2024-11-26 09:43 م

ما وراء الاستفتاء في إقليم كردستان وما هي العواقب المتوقعة؟

2017-07-07
إن إصرار حكومة إقليم كردستان على التحضير لإجراء استفتاء، هدفه انفصال الإقليم عن العراق، مستغلة بذلك ضعف الحكومة المركزية وانتشار الفوضى في العراق واستمرار الحرب على داعش والتدخل المستمر السافر لقوى أجنبية، يثير قلق الاوساط العراقية المختلفة ويلاقي رفضاً من المجتمع العراقي والأقليمي. كما ويتعارض مع قانون إدارة الدولة العراقية، الذي وافقت عليه جميع الأطراف المشاركة الآن في الحكم، والذي ينص على إسلوب التسوية بين الجهات المتصارعة.

لا ينصب قرار الاستفتاء بأي حال من الأحوال في مصلحة قوميات الشعب العراقي: عربا وكردا وقوميات أخرى. بل سيؤدي فصل الإقليم عن العراق، حتماً، الى حروب لا تنتهي بين الحكومة المركزية وحكومة إلاقليم، ومن ثم يمنح فرصة لدول الجوار والدول الكبرى للتدخل المباشر في العراق، خاصة بعد احتلال البيشمركة في السنوات الثلاث الأخيرة لأراض شاسعة، لا تقطنها أكثرية كردية. إن الإجراءات التي تتخذها حكومة الإقليم لتغيير البنية الديموغرافية في مناطق عديدة في محافظات كركوك وديالى والموصل تمهيدا لقرار الاستفتاء الذي لاقى ويلاقي الرفض القاطع من قبل دول الجوار، وسيجعلها تتدخل في أي نزاع سوف يحدث، ناهيك عن الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان ستستغلان الفرصة لمساعدة “حلفائهم الجدد”، بعد الفشل العسكري، الذي تعرض له حلفائهم القدامي من المعارضة السورية، دون نسيان الدور الذي يمكن ان تلعبه تركيا بعد تأزم علاقاتها مع الولايات المتحدة بسبب المساعدات العسكرية، التي تقدمها للتنظيمات الكردية في سوريا، والتي تعتبرها تركيا حليفة لعدوها حزب العمال الكردستاني المحظور.

إن من يراقب الأحداث في إقليم كردستان، يكتشف بأن محاولة الإقليم للانفصال، بالأخص في مثل هذه الظروف العصيبة، هي ليست إلا محاولة لإبعاد الأنظار عن الأزمة السياسية والاقتصادية الخانقة في كردستان، التي اتسعت بسبب تسلط الأحزاب والقوى العشائرية الكردية وممارستها الفساد الإداري ونهب أموال الشعب، الى جانب التهديد والابتزاز الذي تتبعته باستمرار بعض الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان للتصعيد ضد الحكومة المركزية، الذي أدى الى توقف دفع حصة الإقليم من واردات النفط والمعابر الحدودية للمركز.

إن نشوء هذه الأزمة ليس إلا أحدى نتائج احتلال العراق عام 2003 من قبل الولايات المتحدة وما تبعه من سياسة “فرق تسد” ومن تقنين نهج الطائفية والإثنية ونظام المحاصصة وجعله ركناً أساسياً في الدستور العراقي، ومن ثم الاتجاه بالعراق نحو الكارثة للسيطرة عليه وإضعاف ارادته وتحطيم قدراته. مما قاد ويقود إلى تفكيك الدولة وانهيار مؤسساتها وتدهور أوضاع العديد من محافظات الجنوب والوسط وبلوغها درجة غير مسبوقة، جعلها تصبح أسيرة لسيطرة المليشيات المسلحة والعصابات الإجرامية. هذا الى جانب الفساد الإداري المتفشي والسرقة العلنية لأموال الشعب في كل أنحاء العراق. وما كان لصعود داعش التكفيرية وبقائها تسيطر لسنوات عديدة على أراض شاسعة من العراق إلا دليلاً على الفشل التام للنظام، الذي نصبه المحتل الأمريكي.

يمارس الشعب الكردي في إقليم كردستان العراق لسنوات طويلة كافة حقوقه القومية المشروعة، التي أقرها الدستور العراقي واعترفت بها الغالبية العظمى من الأحزاب والقوى السياسية، وهو أمر لم يعد اليوم موضوعاُ للنقاش، بالمقابل فإن قرار إجراء استفتاء الانفصال وما يمكن أن يؤول إليه مستقبلا، سوف لن يحل أي من مشاكل الإقليم بل سيعرض العراق بالكامل لمزيد من الاقتتال والفِرقة، كما سيؤدي الى تدخل أجنبي وإلى دمار أكبر على المنطقة.

إننا في الوقت الذي نؤيد فيه حصول الشعب الكردي في العراق على حقوقه القومية المشروعة، نرى أن ذلك يجب أن يتم في إطار الدولة العراقية، مع مراعاة الحقوق المشروعة لكافة قوميات المجتمع العراقي دون استثناء أو تمييز، وأن لا يعرض وحدة العراق للتمزيق وأمنه للخطر، وأن يكون الهدف الأساس هو بناء عراق مدني ديمقراطي، يحقق العدالة والسلم الأهلي ومبدأ المواطنة للجميع، بعيداً عن الفكر الطائفي والإثني، مع الرفض الكامل لأي تدخل أجنبي.

تجمع / نحو عراق جديد ـ المانيا