2024-11-27 08:28 م

اوكرانيا ..سحر وأسرار بلد المتاحف والحدائق والمدن الكلاسيكية

2017-06-02
كتب - طارق الحميدي
خلف ستار الجمال الطبيعي الذي تحظى به اوكرانيا من سهول وأنهار وبحيرات وجبال وغابات، ما يزال القسم الاكبر من هذا الجمال مخفياً وكأنه سر من الاسرار له مهابته ورمزيته، يحظر البوح به والإفصاح عنه لأي كان.

اوكرانيا الارض «فاحشة الخضرة» التي تزهو بطوق من الزهور على رأسها، وتختال صبية بكبرياء العرق السلافي، كلما تقدم بها العمر ازدادت شبابا وألقاً.

بين سفوح جبال كرباتيا دائمة الخضرة ذات المياه دائمة الجاريان، وفي ازقة مدينة لفوف الساحرة بين ميدانيها وساحاتها الارستقراطية، وعلى شواطئ اوديسا الجنوبية المشمسة، وفي زحمة كييف ومطاعمها وتماثيلها المنتشرة ومتاحفها ترسم اوكرانيا مشهدا سياحيا يجمع في بلد واحد ما تعجز عن الاحاطة به قارة بأكملها.

في رحلة في ربوع اوكرانيا التي تتمتع بتنوع يجعل من التفرد السمة الابرز لها وهي التي تجمع بين سحر الطبيعة وجمالها وبين قدم مبانيها وعصريتها، في حين يثري مزيج أعراق سكان هذا البلد الاوروبي المشهد الثقافي والحضاري، ليضيف له نكهة خاصة.

أوكرانيا ... مزيج من سحر وجمال

يجتمع الحسن والجمال والهدوء والصفاء في اوكرانيا التي تعتبر ثاني أكبر دول أوروبا الشرقية، ويحدها الاتحاد الروسي من الشرق، بيلاروسيا من الشمال، بولندا وسلوفاكيا والمجر من الغرب، رومانيا ومولدوفا إلى الجنوب الغربي، والبحر الأسود وبحر آزوف إلى الجنوب.

الا أن موقع اوكرانيا وجغرافيتها ومواردها وجمالها كان في كثير من الاحيان مصدر ازعاج لها ووبالاً عليها، حيث كان السبب في تحمل اوكرانيا لاطماع الدول الغازية منذ الأزل وحتى يومنا هذا.

وبعكس ما يعتقد الكثيرون بأنها بلاد يلفها البرد دائما فتتمتع اوكرانيا بمناخ جذاب ايضا فشتاؤها بارد ماطر مثلج وصيفها حار ومشمس وربيعها اخضر فواح ومزهر وخريفها متساقط الاوراق برتقالي اللون.

* كييف عاصمة المتاحف والحدائق

من كييف العاصمة الاوكرانية ومقر المتاحف في اوكرانيا، وفي قلب شارع خريشاتك الاشهر في كييف والذي دخل موسوعة جينيس العالمية باعتباره اقصر شارع رئيسي في العالم تبدأ رحلة الجمال «السلافي».

تتناثر على ثنايا الشارع وفي ممراته الفرق الموسييقية التي تقدم معزوفات ومقطوعات موسيقية بطريقة ابداعية وخلاقة لكسب الزرق في حين يتجمع المارة أو يجلسون على المقاعد المنتشرة للاستمتاع بهذه الموسيقى لتشتبك هذه المقطوعات مع الطراز المعماري الاوروبي الفريد في الشارع لتشكل سمفونية الخلود الاوكرانية.

تنتشر تلك الالحان وسط الشارع الذي يتميز بحيوية كبيرة ويكتظ بالمشاة والمتسوقين والمتزهين في كل الاوقات في حين يقف على جوانب الطريق بعض من مؤدي حركات الخفة والسحر أو حركات الرقص وكأنك تسير وسط مسرح مفتوح أو سيرك متنقل.

بالقرب من شارع خريشاتك ، يقف ميدان « مايدن» بشموخ وكبرياء وهو الشاهد على مجموعة من الاحداث الاوكرانية الوطنية كان آخرها الثورة الشهيرة التي قام بها الشباب الاوكراني ضد نظام الرئيس الاسبق فكتور يانكوفيتش في شتاء العام 2013 وبداية العام 2014.

ما تزال شواهد قمع المتظاهرين بارزة لتروي قصة التضحيات التي قدمها الشباب في هذه الثورة التي تعتبر رمز اعتزازهم جميعا من خلال صور الضحايا الذين سقطوا خلال المظاهرات، في حين أصبح تكريم هؤلاء الشهداء بوضع اكاليل الزهور على زوايا الميدان المختلفة تقليدا متعارفا عليه.

تعتبر كييف متحفا معماريا حقيقيا ويتميز نمط البناء في المدينة التي انشأت قبل 15 قرنا فريدا واستقراطيا وكلاسيكيا كما تتميز العاصمة بكنائسها الرائعة والكاتدرائيات، وعلي رأس قائمة المناطق الجاذبه للسياحة والأكثر شعبية هو بيشيرسك افرا ” دير الكهوف”، ويعد هذا الموقع التراث العالمي لليونسكو، وهو مجمع ضخم من الكنائس والمتاحف. ومن الأماكن البارزة الأخرى للعبادة دير سانت مايكل للقبة الذهبية، وكاتدرائية سانت صوفيا، وكاتدرائية القديس فلاديمير، وكنيسة القديس أندرو.

