لم يقدَّر لأحد من الأحياء أن يعيش تجربة التأسيس الأولى للدولة السعودية الوهابية. ولم يقرأ أكثر سكان العالم عنها، ولكن بالتأكيد هناك كثيرون في أرجاء العالم شاهدوا اقترافات مقاتلي «داعش» في سوريا والعراق ومصر وليبيا والجزيرة العربية وعدد من العواصم الأوروبية. الإعدامات الجماعية، ونحر الرقاب، وقطع الرؤوس، وحرق الأجساد، وجلد الظهور، وقطع الأطراف، وسرقة الممتلكات كغنائم، وفرض الإتاوات، وهدم الأضرحة والقبور والدور، وتحطيم التماثيل والرموز… هذه كلها مشاهد في تجربة التنظيم غير الحكومي الأشد خطورة على السلام العالمي.
يفعل ذلك كله بغطاء شرعي وديني، ويحتمي بسجل من الفتاوى والنصوص الدينية، والسوابق التاريخية التي تبرّر إنزال الرعب وإشاعة الهلع في قلوب من يصنّفهم بالكافرين.
لكن «داعش» ليس نبتة طارئة، بل كما يقول عنها الشيخ السلفي وإمام الحرم الأسبق عادل الكلباني «نبتة سلفية. هي حقيقة يجب أن نواجهها بكل شفافية». وفي ضوء التجربة الوهابية الأولى، يصبح «داعش» امتدادها التاريخي والأيديولوجي.
البغدادي… الرؤية الوهابية
في اليوم الثاني من رمضان لسنة 1435هـ الموافق للأول من يوليو/ تموز لسنة 2014، الموافق لليوم الثاني من إعلانه أميراً للمؤمنين على «الدولة الإسلامية» التي تضم أجزاءً من سوريا والعراق، وجّه أبو بكر البغدادي (إبراهيم بن عواد البدري) «رسالة إلى المجاهدين والأمة الإسلامية» تناول فيها طائفة من المسائل في مقدمتها الجهاد، وطالب بالإبقاء على السلاح مشهوراً: «السلاح السلاح يا جنود الدولة! والنزال النزال! إياكم أن تغترّوا أو تفتروا، واحذروا!». تحدث عن مشروعه الكوني، وقدّم نفسه ودولته باعتبارهما أمل الأمة الإسلامية عامة وفق رؤية كونية تقوم على أساس تقسيم العالم إلى دارين: دار إيمان ودار كفر، بحسب التصوّر الوهابي. خطاب يصدر عن منابذة الآخر، طائفة وفكراً، فرفض مفاهيم «الحضارة والسلام، والتعايش، والحرية، والديمقراطية، والعَلمانية، والبعثية، والقومية، والوطنية». كذلك انتقد «تحكيم القوانين الوضعية الشركية» حسب وصفه، التي تهدف إلى «انسلاخ المسلم عن دينه والكفر بالله» حسب تصوّره العقدي.
في الوهلة الأولى، تبدو خطابات البغدادي كأنها خلاصة تأملات عميقة في النص الديني
يخلص البغدادي بعد الفراغ من عملية تصنيف واسعة النطاق للطوائف والمعتقدات والمفاهيم، إلى أنّ البديل الالزامي هو «دولة الخلافة» التي تضم أطيافاً متنوعة من جنسيات مختلفة «القوقازي والهندي والصيني، والشامي والعراقي واليمني والمصري والمغربي، والأميركي والفرنسي والألماني والأسترالي…»، وهم مقاتلو «داعش» الذين تحوّلوا إلى مواطنين في دولة الخلافة.
هذا العبور للدولة والوطن وحتى الاتحاد القاري، يصدر عن رؤية كلاسيكية نمطية لمفهوم الأمة، الكيان المعياري على أساس عقدي، لا جغرافي، حيث تصبح حدود الأمة مفتوحة ومتمدّدة بحسب حركة انتشار العقيدة. وهذا على وجه الدقّة التجسيد العملاني لقسمة العالم إلى دار إسلام ودار كفر، على طريقة ابن عبد الوهاب في تصنيف الدرعية دار إيمان وما سواها دار كفر.
