«التدخل في الشؤون الداخلية» عبارة لطالما لازمت «أدبيات» السياسة السعودية، في معرض الشكوى من إيران. ولكن يبدو أنها تحوّلت مع محمد بن سلمان إلى شعار، يجاهر به، علناً، في تهديداته الكلامية للجمهورية الاسلامية
بطريقة «دونكيشوتية»، توعّد وليّ وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان، في أحدث مقابلاته مع التلفزيون السعودي، يوم أمس، بنقل المعركة إلى الداخل الإيراني، قائلاً «نعرف أننا هدف للنظام الإيراني ولن ننتظر أن تكون المعركة في السعودية، بل سنعمل على أن تكون لديهم في إيران». ابن سلمان أقفل، في كلامه، باب الحوار المباشر مع إيران، خالطاً الدين بالسياسة، حين أشار إلى أن الإيرانيين «يريدون السيطرة على العالم الإسلامي»، وأن «منطقهم تحضير البيئة الخصبة لحضور المهدي المنتظر»، وأنهم يستهدفون «الوصول إلى القبلة». وفي تجاهل للطابع المتشدد للنظام السعودي، الذي بُني تاريخياً على أساس تحالف مقدّس بين المؤسسة القبلية التي يتزعمها آل سعود والمؤسسة الدينية التي يقودها غلاة الوهابية، برر ابن سلمان عدم إمكان الحوار مع إيران بالتساؤل: «كيف أتفاهم مع نظام لديه قناعة مرسخة بأنه نظام قائم على إيدلوجيا متطرفة منصوص عليها في دستوره وفي وصية الخميني بأنه يجب أن يسيطروا على العالم الاسلامي ونشر المذهب الجعفري حتى يظهر المهدي المنتظر؟»، ليخلص إلى القول إنه «لا توجد نقاط التقاء بيننا وبين النظام في إيران».
وفي الملفات الأخرى، سعى محمد بن سلمان إلى غسل يدي المملكة النفطية من الدم اليمني، إذ قال إن «الحرب في اليمن لم تكن خياراً بالنسبة للسعودية، فهناك ميليشيات إرهابية أطاحت الشرعية في اليمن، وهددت الملاحة الدولية، والتأخر في التدخل كان سيفاقم من أخطار الانقلابيين». وأشار إلى ان ما سمّاه «الشرعية»، أي حكومة عبد ربه منصور هادي، «باتت تسيطر على ما بين 80 و85 في المئة من أراضي اليمن»، ولافتاً إلى أن «قوات التحالف العربي قادرة على اجتثاث ميليشيات الحوثي وصالح في أيام قليلة»، من دون أن يقدّم تفسيراً لإخفاق السعودية في الحسم، رغم مرور أكثر من عامين على العدوان. وحول الأنباء التي تتحدث عن خلاف بين السعودية والإمارات حول اليمن، قال وليّ وليّ العهد السعودي إنها كلها «شائعات».
وتطرق ابن سلمان إلى العلاقات السعودية ــ المصرية، فرأى أن «الإعلام الإخونجي المصري» يعمل على زعزعتها. وشدد على أن «العلاقات مع مصر صلبة وقوية ولا تتأثر بأي شيء»، رغم «الشائعات التي يروّج لها الكارهون للسعودية ولمصر». ولفت إلى أن «دعاية إيران والإخوان تسعى لإيجاد شرخ» في تلك العلاقات.
وإذ تجاهل ابن سلمان الجدل القائم داخل مصر حول تيران وصنافير، لا سيما بعد تحدّي البرلمان المصري لقرار المحكمة الإدارية العليا القاضي بمصريّة الجزيرتين، نفى وجود خلاف سعودي ــ مصري بشأن اتفاقية تعيين الحدود البحرية، مؤكداً أن فرقاً مختصة تعمل حالياً على التجهيز لـ«جسر الملك سلمان» في شمال سيناء، وأنه سيتم وضع الحجر الأساس لهذا الجسر قبل عام 2020.
ورأى ابن سلمان أن «ما تم بين مصر هو ترسيم الحدود البحرية. مصر لم تتنازل عن أي شبر من أرضها، وكذلك السعودية لم تتنازل، وترسيم الحدود أتى للمنافع الاقتصادية».
وفي الملف السوري، بدا ابن سلمان أكثر واقعية، مقارنة بالخطاب السعودي التقليدي، إذ أشار إلى أن أيّ احتكاك بين القوى الكبرى في سوريا سيخلق أزمة دولية. وقال إن الوضع في سوريا معقد للغاية، لافتاً إلى أن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أضاع فرصاً مهمة لصنع «تغيير» هناك.
وفي الشأن الداخلي السعودي، قلّل ابن سلمان من التوقعات السلبية لاقتصاد المملكة النفطية، إذ أشار إلى أنّ «الاقتصاد السعودي لم يدخل في مرحلة انكماش رغم انخفاض أسعار النفط». ولفت إلى أن انخفاض أسعار النفط في الماضي أدى الى ارتفاع البطالة والتضخم، لكنه توقع انخفاض نسبة البطالة إلى 7 في المئة، وفق «رؤية 2030»، وهو المشروع الاقتصادي الذي يروّج له الأمير الشاب منذ أكثر من عام. وقال ابن سلمان إنه لا توجد ضرائب على الثروة أو ضرائب على الدخل، مشيراً إلى أنه تمت مضاعفة الإيرادات غير النفطية خلال العامين الماضيين. وتابع «حافظنا على الكثير من المؤشرات الاقتصادية بشكل جيد رغم انخفاض النفط»، مشيراً إلى ارتفاع فرق المتوقع من الإيرادات غير النفطية في الربع الأول من عام 2017، ومؤكداً أن الدين العام لن يزيد على 30 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي.
(الأخبار) اللبنانية