2024-11-30 12:38 م

ملتقى رام الله الروائي: أفلسطيننا هذه أم أوسلو؟

2017-05-20
طارق حمدان
وها هو «ملتقى فلسطين الأول للرواية» الذي انطلقت دورتُه الأولى في السابع من أيار (مايو) تحت عنوان «دورة القدس... دورة نبيل خوري»... الملتقى الذي امتدت أعماله على مدار أربعة أيام وجَّه دعوة إلى عدد من الروائيين العرب من بلدان مختلفة. جزء منهم لم يحصلوا على تصاريح دخول إلى فلسطين، وبعضهم الآخر تمكن من الوصول ليشارك في فعاليات الملتقى التي تركزت على ندوات ناقشت مواضيع مختلفة تتعلق بالرواية. مقارنة بالنشاط الثقافي الرسمي السابق في رام الله، شهدنا في العامين الماضيين مشاريع كثيرة وأنشطة وفعاليات، كان آخرها هذا الملتقى الذي عُقد في وقت تشهد فيه البلاد إضراباً للأسرى، وغلياناً في الشوارع.

ولهذا كانت وزارة الثقافة حريصة على ربط الملتقى بما يجري في الساحة الفلسطينية حتى ولو نظرياً، فأشار المنظمون إلى تزامن الملتقى مع «وعد بلفور» ومع الذكرى الثلاثين لاندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وذكرى ميلاد الشاعر توفيق زياد، وتم نشر رواية «نرجس العزلة» للمعتقل باسم خندقجي الذي يقبع في سجون الاحتلال. حسناً كل هذا جميل، ولكن ما جدوى الملتقى فعلاً من الناحية العملية؟ سيخطر في البال هذا التساؤل، لنعثر على نتائج متواضعة مقتصرة على بضع جلسات وندوات.
هناك من يتحدث عن غياب القضية الفلسطينية عن الساحة السياسية العربية ـ وزير الثقافة الفلسطينية من ضمنهم ـ تبعه أيضاً خفوت، بل ربما غياب لها في الخطاب الثقافي أيضاً. وهنا حاول ملتقى فلسطين للرواية جذب انتباه الكتاب العرب من جديد إلى فلسطين. مهمة يبدو من الواضح أن وزارة الثقافة الفلسطينية وضعتها على سلم أولوياتها، وأن وزير الثقافة الحالي أصاب شيئاً من النجاح بخصوص ذلك.
لكن أيّ فلسطين تلك التي يتم التسويق لها ثقافياً؟ هل هي فلسطين التي يعرفها الفلسطينيون ويعرفها أحرار العالم، أم هي «فلسطين أوسلو»؟ وهنا نقطة خلافية كبيرة نضعها أمام المنظمين والمشاركين على حدٍّ سواء. ولو تكلمنا فعلاً عن غياب القضية في الخطاب الثقافي العربي، فمن هو المسؤول عن ذلك؟ سنعثر على بعض الإجابات التي تتعلق بتنازل السياسيين والرأسماليين وموظفي الـ «إن جي أوز» عن فلسطين التي نعرفها. وسنعثر على إجابات أخرى متعلقة بالانقسام الفلسطيني المهين والتناحر على السلطة، وأخرى متعلقة بضعف «منظمة التحرير» وغياب مشروع وطني واضح. وسنعثر على إجابات تتعلق بانسحاق المثقف العربي على عتبات المال والسياسة والجوائز والأضواء، كلها نقاط جوهرية أدت إلى هذا الغياب أيضاً. ولهذا، ألا تستحق أخذ مواقف صريحة وواضحة بشأنها، ألا تستحق وقفة من مشتغلي الثقافة في فلسطين؟
في «ملتقى الرواية» ترددت كثيراً عبارة «كسر الحصار» على ألسن المنظمين والمشاركين والصحافيين وعشرات الكتاب بعدها؛ في الصحف وفي المواقع الإلكترونية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي... تلك العبارة الـ «كيتش» التي أفرغت من مضمونها، فأصبح الكل يصدح بها «كسر الحصار.. كسر الحصار»، ليخيل إلينا أن الروائيين الذين شاركوا في الملتقى قاموا باقتحام الأسوار والحواجز ونقاط التفتيش المحيطة بالأرض المحتلة كي يصلوا إلى رام الله! ويغيب عن مرددي هذه العبارة أن الكسر هو فعل قوة، وأن فاقد الشيء لا يعطيه. 
جميع الضيوف والزوار الذين يدخلون فلسطين سواء كانوا من بلدان عربية أو أجنبية، يدخلونها عبر تصاريح الاحتلال، ما يعني أن الاحتلال هو الذي سمح بدخولهم. مؤسسات «السلطة الفلسطينية» تساعد في تقديم تلك التصاريح لتسهيل العملية من ناحية، وتفادي الاحتكاك المتعلق بطلب التصريح بين الزائر
والاحتلال.
القرار النهائي للاحتلال طبعاً الذي لم يعط التصاريح لكثير من ضيوف «ملتقى الرواية
الأول».
قد نتفق مع وزير الثقافة إيهاب بسيسو، وقد نُعجب بخطابه العام، وبالنشاط والحماس اللافت مقارنة بمن سبقه. ولكن فليسمح لنا أن نختلف معه أيضاً، ونقاط الاختلاف هنا جوهرية، التسويق لفلسطين ثقافياً على أنها بضع مدن في شرق الوطن المحتل هو أمر مرفوض بالنسبة إلى غالبية الفلسطينيين وللكثير من أحرار ومثقفي العالم؛ الذين يقفون بشجاعة وبأس مع القضية العادلة. و«كسر الحصار» يعني أن تدخل فلسطين رغم أنف المحتل، وغياب الموضوع الفلسطيني عن السياسيين والمثقفين العرب، فهذا شأنهم وشأن ضمائرهم ـ
أحدهم كتب «متمنياً» زيارة «الأراضي الفلسطينية» ومتندراً على مقولة «تحرير فلسطين» ـ أما الرواية فهي كوميديا سوداء بامتياز ولا شك بأنها تكتب
الآن.
"الاخبار اللبنانية"