بعد قيام دولة الخلافة وعاصمتها الموصل، دعا البغدادي المسلمين إلى الهجرة إليها، بما يبطن موقفاً عقدياً من الدول القائمة قاطبة بكونها كافرة. هي رؤية كونية مدغومة في استراتيجية التغيير التي وردت في وصية البغدادي لجنود دولته، وبشّرهم في ختامها: «هذه وصيتي لكم؛ إن التزمتموها: لَتفتحُنّ روما، ولَتملكنّ الأرض».
مأزق النظرية السياسية السلفية
خطبة أبو بكر البغدادي في المسجد الكبير في الموصل أعادت مأزق التنظير السلفي لقبول مبدأ ولاية المتغلب بالشوكة، من خلال دعوته المسلمين عامة لمبايعته وطاعته لمجرد تغلب «داعش» وإقامته للخلافة.
في الوهلة الأولى، قد تبدو خطابات البغدادي وكأنها خلاصة تأملات عميقة في النص الديني، والواقع التاريخي والمعاصر للمسلمين، ولكن ما لبث أن تكشّف تطابق النص والرؤية والموقف مع ما كان لدى الشيخ محمد بن عبد الوهاب والمتحدّرين من خطه الفكري.
يتعمّد البغدادي تكثيف حضور الآية القرآنية، وإن كان يستخدمها في غير محلها أحياناً كالهجرة إلى دولته التي أراد استغلال فقرة «ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها…» كدليل على وجوب الهجرة إلى دولته، ما يدلّ على أن معرفة الرجل بتفسير الآيات القرآنية تخضع لعملية أدلجة فارطة، أو ما يسبغ عليه داريوش شايغان سمة «أدلجة المأثور».
يضاف إلى ذلك، تعمّد استخدام عبارة «اتقوا الله» في غير مكان يبدو متكلّفاً مقتفياً سيرة مشايخ الوهابيين في تدجيج الخطاب بالمفردة الدينية، وتلك التي تتضمن عنصر الترويع والتشويق.
أسهب الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رمي خصومه بضروب التهم مثل السفاهة، والابتداع. بل نجده يمنّ على أهالي الدرعية بالإسلام والهداية على يده: «فالرجل الذي هداكم الله به ـ في إشارة إلى نفسه ـ لهذا إن كنتم صادقين لو يكون أحب إليكم من أموالكم لم يكن كثيراً»، ومثل ذلك رسالته إلى أهل الرياض ومنفوحة: «فاتقوا الله عباد الله ولا تكبروا على ربكم ولا نبيكم، وأحمدوه سبحانه الذي منّ عليكم ويسّر لكم من يعرفّكم بدين نبيكم».
وكان من تلامذة الشيخ عبد الرحمن آل الشيخ، قاضي بلدة الحلوة، في إقليم نجد، الشيخ حمد بن عتيق (1227 – 1301هـ). وهذا الشيخ العتيق، له رسالة في جواب لمن ناظره في حكم أهل مكة وما يقال في البلد نفسه جاء ما نصه من قوله: «جرت المذاكرة في كون مكة بلد كفر أم بلد إسلام…»، وخلص إلى «أن هذه البلاد محكوم عليها بأنها بلاد كفر وشرك، ولا سيما إذا كانوا معادين أهل التوحيد، وساعين في إزالة دينهم، وفي تخريب بلاد الإسلام». وزاد على ذلك بالقول: «بل الظاهر عندنا وعند غيرنا أن شركهم اليوم أعظم من ذلك الزمان» (انظر: مجموعة الرسائل والمسائل النجدية، فتاوى ورسائل لعلماء نجد الأعلام، مطبعة المنار في مصر، الطبعة الأولى سنة 1928، الجزء الأول، ص 742 – 745).
