اختلف محللان حول قدرة الولايات المتحدة على الاستغناء عن نفط الشرق الأوسط بعد معلومات وكالة الطاقة الدولية التي أظهرت أن أمريكا أكبر منتج للنفط في العالم في 2017 إذ تقترب من تحقيق الاكتفاء الذاتي بفضل زيادة حادة في إنتاج الغاز والنفط الصخريين.
وقال الدكتور راشد أبانمي، الخبير النفطي: إن السياسة الأمريكية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما تجاه منطقة الشرق الأوسط بعد عام 2016، كانت قد اتخذت منذ بداية العقد الماضي 2000، وهو نهج أمريكي متبع وإحياء للاستراتيجية الأمريكية التي أعلنت عنها أمريكا منذ الحظر النفطي أعقاب حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973، عندما حدث ضغط على أمريكا ودول الغرب، حيث كان هناك حديث أن استقلال أمريكا عن هيمنة نفط الشرق الأوسط واعتماد أمريكا والدول الغربية على نفط العرب، وبدأ الإنتاج من ألاسكا ودول أمريكا الجنوبية وكندا، إلا أن هذا النهج بدأ في الانحسار وتلاشى الزخم مع تتالي الأحداث الأخرى وهدوء الأمور، إلا أن هذا التوجه بدأ يأخذ مسارا آخر بعد أحداث 11 من أيلول (سبتمبر)، فقد أحيت أحداث أيلول (سبتمبر) هذا التوجيه وبدأ الحديث عن موضوع استقلال أمريكا عن هيمنة بترول الشرق الأوسط في الأسواق العالمية، ومحاولة الاعتماد على النفط من خارج دول ''أوبك'' خصوصا النفط الذي يأتي أمريكا الشمالية والوسطى والجنوبية أي من غير منطقة الشرق الأوسط، والسياسة التي اتبعتها أمريكا أخيرا وقامت بالتركيز عليها هي التركيز على الداخل أي في حدود الولايات المتحدة، حيث قطعت أمريكا شوطا كبيرا في هذا الاتجاه، ولكن بعد أحداث أيلول (سبتمبر)، بدأ هذا النهج يزداد زخما أكثر من السابق.
وأضاف أبانمي: بعد أحداث أيلول (سبتمبر) وتداعياتها في مختلف دول العالم سواء في العراق وإيران ومنطقة الشرق الأوسط بشكل عام، جاءت الأزمة المالية التي حدثت في عام 2008 وارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية إلى قرابة 150 دولارا للبرميل، مشيرا إلى أن كل هذه الأحداث المتراكمة وبشكل سريع منذ عام 2000، أضافتا إلى العجز المالي الأمريكي المتراكم، اتخذ مسارا أكثر جدية من السابق، وخلقت نوعا من التحدي ليس فقط النظر في البحث عن البديل لنفط الشرق الأوسط فقط، بل التوجه وعدم الاعتماد على النفط والطاقة المستوردة من جهة أمريكا التي تزيد من أعبائها المالية، حيث قامت أمريكا بتكثيف سياستها في اكتشاف حقول نفط جديد في أمريكا نفسها، ورفع الحظر عن بعض المحميات ومنح مناطق كبيرة للاستكشافات النفطية، التي كان ممنوع فيها علميات الاستكشافات في السابق، لبعض الشركات حيث تم اكتشاف حقول نفطية كبيرة في المياه الإقليمية لأمريكا في خليج المكسيك وبالقرب من كاليفورنيا، وتكثيف الإنتاج من محميات ألاسكا ومد خطوط بايبلاين واستكشاف النفط في المياه الإقليمية بالقرب من كاليفورنيا. كما أن الاستثمار في البدائل الأخرى للنفط قطع مجالا كبيرا، ولعل اكتشاف الغاز الصخري قد أحدث ثورة عظيمة في مجال الطاقة، مشيرا إلى أن هذا الإنجاز فتح أبوابا كبيرة للطاقة ومن أجل تقليل الاعتماد على النفط كمصدر للطاقة، وبالتالي التقليل من استيراده من منقطة الشرق الأوسط وبقية دول العالم.
وأضاف: جميع هذه العوامل وفي ظل المشكلات المالية الداخلية، والعجز في الديون المتراكمة الأمريكية، فإنتاج أمريكا الآن يغطي على الفوائد المالية المتراكمة، فهناك عجز مالي كبير لدى أمريكا، لذا من الصعب الاستمرار في الاعتماد على النفط وفاتورته المكلفة، مع كل هذا التقدم التقني، نجد أن تصريحات أوباما لها كثير من الجدية والمصداقية، وهذا يدلل على التوجه للاستقلال عن الاعتماد على النفط بشكل عام ونفط الشرق الأوسط بشكل خاص.
