2024-11-30 06:36 م

«بلومبيرج»: كيف تعمل شركات التقنية الإسرائيلية بالسعودية والإمارات في الخفاء؟

2017-02-04
أعد الصحافيان جوناثان فيرزيجر، وبيتر والدمان تقريرًا، نشره موقع مجلة «بلومبيرج بيزنيس ويك» الأمريكية، يكشف كيف تعمل شركات التقنية الإسرائيلية داخل السعودية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، ويقولان في بداية التقرير: «الصفقات الجيدة وسياسة الإنكار يكوّنان حلفاء جيدين».

ويستهل التقرير بالتعريف بـشمويل بار، الرجل الذي يعمل في المخابرات الإسرائيلية لمدة تزيد على 30 عامًا، والذي انغمر في دراسة الإرهاب، مستخدمًا تقنيات التحليل الأدبي مستندًا إلى علماء القرآن ومنتقدي الإنجيل، حتى أصبح يميز اللغة والعبارات الدينية التي يطلقها الانتحاريون في مقاطع الفيديو التي تسبق عملياتهم. فتظهر بانتظام عبارة «إن النصر مع الصبر» في بيانات الاستشهاد التي تعلنها حركة «حماس». أما أتباع تنظيم «القاعدة» فيستخدمون الدعاء الشهير: «اللهم أحصهم عددًا واقتلهم بددًا ولا تغادر منهم أحدًا».

خرج «بار» ذو الشعر الأشعث والحس الساخر، صاحب الـ62 عامًا، من الخدمة الحكومية عام 2003، وسط تمدد الإرهاب العالمي، ووجد الرجل فكرة مشروع وسط إنذارات الموت. حيث أسس شركة أطلق عليها اسم «إنتوفيو IntuView» عملها الأساسي هو التنقيب في «الانترنت الخفي» أو المظلم، فالشركة هي النسخة الإسرائيلية للشركة الأمريكية «بالانتير Palantir» وهي متعهد الأمن السيبراني لـ«وادي السيليكون». واستفاد «بار» من خلال المقر الرئيس لشركته في هرتسليا من المواهب الهندسية الإسرائيلية، كما وظّف أذنه المحللة والمميزة للغات في تخصيص خوارزمية قادرة على غربلة وتصنيف سيل من الرسائل الإلكترونية عبر وسائل التواصل الاجتماعي؛ بهدف مواجهة التهديدات الإرهابية، وباع رجل الأعمال خدماته إلى الشرطة والجيش ووكالات الاستخبارات في كل أنحاء أوروبا والولايات المتحدة.

شمويل بار – ضابط مخابرات إسرائيلي سابق ومؤسس شركة  «إنتوفيو IntuView»

وبعد مرور عامين وصل «بار» رسالة عبر بريده الإلكتروني، لم يتخيلها إطلاقًا؛ حيث دعاه مسؤول رفيع المستوى في السعودية لمناقشة مشروع محتمل في محادثة عبر «سكايب»، ويقول «بار» إن المسؤول أخبره أن السعوديين مهتمون بالخدمات التكنولوجية التي تقدمها شركته، ويريدون مساعداته في التعرف على الارهابيين المحتملين. وأصبح «بار» أمام حل وحيد: هو أن يدخل المملكة من خلال شركة من الخارج لإخفاء هوية شركته الإسرائيلية. وبالفعل بدأ في مطاردة جهاديين سعوديين من خلال برنامج يسمى «إنتوسكان» IntuScan، والذي يمكنه معالجة 4 ملايين منشور وتغريدة على موقعي «فيس بوك« و«twitter» يوميًا، ثم توسع العمل بعد ذلك؛ ليتضمن إجراء أبحاث للرأي العام عن العائلة الملكية السعودية.

ويضيف «بار» أنه مازال مذهولًا من التحول غير المتوقع في حياته التي قضاها في مواجهة «أعداء إسرائيل»، قائلًا «الأمر لم يكن أنني بحثت عن عمل كهذا، فهم الذين أتوا إليّ».
ونقل التقرير عن رجل الأعمال الإسرائيلي حديثه عن مقابلاته العديدة في تلك الأيام مع السعوديين وعدد من الخليجيين في مؤتمرات في الخارج ومناسبات أخرى خاصة، مؤكدًا ازدهار التجارة والتعاون التكنولوجي والأمني بين إسرائيل وعدد من الدول العربية، حتى وإن لم يتحدث الأفراد والشركات المتعاونة عن الأمر علنًا. ويحكي «بار» عن مؤسسة بحثية في لندن ألغت دعوتها له لإلقاء كلمة، معللة بأنه لم يكن من الممكن استضافته في حضور مسؤول سعودي، فرد «بار» من ناحيته على المنظمين، بأنه وذلك المسؤول السعودي سيتناولان الغداء سويًا في مطعم مغربي قريب، وسيذهبان برفقة بعضهما البعض إلى الاجتماع، ووصف الموقف قائلًا «إنهم كانوا سعوديين أكثر من السعوديين أنفسهم».