وكان نموذج الرسائل التي يبعثها أمراء آل سعود منذ الدولة السعودية الأولى يحمل دلالات أيديولوجية واضحة، فالسيف الذي يشهره الأمير يستظلُّ بحزمة مزاعم دينية. وكان نموذج تلك الرسائل ما نصه: «من عبد العزيز إلى قبيلة (..) سلام. واجبكم يدعوكم إلى الإيمان بالكتاب الذي أرسل لكم. لا تكونوا وثنيين كالأتراك الذين يشركون بالله. إذا آمنتم نجوتم، وإلا فسنقاتلكم حتى الموت». وفي رسالة الأمير سعود إلى سكان المدينة المنورة يقول فيها: «إني أبتغي أن تكونوا مسلمين حقيقيين، آمنوا بالله تسلموا وإلا فإني سأقاتلكم حتى الموت» (لويس دوكورانسي، الوهابيون… تاريخ ما أهمله التاريخ، ص ص 62،92).
التكفير محصلة الهجرة والجهاد
ولفهم خطاب «داعش البغدادي»، يتموضع مفهوما الهجرة والجهاد في صميم الأيديولوجية الداعشية، وهما مفهومان دينيان وتاريخيان. فالهجرة تصدق فحسب على هجرة مسلمين من دار شرك وكفر إلى دار توحيد وإيمان، وبالتالي فإن فحوى دعوة البغدادي بوجوب الهجرة إلى دولته إنما تبطن موقفاً عقدياً وحكماً بكفر كل من هم خارج دولته الإسلامية، أو من يرفض الالتحاق بها طوعاً أو كرهاً. وبالعودة إلى أدبيات «داعش» التي تتقاطع فيها مع «القاعدة» يظهر بوضوح الموقف من الدول القائمة في العالم الاسلامي.
أسهب الشيخ عبد الوهاب في رمي خصومه بضروب التهم مثل السفاهة والابتداع
لفهم أعمق للعلاقة بين التكفير والهجرة والجهاد، يربط عبد المنعم مصطفى حليمة في كتابه «الهجرة… مسائل وأحكام» المنشور في 9 ديسمبر 2001، بين الهجرة والجهاد، وهما خطّان متوازيان «فمن أراد أن يُحيي فريضة الجهاد لا بد له أولاً من أن يُحيي في نفسه فريضة الهجرة والتمايز إلى الله ورسوله». والهجرة لا تكون إلا من بلاد شرك إلى بلاد إيمان، وهذا يعني أن المهاجر حسم موقفه العقدي من المجتمع الذي هاجر منه، إن كان مجتمعاً مسلماً أو كافراً، وإلا ما هاجر منه. ولذلك فإن الكاتب يضع استثناءً مقصوداً «وهذا لا يعني ضرورة انعدام الاحتكاك أو الاتصال بالتجمعات الجاهلية المعاصرة المحيطة بالدعوة بقدر ما تقتضيه الضرورة والمصلحة أو السياسة الشرعية…». وإن كان يشدد على العزلة الشعورية والهجرة الباطنة «عن كل ما يمت للجاهلية من صلة».
فالهجرة شرعاً بحسب تعريفه هي «الخروج في سبيل الله من دار الكفر إلى دار الإسلام، ومن دارٍ شديد الفتنة إلى دارٍ أقل منه فتنة». والهجرة نوعان: مكانية مرتبطة بالخروج والانتقال من أرض الكفر إلى أرض الإسلام، وهذا ما دعا إليه أبو بكر البغدادي في خطاب التتويج بإمرة المؤمنين! وهجرة الذنوب والمعاصي والآثام. والهجرة المكانية واجبة، لأن الله نهى عن «الإقامة بين أظهر المشركين».
وسوف يظهر كم مثّلت تجربة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في تجسيد مشروع الخلافة الإسلامية في منتصف القرن الثامن عشر النموذج المعياري الذي تحوّل إلى مصدر إلهام لكل التنظيمات السلفية التي ظهرت في طول التجارب السعودية الثلاث، وكذلك التنظيمات الجهادية التي تعتنق الوهابية طريقة ونهجاً.
