2024-11-26 05:22 م

إيران وحماس على مائدة بروباغندا القرصنة السعودية -الإماراتية.. تصفيق لترامب!

2017-05-25
نضال الزغير
يستمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في جولته الدولية المستهلة من على موائد المليارات السعودية، لينتقل من القدس المحتلة إلى إيطاليا والفاتيكان، بعد أن كان البابا فرانسيس الأول قد شكك "بمسيحيته" قبل شهور قليلة. ومع استمرار ترامب في جولته، يستمر مط خطابه الاستعدائي، الانتقائي في من يستعديهم هذه المرة على عكس ما كان خطاب ترامب المرشح، لكن هذه المطمطة وعلى غير المعتاد، لم تأت من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وحده، أو حتى من المرشحة لآخر انتخابات فرنسية عن حزب الجبهة الوطنية الفاشي مارين لوبان، بل حفلت الشاشات والافتتاحيات "الصحفية" الممولة سعوديًا وإماراتيًا بعملية إعادة إنتاج لإيقاع الاستعداء الترامبي الجديد، لا يبدو أن آخرها سيكون اختراق بعض المواقع، بل ووكالة الأنباء القطرية الرسمية "قنا" وتطعيمها بتلفيقات وشعوذات لتوفر مادة كاذبة لتحليلات استديوهات دبي وأبوظبي التوهمية. 

منذ أن جمع دونالد ترامب بين حركة حماس وتنظيم داعش ومساواته بين الأولى بما تمثل من حركة تحرر وطني فلسطيني، راجع وثيقة الحركة الأخيرة أقله، والأخير بما يمثل من فوضى ترهبيبة وإجرام منظم في خطابه في القمة "العربية-الإسلامية" المنقضية في الرياض، ولم يكن السكوت والرضا الرسميين من الحاضرين هو السمة الوحيدة لتبعات مثل هذا المزج الهستيري، بل يضاف إليه التلقف الإعلامي السعودي والإماراتي لمثل هذا الوصم، وكأن ترامب في قدومه إلى الرياض وقوله ما قال، إنما قدم الثمن المنتظر عما جناه من صفقات للأبواق الاستخبارية الناطقة بتحريض المعسكرين. 
ومنذ الخطاب الترامبي الشهير، والتفريق غاية في الصعوبة بين شاشة العربية، بفرعيها، أو سكاي نيوز عربية مثلًا و شاشة سلطة البث الإسرائيلية الجديدة باسم كان/ مكان بالعربية، التي تعتبرها الأوساط الصحافية الإسرائيلية لسان حال نتنياهو ومشروعه للهيمنة المافيوية على الإعلام العمومي أكثر من كونها الشاشة الإسرائيلية الرسمية حتى، وكذلك بين طيات عكاظ والشرق الأوسط وبين "إسرائيل اليوم" المملوكة لنتنياهو أيضًا وحليفتها يديعوت آحرونوت. 
 ما يهم أكثر هنا أنه وبالقدر الذي تم التركيز عليه في إعلام اليمين الصهيوني على حشر حركة حماس ضمن ذات التصنيف بالإرهاب مع داعش، وكذلك دولة إقليمية بحجم إيران، التي وصفها ترامب وسط التصفيق السعودي بأنها الشيطان/الشر المطلق، جاء ذات التركيز، وربما أكثر، عبر إعلام محور الرياض- أبو ظبي بذات المفردات والعناوين والمستهلات الخطابية المقعرة والتحريضية. حلقات متواترة من البروباغندا "الهتلرية"، وساعات بث كبرى خصصت لتكرار الجملة المختصة بحماس وإيران تحديدًا والحوم حولها وإعادة قولبتها وتدويرها عبر كوابل محرري هذه الشاشات وضيوفهم من طواقم سعودية وإماراتية التمويل من مجندي الجبهة الٌإعلامية الأمامية، وجوه لا تغيب عن الشرق الأوسط ولا الحياة اللندنية، حتى رئيس تحرير عكاظ نفسه مع جملة واسعة ممن يحملون لقب خبير ومحلل.. الخ من تشوهات جوقة الرياض-أبوظبي، اللندنية والقاهرية على السواء، فأي فرصة جميلة تلك لطبالي السيسي مثلًا أكثر من "غنيمة" مشابهة. ترامب يتهجم على الخصوم، ويضعهم في سلة الإرهاب الداعشي، ومخابرات أبوظبي والرياض تقتحم مواقع إلكترونية رسمية بغاية نشر الأكاذيب والتضليل. وجبة مجانية لكل من لم يعتادوا ممارسة الإعلام بقدر ممارستهم الدعاية المخابراتية.

الغريب في الأمر، بل والمثير للاشمئزاز من مدى الاستعداء الرخيص وغياب أي حديث في السياسة، أو حتى الإعلام، عن سلوك مشابه، أن الأسابيع الأخيرة شهدت تحولات مركزية في المنطقة، سواء على جبهة حماس وممكنات العلاقة معها، أو على جبهة طهران، خاصة مع إعادة انتخاب الرئيس الإصلاحي حسن روحاني لفترة رئاسية جديدة، قد تتيح له ما لم يكن متاحًا في الفترة الأولى على صعيد إقليمي. وهذا ما اقتربت الأوساط المقربة من روحاني من إشهاره، تحت عنوان مد الجسور في المنطقة ومد الأيادي للجيران. لكن كل هذا بعيد ليس فقط عن الفهم السعودي والإماراتي، بل أيضًا عن مخيلتيهما، فكل ما يفهمانه هو التمويل المخابراتي وإفساد الثورات والانتفاضات الشعبية عبر هذا التمويل، وإن لم يكن، فبدعم الانقلاب عليها، ولو عسكريًا، كحالة مصر مثلًا، أو شن الحروب التدميرية، التي لا تحوي استراتيجيات بقدر ما تضع الخراب نصب خرائطها، كما اليمن مثلًا، وعواصف آل سعود غير المنتهية فيه.
لا تفهم كل من الرياض وأبوظبي لغة الانفتاح والتنافس وممارسة السياسة والدبلوماسية، وحتى الإعلام، إلى أقصاها، ما تفهمه أكثر من أي شيء  لغة التناحر والتدمير والتخريب، مرفقة بالكذب والتضليل والقرصنة والنهب، لذلك من العبث نقاش الفرص لمد جسور حقيقية في المنطقة العربية غير منتهية المآسي المتأتية من صلب سياسة الرياض وعربدة أبوظبي. كما من السذاجة الاعتقاد بأخلاقية أي معركة على هذه الجبهة، فمن غير المستطاع ولا العقلاني مجابهة لص بقصيدة أو مغتصب بسيمفونية، كذلك لا يمكن النزول لدى مستويات البروباغندا السعودية الإماراتية الرخيصة إلا بقول كل شيء بما هو عليه، وما يتبدى أن حضور ترامب الإعلامي في العالم قد جلب معه مستويات جديدة من الأخلاق وآليات جديدة إلى الإعلام، سرعان ما تلقفها من تلائم مؤسساتهم سمة إعلام برتبة مخبر.