كتب سامي كليب
حين يرسل الرئيس الأميركي دونالد ترامب وزير دفاعه وليس وزيرخارجيته او أي دبلوماسي أميركي آخر في أول جولة الى الشرق الأوسط، فهذا يؤكد المؤكد.
مفاد هذا المؤكد هو أن ترامب يريد المزيد من استعراض العضلات في المنطقة ولن يتردد في مزيد من المغامرات والتهور والفوضى من سوريا والعراق الى كوريا الشمالية.
لن نُفاجأ بالتلي اذا ما كرر جايمس ماتيس في السعودية ومصر وقطر واسرائيل اللازمة العسكرية والسياسية للمحافظين الجدد في البيت الأبيض : سنضرب الارهاب. سنحد من نفوذ ايران .لن نتردد في التحرك عسكريا ضد كل من وما يهددنا، وان الحل السياسي في سوريا يجب أن يفضي الى نهاية عهد الرئيس بشار الأسد.
في خلال تعيينه ماتيس وزيرا للدفاع، قال ترامب :" اقدم لكم الكلب المسعور".هو لم يخترع جديدا، استعاد لقب هذا العسكري الذي ترعرع في عائلة عسكرية وسكن مع أهله قرب منشأة نووية ولم يعرف في حياته غير العسكر والقوة والبطش. كان ماتيس ينصح جنوده بالتالي : "كن مؤدبا او مهذبا لكن عليك ان تقتل كل من تقابله ".. هكذا نقلت حرفيا عنه مجلة بوليتيكو. عمل في العراق وافغانستان، وتولى اعلى المناصب وكان آخرها في عهد باراك اوباما حيث كلفه بالقيادة المركزية التي تشرف على العمليات العسكرية في الشرق الاوسط.
سبق ماتيس الى الدول التي تستعيد عند المحافظين الجدد لقب "محورالشر": عدوان على مطار الشعيرات، تحركات عسكرية مشبوهة على بعض الأراضي السورية، قنبلة هائلة على افغانستان، خطأ عسكري قاتل في الموصل، تهديد ووعيد ضد كوريا الشمالية، وتحذيرات لروسيا.... طبيعي ان يؤدي كل ذلك الى انعاش الجزء الاوروبي السائر كالذيل خلف أميركا وفي مقدمه بريطانيا وفرنسا.طبيعي أن تنتعش دول اقليمية كانت قد بدأت تشهد انحسار دورها في سوريا والعراق واليمن... وطبيعي بالتالي ان تنتعش تنظيمات مسلحة تفيد من هذا التحول... طبيعي كذلك ان تصدر مواقف عن مصر والعراق تثير اسئلة حيال سوريا.... طبيعي اكثر ان يستعيد العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني لغة المطالبة برحيل الرئيس الاسد ( يجب ان نراقب بدقة الجبهة الجنوبية)...وطبيعي أكثر ان يصبح رجب طيب اردوغان حاكما مطلقا في بلاده عبر التحول الى نظام رئاسي بعد أسابيع من زيارة وزير الخارجية الاميركي ريكس تيلرسون.
نحن أمام مشروع أميركي " مسعور " لم تتضح تفاصيله بعد، لكن من السذاجة الظن بأنه أمر عابر وبأن ترامب جاء نتيجة نقمة او خطأ. الرجل يعبر عن سياسة اميركية جديدة تعطي الأولوية للرجل الأبيض الجرماني، وتؤمن بتفوق القوة العسكرية والقدرات الاقتصادية....هكذا مشروع يذكرنا بكتاب رجل الاستخبارات السابق والكاتب الأميركي الذي صحا ضميره لاحقا جون بيركنز " القاتل الاقتصادي" ، فهو يقول بصراحة تامة : "كنا نحاول ان نغري الرؤوساء والحكام بالاقتصاد فمنهم من يخضع ومنهم من يتمرد، الذي يتمرد نقتله ،هكذا فعلنا في الاكوادور وبنما وغيرهما...."
ليس مهما معرفة الفبركات التي يتم اختراعها لتنفيذ أي عدوان. الذاكرة العربية للأسف قصيرة. لكن الكتاب الأميركين والبريطانيين انفسهم وضعوا عشرات الكتب حول الكذب التاريخي الذي مارسته واشنطن ، من أميركا اللاتينية مرورا بافريقيا وايران وصولا الى العراق وسوريا وليبيا، لتبرير عمليات عسكرية أو انقلابات. من يقرأ اعترافات البنتاغون والسي آي اي ووثائق ويكيليكس يعرف مثلا كيف اسقطت الاستخبارات الاميركية رئيس الحكومة الايراني محمد مصدق في العالم 1953 بسبب تأميم النفط . وقد نعرف او لا نعرف يوما لماذا وكيف مات وزير النفط الليبي شكري غانم"منتحرا" في نهر الدانوب الاوروبي بعد فترة من قتل العقيد معمر القذافي وهو يملك كل اسرار النفط والصفقات مع الغرب
السؤال اذا اليوم، هل يكتفي محور المقاومة وروسيا باعتماد الخطاب السياسي والاعلامي نفسه المستمر منذ بداية تلك الكذبة المسماة " الربيع العربي" عبر تحميل المحور الآخر مسؤولية الارهاب والدمار والقول ان الانتصار عليه يتم من خلال دحر الارهاب فقط؟ هل يكفي ان تقول روسيا مثلا انها حصلت على وعد من ضيفها وزير الخارجية الاميركي بعدم تكرار العدوان؟ هل تكفي الادانات؟
ربما يجب التفكير بخطاب آخر يمتد من سوريا الى ايران الى روسيا الى الصين ودول البريكس وأميركا اللاتينية. خطاب حازم ورادع يُفهم ترامب ان عواقب أي مغامرة جديدة ستكون كارثية.... فهل لدى المحوروحلفائه ما يُردع فعلا ؟ لأن الناس المقهورين في هذا الشرق ما عادوا يحتملون