2024-11-25 03:23 م

تل أبيب والساحة السورية: تظهير الضعف الإسرائيلي ممنوع

2017-03-31
يحيى دبوق
تُشخّص إسرائيل قرب انتهاء ما تسميه «المرحلة العسكرية الأساسية» من الحرب السورية، وتؤكد على لسان كبار مسؤوليها، وما يرد من تقديرات لاستخباراتها العسكرية وكذلك خبراء وسائلها الإعلامية، أنّ المرحلة الحالية هي مرحلة تشكيل الوجه السياسي لسوريا المستقبلية، الأمر الذي قد يحمل تهديدات لا تقوى تل أبيب على التعايش معها، خاصة إذا جاءت النتائج السياسية ترجمة للنتيجة العسكرية في الميدان: غلبة الجيش السوري وحلفائه.

هذا لا يعني، من وجهة نظر إسرائيل، أن الحرب السورية قد انتهت، إلا أنها تدرك، على خلفية هذا القلق، أن أهم ما كانت تراهن عليه قد مني بالفشل: إسقاط الرئيس بشار الأسد. الإسقاط الذي كان هدفاً لذاته، إضافة إلى كونه هدفاً مفصلياً في سلة أهداف أوسع، ترتبط بمصلحة إسرائيل الاستراتيجية في كسر محور المقاومة وامتداده، من طهران إلى بيروت.
خلال السنوات الست الماضية من عمر الحرب، كان الاطمئنان الإسرائيلي شبه مطلق بتحقيق النتيجة المتوخاة: إسقاط الأسد، وتبعاً له إضعاف المحور المقاوم، مهما كان وجه سوريا المستقبلي، تبعاً لإسقاطه. لم تكن إسرائيل مضطرة، في حينه، إلى التدخل العسكري المباشر لتحقيق النتيجة، حيث كان «حلفاؤها» في الخليج وفي الساحة السورية يتكفلون بذلك، وكادوا ينجحون.
كان الجهد السياسي والاستخباري واللوجستي لإسرائيل متركزاً على تحسين وضعيتها ومكانتها لدى الجهات التي كانت تقدّر أنها ستتسلم زمام الأمور في الساحة السورية بعد إسقاط الأسد، مع ترقب إسقاطه الذي قدّرت أنه وشيك، من بينها «مساعدات» لوجستية واتصالات سياسية وزيارات ولقاءات مع الجهات المعارضة، والتوصل إلى تفاهمات معها، تنفذ لاحقاً بعد الإسقاط وتشكيل سوريا «المعتدلة». كان الاطمئنان الإسرائيلي شبه مطلق، والآمال لم تقتصر فقط على سوريا ونزعها من محورها، بل أيضاً باتجاه الشرق البعيد: إيران، وكذلك الساحة اللبنانية وعدوّها الاستراتيجي الأول: حزب الله. قلب الميزان في سوريا، من ناحية تل أبيب، كان من شأنه أن يقلب الميزان في لبنان، وإن بالتبعية، وكذلك في إيران، حيث تنهي اتصالها المباشر بشرق المتوسط... الاطمئنان الإسرائيلي أيضاً انسحب على الواقع اللبناني، حيث تلاقت هي وأفرقاء فيه في العداء للمقاومة. أفرقاء كانوا يترقبون إسقاط سوريا، كذلك، لإضعاف حزب الله، وإعادة التطلع إلى رهاناتهم السابقة.
كل ذلك انتهى، أو كاد، في حين أن الخيارات البديلة لم تعد متاحة: شبه انتهاء للدور الخليجي كتأثير مباشر ميداني؛ توجه واستدراك أميركيين متأخرين للتأثير الميداني شبه المباشر في الساحة السورية، ترى إسرائيل أنه لن يفضي إلى نتائج كبيرة؛ تقلص الدور التركي وخسارة رهاناته واستراتيجياته المتقلبة، رغم وجوده الميداني في الشمال السوري؛ فيما إسرائيل، نفسها، بلا خيارات مباشرة، متطرفة أو غير متطرفة، ربطاً بالوجود الروسي والحصانة التي يؤمنها للدولة السورية.
بحسب توصيف معهد أبحاث الأمن القومي في تل أبيب، في دراسة صدرت عنه في اليومين الماضيين، تشعر إسرائيل أنها لا تملك تأثيراً في التسوية السورية المتبلورة حالياً في موسكو وطهران، وكذلك في الأستانا وجنيف، لكنها في الوقت نفسه معنية بعرض مصالحها وخشيتها من الآتي. الخشية التي دفعت نتنياهو إلى التوجه لروسيا، باعتبار موسكو هي «سيدة البيت»، حيث للولايات المتحدة دور ثانوي، وبحسب تعبير مصدر إسرائيلي رفيع لموقع «المونيتور» أمس، «طريقة إخراج بوتين للولايات المتحدة من الشرق الأوسط، وتحوله إلى قوة مؤثرة جداً في الشرق، سيتم تعلّمها في مدارس تدريس الاستراتيجيات».
إذاً، تقلصت الآمال الإسرائيلية حيال سوريا، وتبعاً لها حيال الساحة اللبنانية، ومحور المقاومة بشكل عام. لكن ذلك لا يمنع إسرائيل من عرض مصالحها، ومحاولة إقناع روسيا بإمكان تحقيق مصالحها في موازاة مراعاتها للمصالح الإسرائيلية، وبحسب التعليقات الإسرائيلية (القناة العاشرة ــ 09/03/2017): إقامة دولة موالية لروسيا، طابعها سنّي معتدل، يقودها زعيم سنّي بدلاً من الاسد، مع أو من دون حزب البعث، على أن تخرج إيران وحلفاؤها من سوريا».
الرد الروسي على المطالب الإسرائيلية كان مخيّباً لآمال تل أبيب. نعم هي تدرك أن روسيا معنية بمحاولة تهدئة مخاوف كل اللاعبين في سوريا، لكنها في الوقت نفسه معنية أكثر بمصالحها، المرتبطة بمصلحة الدولة السورية وحلفائها. وهو ما يفسر اقتصار الرد الروسي على مطالب نتنياهو الأخيرة بالاستماع اليه، من دون إسماعه ما يريد... في ذلك، تكشف صحيفة «يديعوت أحرونوت» (24/03/2017) أن اللقاء الأخير بين نتنياهو وبوتين لم يثمر عن النتائج المرجوة. حاول نتنياهو إقناع روسيا بالامتناع عن إقامة المرفأ الإيراني في اللاذقية، لكنه فشل. موظفون في وزارة الخارجية الروسية يظهرون كأنهم لا يعرفون جوهر طلب إسرائيل، ويردون على نظرائهم في الخارجية الإسرائيلية بالقول: «نحن أيضاً أقمنا مرفأً بحرياً... لذلك لن نستطيع منع دولة سيادية من استضافة دولة سيادية أخرى، لإنشاء مرفأ لديها».
تشير «يديعوت أحرونوت» إلى أن الإجابة الروسية تعبّر عن «سذاجة مقصودة، وهي إحدى روائع الدبلوماسية الروسية». وهذا تماماً، كما يرد في الصحيفة، مشابه للسذاجة المقصودة عندما اشتكت إسرائيل من أن صواريخ «ياخونت» الروسية الصنع نقلت من الجيش السوري إلى حزب الله في لبنان. في حينه، عبّر الروس عن «صدمتهم»، ووعدوا بإجراء تحقيق. لكن الضباط الروس عادوا لاحقاً بإجابة (ساذجة): ما تقولونه غير صحيح.

