2024-11-30 06:29 م

كيف تعمل إسرائيل في إفريقيا؟

2017-03-11
مصطفى عمر الانور
النظرة الإمبريالية الصهيونية لإفريقيا لم تكن حديثة العهد ولا مواكبة لقيام الدولة؛ بل ترجع في جذورها إلى مؤتمر بازل عام 1897 حينما كانت أوغندا أحد ترشيحات الحركة الصهيونية لقيام وطن قومي لليهود؛ بل اتجهت آراء بعض الصهاينة وقتها إلى السودان باعتباره بلدًا زراعيًّا شاسع المساحة يسهل مزاولة الزراعة فيه هذه النظرة كانت تجدد نفسها بانتظام بعد قيام الكيان الصهيوني فبعد أن وصل العجز التجاري الإسرائيلي في عام1950 إلى 281.9 مليون دولار وفي عام 1961 إلى أكثر من 400 مليون دولار نتيجة للحصار العربي فكر العدو الصهيوني في اللجوء لإفريقيا عساه يكسر بقواه الناعمة ما لم يستطع كسره بالبارود.

كانت الفكرة الغريبة في دواعي التقارب الصهيوني مع إفريقيا هي التشابه بين تجارة العبيد الأفارقة ومحرقة الهولوكوست (الأسطورة الزائفة التي فندها روجيه جارودي في كتابه الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية) وكان الأغرب ظهور مفهوم «الصهيونية السوداء» على يد بعض مؤسسي حركة الوحدة الإفريقية مثل ماركوس جارفي وفرانسوس فانون الذين رأوا في الشتات اليهودي شتاتًا مشابهًا لما حدث للأفارقة بعد خطفهم من بلادهم وتفرقهم ومعاناتهم في الأمريكتين.

وعلى الرغم من وعي #مصر بالدائرة الإفريقية بعد ثورة يوليو استطاعت #إسرائيل التغلغل في إفريقيا تدريجيًّا متبعة سياسة النفس الطويل فقد سبقت #إسرائيل الدول العربية في افتتاح سفارة لها في غانا عام 1957 بعد استقلالها عن بريطانيا فكان طبيعيًّا أن تصبح غانا منطلقًا للتوسع الإسرائيلي الناعم في إفريقيا خاصةً في غربها قبل أن يؤدي الفتور مع نكروما إلى استبدال غانا بنيجيريا كخزان التمدد الصهيوني في الغرب الإفريقي.

لم يمنع هذا التغلغل الأفارقة من التصويت بالموافقة على مشروع قرار في الأمم المتحدة يدين الصهيونية ويعتبرها لونًا من ألوان العنصرية في منتصف السبعينيات لكن جاءت اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية لتحدث تغييرًا مهمًّا في تفكير الدول الإفريقية تجاه #إسرائيل عبر عنه أحد الكتاب الأفارقة بقوله: «إن #مصر وهي عضو في منظمة الوحدة الإفريقية قادت مقاطعة #إسرائيل أما الآن فقد تبادلت #مصر و #إسرائيل السفراء وما زلنا نحن الذين ذهبنا لمواساة #مصر على فقدانها سيناء غير قادرين على العودة من هذه الجنازة لبيوتنا».

ثم جاءت اتفاقيات أوسلو وبعدها غزة أريحا ووادي عربة لتتزامن مع إنشاء الغرفة التجارية الإسرائيلية الإفريقية عام 1994 وبحلول أواخر التسعينيات أصبح عدد الدول الإفريقية التي تقيم علاقات دبلوماسية مع #إسرائيل 48 دولة.

لكن الدبلوماسية لا تسير بدون المخابرات فالموساد كان وما يزال أهم أدوات الاختراق الإسرائيلي للقارة الإفريقية ودعمه لانفصال جنوب السودان واضح ومشهود كما يتذكر البعض دعمه لحركة بيافرا الانفصالية في نيجيريا في الستينيات.

يجيء التواجد العسكري الإسرائيلي في القارة ولا سيما في شرق إفريقيا مكملًا للمشهد المحزن لتراجع الدور العربي في إفريقيا فهو يضمن لها التأثير في دول حوض النيل لإضعاف #مصر والسودان من ناحية ويؤمن حرية الملاحة الإسرائيلية عبر باب المندب من ناحية أخرى.