السلام لم يحل على الشرق الأوسط، وذلك ليس تحويلًا للسيوف إلى محاريث، ولكنه التحام منطقي للمصالح أساسه المخاوف المشتركة من قنبلة إيرانية، وإرهابي جهادي، وتمرد شعبي، وانسحاب أمريكي من المنطقة. وبحسب «بار»، فشركته «إنتوفيو» لديها تراخيص تصدير إسرائيلية، والدعم الكامل من حكومة الكيان لمساعدة أية دولة تواجه تهديدات من إيران أو جماعات «إسلامية» مسلحة. فيقول مالك الشركة «إذا كانت الدولة لا تكن عداءً لإسرائيل، ونستطيع مساعدتها؛ فسنفعل ذلك، باستثناء سوريا ولبنان وإيران والعراق».

ويضيف أن السعودية وباقي الدول العربية الغنية بالنفط هم فقط سعداء بدفع الأموال مقابل المساعدة، أما عن المقاطعة العربية للكيان، فيقول «بار» «إنها غير موجودة».

ويقول ـ للتدليل على ذلك ـ إيرل مارجليت، ممول وعضو في «الكنيست» الإسرائيلي، إنه في عام 2012 اخترق مجموعة من القراصنة نظام الشركة السعودية الوطنية للبترول «أرامكو»، وحينها تم استدعاء الخبراء الإسرائيليين لحل العطل، ومنهم من استمر في التعاون معهم، من خلال شركات خارجية «أوف شور».

ويقول كاتبا التقرير «إن المسؤولين السعوديين رفضوا الحديث عن أي علاقات يمكن أن تربطهم بإسرائيل، وأنهما أرسلا الأسئلة إلى وزارة الداخلية السعودية وسفارتها في واشنطن ،ولكن دون رد». لكن مصدرًا من الرياض أصر على عدم ذكر اسمه، بعث برسالة عبر البريد الإلكتروني ينكر فيها أية علاقات تجارية قد تربط بين إسرائيل والمملكة.

ويضيف التقرير أن المقاطعة العربية لإسرائيل، خاصة العسكرية، منذ إعلان قيام «الدولة اليهودية» عام 1948، تطلبت أن يكون التعاون بين الكيان ومعظم الدول العربية غير معلن، ويتم عن طريق وسطاء في دول أخرى، ولكن الأنشطة الإسرائيلية في ست من دول الخليج على الأقل أصبحت لا يمكن إخفاؤها. حيث إن واحدة من الشركات الإسرائيلية الناشئة، والتي أنفقت 6 مليار دولار على البنية التحتية الأمنية للإمارات العربية المتحدة استخدمت مهندسين إسرائيليين. والشركات هي نفسها دخلت السعودية للتحكم في الزحام في مكة المكرمة. وهناك شركات إسرائيلية وهمية تعمل في الخليج في مجالات عدة منها تحلية المياه، وحماية البنية التحتية، والأمن السيبراني، وجمع المعلومات الاستخباراتية.

ويقول شبتاي شافيت رئيس جهاز الـ«موساد» السابق من 1989 إلى 1996، ورئيس شركة الأمن الإسرائيلية «أثينا جي إس3»: إن هناك شركات كبيرة نشيطة في تلك الدول، وأخرى صغيرة تبدأ نشاطها، ولم يعط معلومات حول أسماء الشركات أو نوع أنشطتها معللًا أنه من الأفضل عدم إعلان ذلك؛ لأنه كثيرًا تكون «الحقائق صادمة».

أما من ناحية مبيعات الأسلحة، فهناك حسابات أخرى. حيث يقول عدد من العاملين في فرع شركة «البيت Elbit» في نيوهامشير بالولايات المتحدة، وهي أكبر شركة إسرائيلية خاصة لإنتاج أنظمة الدفاع «إن هناك نهج تقليدي يتم اتباعه حينما يزور الشركة عملاء من الكويت أو قطر أو السعودية، حيث يقوم المديرون بتطهير المبنى من علامات الشركة، والخرائط الإسرائيلية، والكتابات العبرية». ويقول ريتشارد وولف موظف الشركة منذ 15 عامًا «حتى بطاقات أسماء الموظفين اليهود تزال مؤقتًا». ويضيف عامل آخر: إنه خلال عام 2013 وأثناء تصميم عدسات لعدد من الأنظمة البصرية التي تنتجها الشركة، أزيلت الرموز الإسرائيلية من على بعض المكونات. وأعلن فرع الشركة في أمريكا للقائمين على التقرير أنه ليس من سياسات الشركة إزالة اسمها أو أي مما يرتبط بإسرائيل.