الهجمات والبطاقة الصفراء

تقلّص إمكان تحقيق المصالح الإسرائيلية في الساحة السورية، لا يلغي مصلحة إسرائيل في مواصلة الهجمات التي تقول إنها تستهدف شحنات أسلحة نوعية من سوريا وعبرها إلى حزب الله في لبنان... لكن في الوقت نفسه، كما ورد على لسان وزير الأمن أفيغدور ليبرمان: «آخر أمر تريده إسرائيل هو التوتر مع روسيا». بين هذين الحدّين، تبحث إسرائيل منذ الهجمة الأخيرة على مطار «تي «4، وتصدي الدفاعات السورية، ماهية الموقف الروسي، وإن كان استدعاء السفير الإسرائيلي في موسكو، وكذلك الملحق العسكري الإسرائيلي، للقاءين منفصلين في الخارجية الروسية، هما بطاقة صفراء أم حمراء، كي تبني على الشيء مقتضاه.

امتناع إسرائيل عن مواصلة الهجمات لا يعني فقط خسارة القدرة على محاولة الحد من تعاظم حزب الله العسكري النوعي، وبالتالي زيادة منسوب وقدرة تأثيره وتهديده... بل يعني ذلك خسارة إسرائيلية مطلقة، لا تقتصر على مجرد تقلص إمكان تحقيق المصالح في سوريا، بل ينسحب على مجمل مصالح إسرائيل في المنطقة. من هنا، يأتي الإصرار الإسرائيلي، حتى الآن كلامياً، على أن لا تغيير في الموقف وأن الهجمات ستستمر... هذا ما أكده ليبرمان، كما يكشف الإعلام العبري (يديعوت أحرونوت): تردد إسرائيل تجاه التهديد السوري سيترجم في روسيا كضعف. إسرائيل ضعيفة ستكون شريكاً هامشياً، يمكن تجاهله عند إجراء المفاوضات على مستقبل سوريا.
الخلاف مع هذا التقدير هو في مضمون العبارات المستخدمة. هل تردّد إسرائيل في سوريا حيال مواصلة أو الامتناع عن الهجمات، يظهر ضعفها، أو يظهرها بمظهر الضعيف؟ الفرق كبير جداً... عدم إظهار الضعف الإسرائيلي بمعنى تقلص هامش المناورة لديها تجاه أعدائها في سوريا هو الذي يدفعها كي تواصل هجماتها، وهو مطلب لذاته، قد لا يقل أهمية عن سياسة «الحد من تعاظم حزب الله العسكري»، عبر الهجمات.
السؤال الكبير هو الآتي: هل تستأنف إسرائيل هجماتها في سوريا؟ وهل في إمكان إسرائيل، وإلى متى، الإصرار على المحافظة على الخطوط الحمراء التي تقول إنها وضعت لمنع تعاظم حزب الله؟ وماذا عن التصدي السوري اللاحق، وكذلك عن التهديد الإسرائيلي باستهداف الدفاعات السورية في حال التصدي اللاحق؟ وكيف يتماشى ذلك كله مع محظور تل أبيب بعدم التسبّب في تحويل البطاقة الروسية الصفراء إلى حمراء؟ هي معضلة إسرائيلية يتجاذب فيها الموقف بين الدوافع والموانع، ولن تتضح معالمها إلا في أعقاب الهجمة المقبلة.
المصدر/ الاخبار اللبنانية