فكان انتقال الشيخ محمد بن عبد الوهاب من قرية العيينة إلى قرية الدرعية وسط نجد في منتصف القرن الثامن عشر الميلادي تجسيداً لمفهوم الهجرة وإيذاناً بإقامة «دار هجرة وإسلام» تكون مقدّمة تمهيدية لإقامة الخلافة الإسلامية. ويشرح الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، حفيد ابن عبد الوهاب، هذا المفهوم على النحو الآتي: «ما يجب معرفته أنه حيثما ساد الظلم والعصيان، فإن الله سبحانه وتعالى قد أمر بالهجرة من أجل حفظ هذا الدين وصون أرواح المؤمنين ضد الشرور. فلا تخالط أهل الضلال والعصيان، حيث يتم تمييز أهل العدل والإيمان من طائفة الفساد والعدوان، وحينئذ ترتفع راية الإسلام. فبدون هجرة لا تقوم لهذا الدين من قائمة ولا يعبد الله، ومن المستحيل بدون هجرة أن يجحد بالشرك والظلم والشر».
في النتائج، إن عديداً من أتباع الشيخ محمد بن عبد الوهاب هاجر إلى الدار الجديدة والانضمام إلى المجتمع الناشئ من المؤمنين، فتمّ تنظيم وتالياً تجريد الحملات العسكرية ضد المناطق المجاورة المنضوية تحت تصنيف دار الحرب.
في سنة 1216هـ. غزا عبد العزيز بن سعود العراق، وأناخ على كربلاء فقتل أكثر أهلها، ونهب البلد، ويعلّق البصري بما نصّه: «حتى يقال إنه ما غنم ابن سعود في مدة ملكه بعد خزائن المدينة المنورة أكثر من غنائم كربلاء من الجواهر والحلي والنقد، ثم قفل إلى نجد متبجّحاً بما فعله من سفك دماء…» (انظر: الشيخ عثمان بن محمد بن أحمد بن سند البصري، مطالع السعود بأخبار الوالي داود، اختصار أمين الحلواني، نسخة مقتطعة من كتابة خزانة التواريخ النجدية، جمع وترتيب الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام، ص 283 – 283).
وفي سنة 1223 هـ. أمر السلطان العثماني محمود، والي مصر محمد علي باشا، أن يجهّز جيشاً لإزالة الوهابية بقيادة الأمير فيصل بن سعود بعدما استولى على الحرمين، ونهب جميع ما في الحجرة النبوية من الذخائر والجواهر، ومنعه حجّاج مصر والشام من أداء الفريضة باعتبارهم مشركين فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا (البصري، المصدر السابق، ص 295 – 296).
«إخوان من طاع الله» و«داعش»
وقائع التجربة التأسيسية لمشروع الدولة الدينية الوهابية مقاربة بتجربة «داعش» في المناطق الخاضعة تحت سيطرته من قتل جماعي، ومصادرة للممتلكات، وهدم للآثار، وتحطيم للقبور والرموز والأضرحة والقباب والتماثيل وغيرها، تظهر في النتائج أننا أمام تجربة إحيائية جديدة حاولت تجسيد ما عجرت تجارب تصحيح مسار الدولة السعودية التي يعتقد كثيرون من أتباعها بانحرافه عن تعاليم الوهابية المؤسّسة، وأخفقت في حفظ نقاوة المشروع الوهابي العابر للحدود بإلغائها لفريضة الجهاد، وفي التعامل مع بقية المسلمين بأنهم مشركون، بالرغم من أن الدولة السعودية ما قامت إلا على هذه التصوّرات العقدية.
جرت محاولة أخرى لإعادة التجربة الإحيائية الوهابية في وقت لاحق، على قاعدة استدراك أخطاء التجارب السابقة منها انحراف أهل الحكم عن المبدأ الذي قامت عليه الدولة السعودية الأولى، وهو ما ذكّر به الشيخ عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ، حفيد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في رسالة إلى الأمير فيصل بن تركي، من أمراء الدولة السعودية الثانية: «وأهل الإسلام ما صالوا على من عاداهم، إلا بسيف النبوة، وسلطانها، وخصوصاً دولتكم، فإنها ما قامت إلا بهذا الدين…) (الدرر السنية في الأجوبة النجدية، الجزء 14 ص 70).