ومن خلال الاقتصاد تحاول #إسرائيل خلق مصالح لها مع الدول الإفريقية فأقامت شركة النجمة السوداء للملاحة البحرية في غانا وشركة الأسطول البحري في ليبيريا وساهمت في بناء مطار أكرا في غانا وأقامت أيضًا مدارس وجامعات مثل جامعة هيلاسيلاسي في إثيوبيا ومستشفيات مثل مستشفى مصوع في إرتيريا كما تقوم بتقديم المنح المالية من هيئة الماشاف التي بدأت كمقترح بإنشاء صندوق للمساعدات المالية والفنية لدول آسيا وإفريقيا تابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية عام 1958 ثم تطورت لتصبح الوكالة الإسرائيلية للتعاون الدولي ولم يتوقف نشاطها خلال فترة قطع العلاقات الإسرائيلية الإفريقية فكانت جسرًا مهمًّا لاختراق إفريقيا وتوطيد النفوذ الإسرائيلي فيها عن طريق تقديم دورات تدريبية للطلاب الأفارقة في مجالات الطب والزراعة والتعليم والصناعة (وصل عدد الطلبة الأفارقة الدارسين في #إسرائيل منذ أواخر الخمسينيات حتى أوائل السبعينيات حوالي 16 ألفًا و797 طالبًا) ويمثل المجال الأول عنصرًا مهمًّا من عناصر التغلغل الإسرائيلي في إفريقيا إذ يدرس الأطباء الأفارقة في المستشفيات الإسرائيلية كما ترسل #إسرائيل البعثات الطبية إلى دول إفريقية مثل كينيا وليبيريا وناميبيا ولم يفوتها بالطبع استغلال وباء الإيبولا في غرب إفريقيا لتعمل على زيادة تواجدها في هذه المنطقة التي يبلغ عدد الإسرائيليين فيها نحو 5 آلاف نسمة ولا يجب أن ننسى هنا أن بن جورجيون قدم إلى أوغندا فور استقلالها 150 منحة دراسية مجانية إثباتًا للحضور الإسرائيلي في إفريقيا.

لا تكتفي #إسرائيل بالتوسع الممول حكوميًّا بل تشجع رجال الأعمال الإسرائيليين على إقامة المشاريع الاقتصادية في القارة الإفريقية وتعتبرهم إحدى أذرعها لزيادة الاعتماد الإفريقي على #إسرائيل ليصبح خلعها من إفريقيا أو حتى محاصرتها كاستئصال الورم يخرج بالدم واللحم فلا يغادر بسلام.

فمن أهم رجال الأعمال المؤمنين بالفكرة الصهيونية والمعروفين بنشاطهم في إفريقيا ليف ليفيف الذي يسيطر على تجارة الماس والفوسفات في ناميبيا وأنجولا كما يقوم بتمويل بناء المستوطنات في الضفة الغربية والقدس كذلك رجل الأعمال الإسرائيلي دان جارتلر الذي يعد من أهم كبار المستثمرين الأجانب في الكونغو في استخراج النحاس والكوبلت والماس والملياردير إيهود لنادو الذي يعتبر مع سابقيه من أهم لصوص الماس الإفريقي.

كما يتخذ الكيان الصهيوني من الجاليات اليهودية في إفريقيا (مثل الفلاشا في إثيوبيا والإجبو في نيجيريا) مبررًا قويًّا لتواجده الإفريقي إذ يقدم نفسه راعيًا ليهود العالم بالرغم من النظرة الدونية والمعاملة العنصرية التي يعاني منها اليهود الأفارقة المجنسون في المجتمع الإسرائيلي كما اليهود العرب (السفرديم).

كل ما سبق يدل على أن التهديد الإسرائيلي للأمن القومي العربي يحاول أن يلتف من إفريقيا وأن ما تبقى من المقاومة العربية (حتى على مستوى الشعوب العربية) لا يجب أن يغفل عن السعي الإسرائيلي المحموم نحو الميدان الإفريقي.

المصدر : ساسة بوست