2024-11-30 08:39 ص

حرب باردة جديدة تجري في المحيط الهندي

2017-06-24
محمد حسن|

غالباً ما تتحول دول الجزر الصغيرة في المحيط الهندي، التي تفتقر إلى مصادر طبيعية يمكن استغلالها كما إلى قدرات صناعية، إلى مراكز مالية وملاذات ضريبية أو تقديم خدمات الأفشور المالية، وذلك لدعم الدخل الناتج من السياحة بصفة عامة، حيث إنها تتمتع بشواطئ بديعة تغطيها أشجار النخيل. وينطبق هذا الأمر أيضاً على الجزر المستقلة في المحيط الهادي كما في حالة جزر الهند الغربية. وعليه فإن جزر المحيط الهادي لا تعد الاستثناء في هذا الصدد. بيد أن تقريراً استقصائيا صحافيا صدر في عام 2014 نقل عن إيوان غرانت خبير شؤون غسل الأموال قوله إن العديد من «الملاذات الجديدة» برزت في منطقة المحيط الهندي.
تتميز جزيرة موريشيوس، التي غالباً ما توصف بأنها «لؤلؤة» المحيط الهندي، بأنها ذات مجتمع حديث كما بأعلى مستوى معيشي في أفريقيا التي تنتمي إليها جغرافياً. وتجد في العاصمة بورت لويس البنايات العالية الحديثة تطل على المساكن الفاخرة التي تعود إلى العهد الاستعماري وتجد الرعاية والمحافظة، ولم يكن هناك سكان أصليون في الجزيرة عندما قدم إليها البرتغاليون في القرن السادس عشر، وكانوا أول أوروبيون يصلون إليها. وقد توالت السيطرة على موريشيوس من قبل الهولنديين إلى الفرنسيين وأخيراً البريطانيين. وما يزيد على النصف قليلاً من سكانها الآن من أصول هندية بينما ينتمي بقية السكان إلى أصول أفريقية وصينية وأوروبية. ولأسباب تاريخية وثقافية، واثنية أصبحت الهند أقرب شريك اقتصادي وحليف سياسي عندما نالت الجزيرة استقلالها من بريطانيا في عام 1968.
غير أنه قبل ثلاث سنين من نيل الاستقلال، وكشرط من شروط منح موريشيوس الاستقلال، تم فصل مجموعة جزر تشاغوز عن الجزيرة، ومنحها صفة اعتبارية خاصة باسم منطقة المحيط الهندي البريطانية، وهي المستعمرة البريطانية الوحيدة، التي تبقت تحت سيطرتها في شرق قناة السويس، وفي الوقت ذاته تم نقل كامل سكانها، البالغ عددهم حوالي ألفي شخص، وهم خليط ينتمي إلى أصول أفريقية وهندية وماليزية، عنوة إلى موريشيوس. وفي عام 1971 أجّرت بريطانيا الجزيرة الرئيسية دييغو غارسيا للولايات المتحدة، لتشييد قاعدة عسكرية بها، ودييغو غارسيا ذات الموقع الإستراتيجي تحولت إلى أهم قاعدة عسكرية في المنطقة، ولقد استخدمت كقاعدة إسناد خلال حرب الخليج الأولى في عام 1990 ــــ 1991، وفي غزو افغانستان في عام 2001 ،والعراق في عام 2003، كما يقال أن الأسرى في حرب أفغانستان في أواخر عام 2001 نقلوا إلى دييغو غارسيا للتحقيق معهم.

جنة سياحية
وبينما لا يزال أرخبيل جزر منطقة المحيط الهندي البريطانية يحظر قدوم سكانها الأصليين وغيرهم لها من دون أذن صادر عن القوات الأميركية، فإن موريشيوس تحولت إلى جنة يفد إليها السياح، فهي تتمتع بشواطئ بديعة، وملاعب غولف فاخرة، وفنادق راقية، ويتدفق عليها السياح من جنوب أفريقيا وأوروبا وشمال أفريقيا، كما بدأ يتزايد فيها عدد السياح الصينيين، ويزور الجزيرة حوالي 1.2 مليون شخص سنوياً، أي ما يساوي تعداد سكان البلاد.
وخلال الأعوام الأخيرة ازداد حجم التعاون مع الصين في مجال الاقتصاد والسياحة بصورة كبيرة، ومولت الصين تشييد توسعة مطار موريشيوس الدولي، كما تسهم الشركات الصينية الآن في تنفيذ أكثر من أربعين مشروعاً آخر في الجزيرة، وتشير تقارير إلى أن الاستثمارات الصينية التي تشرف عليها الحكومة الصينية باتت تزيح الهند جانباً في الجزيرة التي تعتبرها حديقة خلفية لها، وقد شملت تلك الاستثمارات 700 مليون دولار في منطقة اقتصادية خاصة ظلت تخدم توسع بكين في القارة الأفريقية. والصين تدمج في ما بين التجارة ومصالح حكومتها ويختلف هذا التوجه تماماً مع أسلوب الهند وبرامجها غير المترابطة والتي غالباً ما لا تجد دعماً كافيا من الدولة.
وقد باتت هذه التطوّرات تثير قلقاً في أوساط بعض الدوائر في العاصمة بورت لويس. فكما أشار صادق روحمالي، المحلّل المالي أثناء مقابلة مع صحيفة محلية انه «خلال العقود القليلة الماضية ظلت موريشيوس تعاني من التحوّلات التي حدثت لصورتها في تعاملاتها المالية الدولية كملاذ ضريبي آمن يفيد التهرّب الضريبي». ومع ذلك تظّل موريشيوس الجزيرة الأكثر ازدهاراً، واستقراراً سياسياً، مقارنة بدول المحيط الهندي المستقلة، غير أن المصالح الهندية، والصينية تتصادم فيها علناً. وعليه، فإنه لا بد أن ينتهي الأمر بالجزيرة بأن تكون في مقدم خطوط المواجهة في الحرب الباردة الجديدة التي تعمل في منطقة المحيط الهندي.