وكانت تجربة «إخوان من طاع الله»، وهم الجيش العقائدي الذي أنشأه عبد العزيز آل سعود، والد الملك الحالي، على فكرة إعادة إحياء المجتمع الوهابي النقي، الذي يتطلع لأن يستعيد تجربة الإخوان الأوائل الذي تحلّقوا حول الشيخ المؤسسس محمد بن عبد الوهاب. وحين سيطرة عبد العزيز على الرياض عام 1902، قرر التمدّد خارج نجد، وتحديداً باتجاه السيطرة على الأحساء سنة 1912، استعان بجيش الإخوان، الذي اكتشف بأسهم وشراستهم في القتال، فعاد معهم من الاحساء إماماً بعد أن كان قائداً عسكرياً.
تعزّز لدى «الإخوان» حلم إحياء الدولة الدينية التي تقوم على الجهاد في الأرض وتتمدد في كل اتجاه يمكن أن تصل إليه راية التوحيد والجهاد. فكان عبد العزيز يرسلهم إلى المناطق للسيطرة عليها، ويكون ذلك في الغالب بارتكاب المجازر والقيام بأعمال السلب والنهب وتخريب الممتلكات وسفك الدم، وما تقوم به «القاعدة» و«داعش» ليس إلا تكراراً حتى في التفاصيل، كالذبح وقطع الرؤوس مثلاً.
نجح عبد العزيز في توظيف «إخوان من طاع الله» في مشروع دولة لأسرته، ولكنّ التناقض بين مشروعه السياسي المدعوم بريطانياً تجابه في لحظة ما مع مشروع الفتح الوهابي، فكانت معركة السبله في 1929 فاصلة لناحية إنهاء الرابطة بين مشروعي الدولة والعقيدة الوهابية التي تحوّلت إلى إيديولوجية مشرعنة للدولة وليست مسيّرة لها.
محاولات تصويب مسار الدولة السعودية باءت بالفشل (الجماعات السلفية المحتسبة، تيار الصحوة، قاعدة الجهاد في الجزيرة العربية). وجاء تنظيم «داعش» كمشروع سياسي/ ديني ينتمي إلى الوهابية عقيدة ومشروعاً سياسياً فوق قطري وفوق قومي، ليجدد إحياء الحلم الوهابي بالعودة إلى تعاليم الجيل المؤسس ومشروعه. ما كانت تخشاه السعودية هو أن مشروع «داعش» ينشأ ويترعرع خارج حدودها وخارج سيطرتها وقد تغذيه في مقارعة خصومها، ولكن لا يعني أن «داعش» يتخلى عن مشروعه الأصلي في تجسيد حلم الوهابية الأول.
الأخطر من وجهة نظر آل سعود، أن «داعش» هدّد مشروعية الدولة السعودية، تلك المشروعية القائمة على الامتثال الأمين لتعاليم مؤسس المذهب الوهابي، ولعقيدة التوحيد ومنظومة المبادئ الدينية التي قامت عليها الدولة السعودية.
وفيما تتآكل أطراف «الدولة» على وقع انهيارات تحصيناتها ومراكزها المنيعة، مع تقدّم القوات العراقية والسورية في استرجاع ما وقع تحت سيطرة التنظيم، فإن التحدّي الذي سيبرز تالياً هو مآل الأيديولوجية المسؤولة عن تشكيل التنظيم وشرعنته وانتشاره. فهل يعود إلى مرحلة ما قبل «الدولة» على غرار الوهابية في لحظة ظهورها الأول، حين كانت قائمة على ثالوث التكفير والهجرة والجهاد قبل أن تؤتي ثمرتها في إعلان المملكة السعودية سنة 1932، أم تتحوّل الى تنظيم إرهابي جوّال، يطوف بانتحارييه عواصم العالم، ويضرب حيث يثبت وجوده على قيد الحياة، وعليه، يصبح نموذجاً مشوّهاً لجماعة فوضوية (anarchists) تخرج على الدولة ليس على أساس مقاومة محوريتها، بوصفها أداة لحماية المنتجين الكبار وسعياً إلى الحفاظ على الملكية الفردية، بل الانخراط في مهمة تخريبية للدولة بكامل حمولتها، بوصفها رجساً من عمل الشيطان لا بد من اجتنابه.
الاخبار