2024-11-30 04:47 ص

هنا دمشق - من القاهرة ...

2017-03-11
فتون عباسي*
تؤكد مصادر رفيعة أن الاتصالات السورية -المصرية اليوم جارية على مستوياتٍ عالية وبوتيرةٍ تزداد تدريجياً. وبمراجعة سريعةٍ لفترات متقطعة منذ بداية الأزمة السورية نرى أن العلاقاتِ االسورية-المصرية لم تنقطع أبداً حتى في فترة حكم محمد مرسي. كان التواصل قائماً بين جهاز المخابرات المصرية والسلطات السورية.
طوال آلاف السنين كانت العلاقاتُ وثيقةً للغاية بين مصرَ وسوريا. فدمشق كانت تشكّل مدخلَ مصر. والممرُ السوري-الفلسطيني كان يمثّل أولى الجبهات العسكرية للدفاع عن مصر، أو للانطلاق منها نحو الدول المجاورة الأخرى في الشمال والشرق. وفي عصر الفتوحات الإسلامية، تمت السيطرة على مصر انطلاقاً من بلاد الشام. وأُنشئت فيها أولى المدائن الإسلامية (القاهرة-الفسطاط) خارج الجزيرة العربية. 
منذ ذلك التاريخ صار مصير سوريا ومصر ملتحماً ومتكاملًا . ضَمِنَ التموضعُ الجيو-سياسي لمصر أن تكون دولةَ نواة المنظومة العربية من جهة، والمجموعة الأفريقية من جهة ثانية. غير أنه إذا نجحت مصرُ من دون سوريا في الحفاظ على دورها المتميز كدولة نواة في أفريقيا، فإنها لم تكن قادرة على تحقيق الإنجاز نفسه ضمن المنظومةِ العربية من دون الاعتماد على سوريا. بمعنى آخر، تحتاج مصر لسوريا من أجل ضمان نجاح طموحاتها. هذا في التاريخ، لكن ماذا عن الحاضر والمستقبل؟   
"هنا دمشق- من القاهرة". كان لافتاً ما رفعته جريدة "الأهرام" المصرية شعاراً على صفحتها الأولى الأسبوع المنصرم. صحيح أنّ الصحيفة قوميّة، وأن العبارة  كتبت في ذكرى إعلان الوحدة بين مصر وسوريا. لكن "الأهرام" التي تأسست في عام 1875، وُتصدر أكثر من طبعة محلية ودولية يومياً، ُتوزّع في أكثر من بلدٍ عربيٍ ومنها دول خليجية، بل وتمتد للغرب. 
"الأهرام" التي تمتلك تاريخاً سياسياً واجتماعياً واقتصادياً وثقافياً، وللحكومة (المصرية) حصةٌ كبيرة في أسهمها لن ترفع الصوتَ عالياً جزافاً، أو من باب الوجدانية الوحدوية. ما كُتب له دلالات سياسية ورسائلُ أعمق . في العشرين من تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، قال وزير الخارجية السوري وليد المعلم، إن العلاقاتِ السورية المصرية تشهد تقدماً، وإن قفزةً صغيرة بقيت وتعود الأمور إلى طبيعتها" بين البلدين. فهل حصلت هذه القفزة ؟ 
تؤكد مصادر رفيعة أن الاتصالات السورية -المصرية اليوم جارية على مستوياتٍ عالية وبوتيرةٍ تزداد تدريجياً. وبمراجعة سريعةٍ لفترات متقطعة منذ بداية الأزمة السورية نرى أن العلاقاتِ االسورية-المصرية لم تنقطع أبداً حتى في فترة حكم محمد مرسي. كان التواصل قائماً بين جهاز المخابرات المصرية والسلطات السورية. 
لكنّ المؤشر العلني تبدّى من خلال الزيارة الرسمية لرئيس مكتب الأمن القومي اللواء علي مملوك على رأس وفد أمني في 17 أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي، تلبيةً لدعوة من الجانب المصري للقاء كبار المسؤولين الأمنيين المصريين. بكل الأحوال لم تكن الزيارة هي الأولى  لكنها الأولى علانية، ناقشت التعاون الأمني بين البلدين، وملفّات الجماعات الإرهابية المسلحة السورية والمصرية وتنظيم "داعش" الإرهابي أخذت حيزاً مهما من اللقاءات. 
ناقشت أيضاً عودة سوريا إلى الجامعة العربية وتحفظات على الهيمنة الخليجية وأكثر. مع بداية الأزماتِ في البلاد العربية أُريد لمصر أن تكون جزءاً من المشروع الإخواني - التركي - القطري. ولو سقطت سوريا لكانت اكتملت معادلةُ الإخوان في المنطقة، التي  كان من المفترض أن تمتدّ من سوريا إلى مصر، فليبيا، وتونس، ومن بعدها ستطال الأردن بشكلٍ أو بآخر. 
مع وصول الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى سدّة الحكم أخذت الأمور منحى مختلفاً. مصر التي تحاول الإمساك بالعصا من منتصفها في علاقاتها مع الأطراف الإقليمية والدولية. لا يمكن لها أن تلعب دور الأداة لأطرافٍ أخرى. هي تنطلق من مصالحها محاولةً الدخول في محاور سابقة من موقع المؤثر. امتنعت عن التصويت على مشروعِ قرارٍ لفرض عقوبات على دمشق بشأن الأسلحة الكيميائية في مجلس الأمن سقط بـ"فيتو" روسي-صيني مزدوج. ولديها الآن حربان. حربٌ على الإخوان وحربٌ على الدواعش، ما يوحد الحرب في سوريا ومصر. وعليه فإنّ تقارب الرئيس السيسي مع الرئيس الأسد هو تقاربُ استراتيجياتٍ يمر عبر مواقفِ الأشخاص...


إعلامية في قناة الميادين