طائرة من إنتاج شركة Elbit الإسرائيلية

جذبت مبيعات «Elbit» للسعودية الأنظار منذ عامين، عندما مات أحد فنيي فرع الشركة في نيو هامشير، وهو الأمريكي كريس كريمر في ظروف غامضة، أثناء قيامه بأعمال صيانة لنظم الصواريخ في المملكة. وبحسب مذكرات السفر التي نشرها كريمر عبر حسابه على «فيس بوك» فإنه كان قد سافر لمساعدة الجيش السعودي في سلسلة من التجارب بالذخيرة الحية التي قامت الشركة بتطويرها حديثًا؛ لتستهدف نظام صواريخ «تاو TOW». وكان كريس كريمر قد عمل بالشركة لمدة 12 عام، وعثر عليه متوفيًا داخل غرفته بالفندق الذي كان يقيم فيه في مدينة تبوك العسكرية، قبل يوم واحد من مغادرته عائدًا إلى الولايات المتحدة، وأعلنت الشرطة السعودية أن سبب الوفاة هو انتحار، وهو ما لم تقبله عائلة كريمر.

ونقل التقرير تصريحًا صدر في إسرائيل، لم تحدد فيه الشركة المهمة التي ذهب كريمر لأجلها إلى السعودية، ولكنه فقط أشار إلى أنه كان يعمل على «منتج أمريكي» بلا أية تكنولوجيا إسرائيلية، وحصل التقرير على نص التصريح من مصدر سعودي عن طريق البريد الإلكتروني جاء فيه «فيما يتعلق بوفاة المواطن الأمريكي فهي مسألة لها أبعاد جنائية وقضائية، ولا تتدخل الحكومة السعودية في مثل هذه القضايا، وترفعها إلى المختصين للنظر فيها، وأخذ القرار بالنسبة لقوانين الحكومة فيما يخص ذلك».

ويقول رياض الخوري مدير مكتب «جيو إيكونوميكا» الاستشاري في المخاطر السياسية في عمّان، أن اهتمام العرب بالتكنولوجيا الإسرائيلية لا يمكن أن يترجم إلى علاقات تجارية لسبب واحد، وهو: القضية الفلسطينية، وأن الشعب الفلسطيني مازال «حارس البوابة» ويمكن للأزمة أن تتطور إلى الأسوأ سريعًا.

من جانبهم، يقول السعوديون: إنهم سيقيمون السلام مع إسرائيل إذا ما فعلت إسرائيل المثل مع الفلسطينيين أولًا، وأعيد طرح مثل هذا العرض في عام 2016 عندما اجتمع اثنان من المسؤولين السعوديين رفيعي المستوى، نادرو الظهور إلى العامة، مع نظيريهما من الإسرائيليين في واشنطن والقدس المحتلة. وكان سلمان الأنصاري مصرفي سابق ومدير مكتب محاماة جديد في واشنطن، كتب مقالًا لموقع «ذي هيل The Hill» الأمريكي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ذكر فيه: إنه يجب على السعودية وإسرائيل تشكيل «تحالف متعاون»، يستند إلى العلاقات التجارية المفتوحة، لإثبات أنهما «ركيزتا الاستقرار في المنطقة».

لكن عددًا من الشخصيات العربية هاجمت الأنصاري بقوة؛ لعدم ذكره الفلسطينيين في مقاله، ورد الكاتب عليهم بأن التجاهل عالمي، معبرًا عن تمنيه بأن تتغير السردية القديمة التي تموضع كل شيء حول إقامة دولة فلسطينية. وبحسب التقرير، فإن الأنصاري يرى أن العلاقات السعودية-الإسرائيلية ستزدهر تحت «واقعية وتطلعية» ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
أما واقعيًا، فإن رجل نتنياهو للتعاون الإقليمي هو السياسي الدرزي أيوب قرا -61 عامًا- من الأعضاء العرب في «الكنيست» الإسرائيلي، وأحد مناصري حلم حزب «الليكود» -أو خيال بمعنى أصح- بإقامة علاقات مع الدول العربية مع الإبقاء على أجزاء واسعة من الضفة الغربية.