وقال: إن العشر سنوات الماضية بدأت بأحداث أيلول (سبتمبر) وما أعقبها من تطورات سياسية واقتصادية ومالية، كل هذه التداعيات جعل من النظر في الاستقلال عن النفط من خارج أمريكا ككل ليس من الشرق الأوسط فقط، والاعتماد على موارد أمريكا الداخلية، حيث ذلك المشكلات المالية التي تواجهها أمريكا، والعجز الذي وصل خطورة كبيرة دفعت أمريكا لتقليص نوعا ما الاستهلاك والجدية في الاعتماد على الموارد الداخلية.
وأوضح أن تحديد عام 2016، مبني بشكل كبير على الاكتشافات الأخيرة للغاز الصخري، وهي تقنية جديدة تفتح آفاقا واسعة، وسيكون لها تأثير كبير على الطاقة بشكل كبير، حيث يوجد مخزون هائل من الغاز الصخري في أمريكا تم اكتشافه، رغم أن هذه التقنية في مراحلها الأولى، فعملية التكسير رغم أنها الآن لها آثار خطيرة على البيئة وتلوث باطن الأرض قد ينتج عنها كوارث طبيعة وتلويث للمياه الجوفية، إلا أنه مع التقنية والدراسات العلمية التي ستجرى خلال السنوات الجارية يمكن تجاوز هذه الآثار.
وقال: إن الاستراتيجيات والسياسات الأمريكية تتصف بالشفافية، وإن تصريحات أوباما جادة وشفافة، لذا فيجب أن تقرع الأجراس في منطقة الشرق الأوسط، وتعتبر إنذارا للمنطقة، لمواجهة نقص الموارد المالية للسعودية مستقبلا التي تعتمد على 93 من مواردها المالية على صادرات النفط.
وقال الدكتور راشد: ''في اعتقادي الشخصي، وآمل أنني على خطأ، فإن تصريح أوباما ولو كان جديا ويحظى بمصداقية، إلا أنه لن يغير في الأمر شيئا، فعند النظر للـ 40 عاما الماضية، كانت وللأسف كانت السعودية تعتمد اعتمادا كبيرا على مواردها المالية من بيعها للنفط واستمر هذا الاعتماد في الارتفاع إلى أعلى من 93 في المائة من مواردها المالية من صادرات النفط حاليا، وربما يصل إلى 100 في المائة'' وأضاف: ''على الرغم من ذلك يجب النظر لهذه التصريحات بعين الاعتبار ومأخذها مأخذا جديا''.
من جانبه، قال سداد الحسيني، الخبير النفطي لـ ''الاقتصادية'': إن تصريحات أوباما تصب في خانة الاستهلاك الإعلامي فقط، فيه كثير من المبالغة، وإن أمريكا ليس بمقدورها الاستغناء عن النفط المستورد سواء من منطقة الشرق الأوسط أو بقية دول العالم، خاصة أنها تستهلك ما يقارب 19 مليون برميل يوميا، في حين أن إنتاجها من النفط والغاز السائل لا يجاوز 6.5 ملايين، لذا فهي بحاجة لزيادة إنتاجها إلى ثلاثة أضعاف حتى لتغطية الاستهلاك المحلي اليومي، وهذا الأمر مستحيل في الوقت الراهن، لعدم توفر الأجهزة والتقنيات والاحتياطات للقفز إلى مستويات إنتاج عالية تصل إلى 19 مليون برميل يوميا.
وأضاف أن أمريكا تستخدم الآن ''الإيثانول'' وخلطه مع البترول، ويتم استيراد ما بين سبعة إلى ثمانية ملايين برميل، وتعمل على تطوير الغاز الصخري، ورغم أن تنبؤات مختصي أمريكا أنفسهم تشير إلى احتمالية وصولهم لإنتاج تسعة ملايين برميل يوميا من النفط، بالتالي يصبح لديها عجز عشرة ملايين برميل. ويرى الحسيني أن تصريحات أوباما قائمة على توجهات سياسية أكثر منها فنية، حيث من المستحيل تحقيق ذلك، إلا في حال أصيبت أمريكا بركود اقتصادي كبير جعل أمريكا ليس بحاجة إلى النفط، وهذا الأمر مستبعد في الوقت الراهن. وقال: إن التصريحات تتداول منذ السبعينيات خلال حكم الرئيس الأمريكي كارتر وريجان، وهذا الحديث ليس واقعيا.
"الاقتصادية"