القراءة الإسرائيلية المتعمقة تقول بوضوح إنه لا يوجد أي سبب يجعل الكيان الإسرائيلي سعيداً هذه الأيام لما يجري في سورية وفي شمال شرق العاصمة دمشق تحديداً، والصفعة الكبرى كانت في مقابلة الرئيس الأسد الأخيرة التي كانت مليئة بالتحدي والإصرار إذ أغلقت الباب أمام أي آمال بسقوط الدولة السورية، لأنه بحسب محللين عسكريين فإن الجيش السوري مدعوماً بحلفائه يتقدم ويحقق مكاسب كبيرة في عدد من جبهات القتال ويكبد المسلحين ومن وراءهم يومياً خسائر فادحة في المعدات والأرواح في كل المحافظات السورية، ويبدو أن الخوف من أي إنتصار سوري على الجماعات المسلحة بات له التأثير المباشر على الكيان الإسرائيلي إذ أكد نتنياهو أكثر من مرة " إن من مصلحة إسرائيل هزيمة الأسد ورحيله"، وهذا لا يخلو من تخوف ورعب من نجاح الرئيس الأسد في تصديه للإرهاب والإنتصارات التي يحرزها الجيش السوري.
كما هو الحال مع كل تقدم بارز يحققه الجيش السوري، تتسارع وسائل الإعلام الإسرائيلية على قراءة أبعاد هذا الحدث، وأثاره الإيجابية والسلبية على الأمن الإسرائيلي، هذه الإنجازات دفعت المحللين الإسرائيليين للتساؤل عن مرحلة ما بعد هذه الإنتصارات، فيما حذر آخرون من أن ما حققه الجيش يعزز قوة الدولة السورية، خاصة بعد سيطرته على أغلبية المدن المؤثرة والكبرى في سورية، وفي اللحظة التي سيقرر فيها إرسال قوة عسكرية كبيرة إلى محافظة درعا الأقرب إلى الجولان المحتل ستقترب أيضاً قوات من حزب الله وإيران وعندها ستجد إسرائيل نفسها في حرب دائمة ومتواصلة، وهذا سيضعها بين خيارين أحلاهما مر: بين السيء جداً والأسوأ بكثير، فإما داعش وأخواتها التي ستهرب نحو الجولان وإما الجيش السوري الذي سيخوض معركته بمساعدة حزب الله وإيران في الجولان، وفي الاتجاه الآخر إن سقوط منطقة الغوطة الشرقية وما حولها بيد الجيش سيلحق ضربة قاسية بالمجموعات المسلحة التي تعاني من حالة تفكك، فيما سيتقدم الجيش وحلفاؤه نحو إرساء سيطرة الدولة السورية على أجزاء أخرى مهمة وواسعة، كل ذلك سيجعل إسرائيل أمام حقيقة واحدة مفادها بأن ليس لديها أي قدرة على التأثير في الأحداث السورية، وهذا ما يؤكد بما لا يدع مجال للشك بأن المشروع الأمريكي - الإسرائيلي يواجه سقوطاً وفشلاً ذريعاً على أبواب دمشق، وأدلة الفشل على ذلك كثيرة، بدءاً بسقوط وفشل جميع العمليات الإرهابية داخل سورية في تحقيق أي أهداف أو مكاسب سياسية، وأن مشروع تقسيم سورية قد إنهار بعد أن إنكشفت كل خيوط اللعبة التي أدارتها أمريكا وحليفتها إسرائيل.
في هذا السياق إن المشهد الذي تشهده دول المنطقة وخاصة سورية كان لإسرائيل عدة وجوه لعبت خلالها أدواراً مهمة من أجل تقسيم سورية الى كيانات طائفيه ومذهبيه لتصبح هي أكبر كيان في المنطقة، واستيعاب الفلسطينيين ضمن الدول والكيانات الجديدة لإنهاء قضية اللجوء والعودة، وتأمين تأييد دولي لها لضم الجولان والانتهاء من مشكلة عودة الاراضي المحتلة، من هذا المنطلق تجلى الدور الاسرائيلي في الأزمة السورية عبر عملها المباشر مع الأمريكيين في إضعاف الجيش السوري وتدمير البنية التحتية لسورية، كما كان التنسيق بأعلى حدوده مع الأكراد بحيث كان يتواجد مستشارين إسرائيليين عسكريين مع الفصائل الكردية تضع لهم الخطط والبرامج والتخطيط لإقامة الكنتون الكردي للسيطرة على شرق الفرات ليكون ضمن الحلم الإسرائيلي حدودك يا إسرائيل من الفرات للنيل، وهناك مخطط إسرائيلي آخر لإقامة مناطق عازلة على الحدود الواصلة بين الأراضي الفلسطينية المحتلة والسورية، وكان يدّعي نتنياهو أن هدفه من وراء إنشاء منطقة عازلة مع سورية هو إبعاد خطر مقاتلي إيران وحزب الله وإحباط هجماتهم المستقبلية ضد إسرائيل.
في السياق ذاته حاولت اسرائيل استهداف مواقع داخل سورية "مطار دمشق الدولي" تحت ذريعة كسر التوازن وادعاء بأن هناك سلاحاً إيرانياً في طريقه الى حزب الله، لكن إسرائيل تخشى الإنتصار السوري، الذي سيفتح أبواب جهنم عليها وعلى من يدعم المتطرفين، لذلك جاء هذا العدوان لرفع المعنويات المنهارة للجماعات المسلحة، خاصة وأن الجيش السوري يواصل تحقيق الإنتصارات في منطقة الغوطة الشرقية بريف دمشق، وهي منطقة يرى فيها منسقو العدوان عبر الحدود الأردنية نقطة ارتكاز لمحاصرة العاصمة دمشق.
في هذا الإطار إن عملية القصف الإرهابية الأخيرة هي خير دليل على دور إسرائيل الرئيسي في المؤامرة التي تستهدف الشعب السوري، ومثال فاضح على مدى إرتباطها الوثيق ودعمها المتواصل للمجموعات الإرهابية خصوصاً تنظيم داعش الذي يتراجع بإستمرار أمام تقدم الجيش السوري ميدانياً في جميع المناطق السورية، وأمام هذه الانجازات لم يكن أمام اسرائيل إلا التدخل المباشر علّها تستطيع وقف هذا التقدم السريع للجيش السوري وحلفائه ومساعدة تنظيم داعش وأخواته وتوفير فرصة جديدة له لالتقاط أنفاسه بعد تكبيده خسائر كبيرة وتقلص مساحة سيطرته في سوربة.
مجملاً....ان الشعب السوري يثبت كل يوم إنه شعب جبار بصموده وتصديه لكل المؤامرات التي تحاك ضده، لذلك فإن دمشق هي الحصن المنيع بوجه إسرائيل وبوجه إجرامها وغطرستها، في إطار ذلك يمكنني التساؤل، هل سيسقط الكيان الصهيوني بتهوره أم يجر ذيول الهزيمة والإذلال؟ وهو الثمن الذي سيدفعه نتيجة أخطاءه الفادحة في سورية وسعيه الفاشل لإسقاطها، وإنطلاقاً من ذلك، المنطقة مقبلة على بركان ثائر، الأمر الذي يضع الجيش السوري وحلفائه أمام واحد من الخيارين إما النصر إما الاستمرار في الحرب والصراع.
Khaym1979@yahoo.com