وتعتبر كييف واحدة من أكثر عواصم العالم خضرة وتتميز بالحدائق المفتوحة والغابات ومن أهمها وأجملها حديقة بمارينسكي، وحديقة المجد.

* لفيف قلب أوكرانيا النابض

وفي الاتجاه غربا تطل مدينة لفيف القلب النابض والروح الحقيقية الوطنية في اوكرانيا، وتكشف عن نفسها كمدينة مميزة يقال إن عديدا من سكان اوكرانيا يحسدون أهل لفيف على مدينتهم وسحرها وروحهها.

تتميز المدينة بروح وطنية عاليه ويشعر الزائر بأن لفيف مدينة تتوشح منذ مداخلها بالعلم الاوكراني ذو اللونين الاصفر والازرق وترفرف الاعلام الاوكرانية على اسطح البنايات والمنازل، في حين أن تحية السكان فيها هي التحية الاوكرانية الاشهر « المجد لاوكرانيا» أو «سلافا اوكراييني».

تتميز لفيف - كما يسميها الاوكران - بالمباني الاستقراطية الكلاسيكية ونمط البناء في وسط المدينة فيها يجعل من المسير فيها سحراً خاصاً بين تلك المباني الملونة والاحجار القديمة التي تتصل مع بعضها البعض لتتشابك على هيئة اجحار عقد على عنق فتاة ساحرة الجمال.

وتنثر تلك الجميلة نوافيرها وكأنها جدائل من الشعر ذي اللون الذهبي الناعم، في حين لا يتورع الصغار وحتى المراهقون في القفز داخل النوافير هربا من شمس الصيف، خاصة تلك التي تقع في وسط لفيف مقابل دار الاوبرا الشهيرة.

الا أن ما يميز لفيف ليس تلك المباني القديمة بل الروح الوطنية العالية حيث احياء الغة الاوكرانية واجب على كل مواطن هناك في حين يتباهى الشباب بلباس الجيش الاوكراني باعتباره مصدر فخر واعتزاز للجميع خاصة في ظل وجود الحرب مع الانفصاليين في الشرق الاوكراني ما سبب بارتفاع الروح القومية بشكل لافت في مختلف المدن الاوكرانية وعلى رأسها لفيف.

جبال كرباتيا ... جنة الله في الارض

تحتفظ أوكرانيا بسحرها الاعظم وتخفيه بعيدا عن الناظرين في جبال كرباتيا في اقصى الغرب وهي السلسة الجبلية الثانية الاكبر في اوروبا بعد جبال الالب التي ترتدي حلة مختلفة في كل فصل من الفصول.

وتتشارك في جبال كرباتيا كل من رومانيا وأوكرانيا وسلوفاكيا وهنجاريا ويعتبر الجزء الاوكراني من هذه الجبال واحدا من أهم مناطق اسياحة في اوكرانيا خاصة السياحة الشتوية بسبب كثرة أماكن التزلج فيها.

تتميز السلسلة الجبلية بخضرة قل مثيلها وبكثرة ينابيع المياه والانهار والمجاري المائية وتتوشح باللون الاخضر وهي تمتد في افق يشعر الزائر بأن لا نهاية له.

حتى البحيرات والانهار في تلك الجبال تتوشح باللون الاخضر بعد أن عكست عليها قمم الجبال واهدتها من لونها شيئا لتتفرد هذه الجبال عن غيرها.

في كرباتيا كل شيء بسيط وجميل، الهواء نقي منعش، المياه باردة وعذبة، والقريون من سكانها ودودون مضيافون، والطعام فيها لذيذ من طبق « السيرنكي» الذي يعتمد على الجبنة الحلوة والزبادي الى طبق الفارانكي الذي يعتمد على البطاطا الحلوة أيضا الى حساء «البوش» أحمر اللون شهي الطعم بالاضافة الى اشكال وانواع المربى المختلفة التي تشتهر بها المنطقة وتدخل في معظم اطباقها.

تعتبر جبال كرباتيا موئلا لأهم الحيوانات والطيور في اوروبا كامله فهي الموطن للدببة البنية والذئاب والشامواه والوشوق، كما أنها موطن لأكثر من ثلث الأنواع النباتية الأوروبية.

يعتز اهالي وسكان القرى والمدن المتناثرة على سفوج جبالها وكأنها حبات من عقد مرجاني، بتراثهم ولباسهم القديم وما يزالون يرتدون هذا الزي بشكل يومي في حين خصص يوم من ايام العام لاحياء الزي الاوكراني بشكل عام وزي هذه المناطق بشكل خاص.

محظوظ من يزور جبال كرباتيا في شهر الربيع فهي التي تشتهر بتنظيم المهرجانات الخاصة بالعنب والاجبال ومختلف أنواع منتجاتها الغذائية وسط اجواء قروية اوروبية تجمع بين البساطة والجمال.

قد تنتهي الرحلة في جبال كرباتيا الا أن لاوكرانيا سحرا يجبر الزائرين على العودة يوما ما، كما أن فيها من الاسرار ما يستحق العودة مرارا وتكراراً.
المصدر: "الرأي"