولة قطر لشؤون الاستثمار، بتيلرسون، بعد يومين على توقيع  وزير الدفاع الأمريكي ونظيره القطري خالد العطية، في واشنطن، على اتفاق تبيع بموجبه الولايات المتحدة قطر مقاتلات "F-15" مقابل 12 مليار دولار.

الـ12 مليار دولار هذه، حازت عليها الإدارة الأميركية على شكل صفقة سلاح، إلا أنها قد تكون دفعة أولى، من الصندوق السيادي القطري الذي يضم 350 مليار دولار أميركي. لكن ما تمّ الحديث عنه إثر الصفقة، يشكّل درّة التاج بالنسبة لواشنطن. التسوية التي يحملها معه تيلسرون إلى الدوحة، تتضمن بين بنودها، أن يتكفّل مسؤولون من وزارة الخزانة الأميركية الإشراف على ما يخرج من أموال من قطر. تريد واشنطن وضع يدها على الإمكانيات المالية للإمارة الصغيرة الغنية، في مقابل ضمان تسوية لا تكسرها، ولا تُظهر السعودية في مظهر المنتصر.

على أي حال، أدّت السعودية ما عليها حين فتحت خزائنها لترامب، الذي خرج من الرياض بـ"غلّة" بلغت نحو 480 مليار دولار. والعين الأميركية، من بعد السعودية وقطر، على الصندوق السيادي للإمارات الذي يضمن نحو 900 مليار دولار.
في زحمة المليارات هذه، قد نسمع قريباً خبراً عاجلاً عن إحقاق تسوية خليجية يخرج الجميع بموجبها رابحاً.
فقطر اجتازت "قطوعاً" داخلياً أظهر تماسكاً على المستوى الشعبي والقبلي الحاكم، وهي لن تضطر للمساومة على القاعدة التركية التي تؤمّن الشعور العام بالأمان، خصوصاً في العاصمة الدوحة، وأيضاً لن تُغلق الإدارة الأميركية قاعدة العديد، كنتيجة للأزمة الحالية. لكنها ستجد نفسها مضطرة للمساومة على شروط من النوع الذي تقول إنه لا يمس بسيادتها، وهي قابلة لتدوير الزوايا، كوقف تمويل الإرهاب أو تغيير سياسة قناة "الجزيرة" لا إغلاقها، أو مراجعة العلاقة مع إيران ضمن قرار خليجي جماعي.
في حين سيخرج ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من امتحانه الأول في منصبه الجديد، على عتبة العرش، منتشياً بنجاحه في تحميل قطر مسؤولية الإرهاب، ودفع الأمم المتحدة والولايات المتحدة الأميركية ودول غربية عديدة أخرى، إلى مطالبة الدوحة بوقف دعم الإرهاب وتمويله، وعينه من بين كل التنظيمات على حركة الأخوان المسلمين، المُصنّفة على لائحة الإرهاب السعودية.