لا نعرف الأسباب التي وقفت خلف قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتقريب موعد لقائه مع الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد السعودي، من الخميس مثلما كان مقررا الى مساء اليوم الثلاثاء، ودعوته على العشاء، لكن ما يمكن استنتاجه ان هذا الاستقبال الحافل، والدعوة الرئاسية التي هيأت له، قد يشكل اعتمادا أمريكيا، او من قبل الإدارة الحالية على الاقل، للضيف السعودي كملك السعودية المقبل، ورجل واشنطن القوي في منطقة الخليج، وربما في المنطقة العربية أيضا.
الرئيس ترامب تاجر، ويعرف منطقة الخليج جيدا، والأمير محمد بن سلمان يعتبر المسؤول الأول عن كل ملفات الاقتصاد في المملكة، علاوة على كونه رجل اعمال، يملك الكثير من الشركات الكبرى فيها قبل وبعد توليه مناصبه الحالية، ويتطلع الى تأسيس صندوق استثماري سيادي في اطار رؤية عام 2030، يمكن ان يكون الاضخم في العالم، ويرتكز على بيع 5 بالمئة من اسهم شركة “أرامكو” النفطية التي تقدر قيمتها بترليوني دولار.
هذا الاعتماد المفاجيء للأمير محمد بن سلمان جاء مفاجئا وتصحيحا لانطباع انتشر بسرعة، يقول بان الإدارة الامريكية تراهن على “خصمه” او”منافسه” الأمير محمد بن نايف، ولي العهد وزير الداخلية، وتعتبره رجلها القوي الذي تراهن عليه في المملكة ومنطقة الخليج.
هذا الانطباع ترسخ اثناء زيارة مايكل بومبيدو، رئيس وكالة المخابرات المركزية الامريكية “سي أي ايه” الى الرياض اثناء جولته الشرق أوسطية، وحرصه على اللقاء مع الأمير بن نايف فقط دون غيره، بما في ذلك الملك سلمان بن عبد العزيز، وتجاهله للامير محمد بن سلمان نائبه، وتقليده للامير بن نايف، ميدالية جورج تيننت تقديرا لجهوده في العمل الاستخباري، ورصيده الكبير في مكافحة الإرهاب.
الرئيس ترامب بدد هذا الانطباع كليا بدعوته الأمير بن سلمان تحديدا لزيارة واشنطن، ولادراكه ان هذا الرجل حصل على كل الصلاحيات الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية من والده، وبات صاحب القرار الأول والأخير في المملكة رغم حداثه سنه (31 سنة)، فهو صاحب قرار الحرب في اليمن، وهو صاحب قرار بيع اسهم في شركة أرامكو، البقرة السعودية المقدسة والحلوب، ومؤسس (ما يسمى) التحالف العربي الإسلامي.
من المؤكد ان هناك ملفات ساخنة ستكون على قمة جدول اعمال المباحثات بين الرئيس ترامب وضيفه السعودي، مثل الحرب في سوريا، والتدخل العسكري في اليمن، وكيفية التعاطي مع التمدد السياسي والعسكري الإيراني في المنطقة، ولكن الملف الأكثر أهمية في رأينا في هذه الصحيفة “راي اليوم”، هو ما يمكن ان يحصل عليه الرئيس الأمريكي الجديد من مليارات من السعودية بطرق مباشرة، او التفافية، مقابل حمايتها أولا، وتحميلها أعباء السياسة الامريكية في الشرق الأوسط، مثل نفقات التدخل العسكري في سوريا لاقامة مناطق آمنة، وتحرير مدينة الرقة، وتسديد فاتورة المواجهة المقبلة مع ايران، سلما او حربا، او الحرب الامريكية ضد “القاعدة” في اليمن.
الرئيس ترامب وصف الدول الخليجية بأنها مجرد “خزائن” من الدولارات، وقال انها تدين بوجودها الى الولايات المتحدة الامريكية، ولولاها لما استمرت حتى الآن، وعلمت “راي اليوم” انه، أي ترامب، طالب امير الكويت في المكالمة التي اجراها معه قبل شهر بضرورة دفع مبلغ مقداره تسعة مليارات دولار متبق منذ تحرير الكويت عام 1991.
الدكتور خالد الفالح وزير النفط السعودي، والمقرب جدا من الأمير بن سلمان، قال في تصريحات صحفية، ربما بإيعاز من الأخير، بأن المملكة قد تستثمر في مشاريع “النفط الاحفوري” في أمريكا، وكأنه يمهد لمطالب أمريكية في هذا الصدد، تلبية لوعود ترامب الانتخابية في الاستثمار في مشاريع البنى التحتية الامريكية لتحرك الاقتصاد، وتوفير وظائف جديدة.
ربما يكون من الحكمة عدم اطلاق احكام مسبقة، وانتظار ما يمكن ان يتسرب من انباء عن هذا اللقاء من الجانب الأمريكي على الأقل، لان “الشفافية” ليست من طبع الجانب السعودي على أي حال، لكن ما يمكن قوله، وباختصار شديد، ان الأمير بن سلمان حصل بهذا اللقاء، على دفعة أمريكية قوية قد تعجل في وصوله الى عرش المملكة، وان معظم مباحثاته مع الرئيس الأمريكي ستكون تمهيدا، او تعزيزا لطموحاته في هذا الاطار.
الرأي اليوم