علاقات واتفاقيات صينية
أما بالنسبة إلى جزيرة سيشيلز فقد كانت خالية من السكان مثلها موريشيوس قبل قدوم الأوروبيين إليها، حيث قاموا بإحضار الرقيق، والعمال من افريقيا وآسيا، وقد نالت استقلالها في عام 1967 وتحوّلت سريعاً إلى دولة اشتراكية يحكمها حزب واحد، برئاسة فرانس ألبرت رينيه الذي كان صديقاً للسوفيت، كما لكوريا الشمالية. غير أن رينيه استقال في نهاية المطاف طوعاً في عام 2004 وتولت السلطة حكومة أكثر حيادية وتحولت الجزيرة منذئذ إلى وجهة مفضلة لقضاء شهر العسل للأثرياء ونجوم السينما والمشاهير، غير أن عائدات السياحة لا تكفي لثبات الوضع الاقتصادي، وتحولت سيشيلز إلى ملاذ ضريبي آمن، وترتبط الجزيرة بعلاقات دبلوماسية مع الصين منذ عام 1967، ولديهما الآن روابط وثيقة للغاية وأكثر ودّاً؛ ففي عام 2011 عرضت الحكومة على الصين إمكانية إقامة وجود بحري في الجزيرة، بدعوى مكافحة نشاط القراصنة قبالة شاطئ الصومال. غير أنه لم تتم متابعة ذلك العرض، ولكنه أثار مخاوف الهند. وفي عام 2007 زار الرئيس الصيني هو جين تاو الجزيرة ضمن جولة في افريقيا. وقد تم عندها التصديق على خمس اتفاقيات ثنائية للتعاون الاقتصادي والتقني، كما على مشاريع استثمارية. وقد اعتبرت تلك الزيارة على أنها مؤشر اهتمام الصين الاستراتيجي في المنطقة لأول مرة، وفي العام الماضي زار أكثر من 14 ألف سائح صيني الجزيرة.
ولكن المالديف جزيرة أخرى سياحية بديعة في المحيط الهندي، وقد تحوّلت هي أيضاً إلى وجهة مفضلة بالنسبة الى السياح الصينيين؛ ففي عام 2015 زار الجزيرة 1.2 مليون سائح، 360 ألفاً منهم قدموا من الصين، وفي ما يبدو أن السياحة توفر وضعاً جيداً فإن المالديف باتت تعتمد اقتصادياً على الصين. فالسياحة تعود إليها نسبة 28 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد. كما تحقق أكثر من 60 في المئة من الدخل الناتج عن العملات الأجنبية، ويأتي عائد صيد السمك في المرتبة الثانية بالنسبة الى قطاع الاقتصاد.
غير أن الثروة في المالديف لا يجرى توزيعها بصورة متساوية، وقد عانت البلاد أخيراً من اضطرابات سياسية جراء ذلك، وسيشيلز مثل جزر القمر، وعلى خلاف من موريشيوس تتميز بتركيبة سكانية متجانسة من المواطنين المسلمين، وخلال السنوات الأخيرة ادعت بعض المصادر أن هناك حوالي ثمانمئة من شباب المالديف ذهبوا إلى العراق وسوريا للقتال في صفوف تنظيم الدولة الإسلامية، وإذا ما وضعنا في الاعتبار أن إجمالي تعداد سكان المالديف يبلغ 345 ألف نسمة فقط، فإن نسبة الشباب ممن انضموا إلى صفوف «داعش» تعد نسبة مرتفعة للغاية؛ لأنه حتى الهند التي يبلغ عدد سكانها 1.2 مليار نسمة، ويشكل المسلمون نسبة 14 في المئة من ذلك العدد، لم يغادرها مثل ذلك العدد من الشباب للذهاب للقتال في العراق وسوريا.

آسيا تايمز