ويقول قرا: إن إسرائيل والأردن لديهما خطط لتطوير المنطقة المهجورة في خليج العقبة التي قاد فيها موسى بني إسرائيل في التيه الذي استمر 40 عامًا. وأصر قرا أن السعودية ستنضم قريبًا لتلك الخطط قائلًا «إنهم يحتاجون التكنولوجيا التي بحوذتنا، ويريدون خبراتنا، وبالتأكيد هم يريدون إزاحة القضية الفلسطينية عن الطريق».

وأبدى قرا قلقه إزاء مؤتمر الشرق الأوسط لمشاركة المياه الإقليمية الذي تموله السويد، حيث نظم قرا مقابلة مع نظير أردني لمناقشة طريق تجاري متاح من أوروبا وتركيا، يمر من خلال ميناء مدينة حيفا المحتلة، إلى الأردن والمملكة العربية السعودية والخليج. حيث أصبح ميناء حيفا منذ اندلاع الحرب في سوريا مركز لإعادة شحن البضائع التركية على سفن اعتادت السفر باتجاه الخليج من خلال شرق تركيا وسوريا. فاليوم تصل حوالي 20 سفينة تركية في الأسبوع إلى مرسى حيفا، حيث يفحص الإسرائيليون السفن بالأشعة ويرسلونها في طريقها إلى الأردن عن طريق الجليل، في حين أغلقت السعودية الممر المؤدي إليها منذ عامين، وبحسب وسيط شحن في ميناء حيفا، ذكر: إن ذلك حدث حينما استبعد منافس سعودي عددًا من حمولات الطماطم التركية التي وصلت السعودية عن طريق حيفا.

ويعمل قرا مع دبلوماسيين خليجيين، من خلال شركائه في الحكومة الأردنية، في محاولة لإعادة فتح الطريق السعودي-الإسرائيلي على نطاق أوسع داخل شبه الجزيرة العربية؛ ما قد يضاعف عدد السفن التركية إلى خمس مرات، حيث يقول أيوب «في القريب العاجل ستنكشف الأمور، وسنرى نتنياهو يضع قدمه على واحدة من هذه الدول، فالزمن تغير، والخليج يسعى إلى طرق للتواصل مع إسرائيل».

أيوب قرا مع رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو

ويضيف التقرير أن نتنياهو يستخدم مساعدين آخرين للتواصل مع العرب على مستوى عال، ومنهم محاميه الخاص إسحق مولكو، والسفير السابق في الأمم المتحدة دوري جولد. كما أن إسرائيل، ومنذ اتفاقية أوسلو في مطلع تسعينات القرن الماضي، افتتحت مكاتب تجارية لها في كل من قطر وعمان، ومنذ عام تقريبًا تسلمت موافقة لإنشاء مكتب دبلوماسي في العاصمة الإماراتية أبو ظبي؛ باعتبارها المدينة المستضيفة لمقر الوكالة الدولية للطاقة المتجددة، ويقوم المكتب بمهام السفارة الإسرائيلية؛ ما يدل على التوسع الإسرائيلي في الخليج.

ويقول قرا: إن الخليج مهتم بخط الأنابيب الثاني في البحر الأحمر، الذي أقيم منذ 50 سنة ماضية بالتعاون مع شاه إيران عندا كانت الدولتان تتعاونان سرًا. حيث تعمل الشركة الحكومية الإسرائيلية «خط أنابيب إيلات-عسقلان» من خلال 160 ميل من القنوات على نقل البترول من الناقلات في ميناء إيلات بالبحر الأحمر، إلى مدينة عسقلان على البحر المتوسط، والتي بذلك تمر من قناة السويس، ويمكنها خفض تكلفة الشحن إلى أوروبا وأمريكا الشمالية. وقد استحوذت إسرائيل على المشروع بعد الإطاحة بشاه إيران خلال الثورة الإسلامية عام 1979. وقد كانت محكمة الاستئناف السويسرية قضت بمنح إيران العام الماضي 1.1 مليار دولار عن العائدات التي فقدتها، وهو المبغ الذي رفضت إسرائيل أن تدفعه إلى «عدوها اللدود»، ويؤكد قرا أن احتمالية استخدام خط الأنابيب الثاني تطرح باستمرار في نقاشاته مع السعوديين.

ويقول شافيت رئيس الـ«الموساد» السابق: إنه إلى الآن كل شيء تحت المراقبة، وهو ما جعل ماتي كوتشافي يشعل طريق إسرائيل إلى الخليج بـ6 مليار دولار لأعمال أمنية في الإمارات. وكوتشافي -54 عامًا- هو «ماكينة» الأفكار الاقتصادية في إسرائيل، ويعيش بين إسرائيل والولايات المتحدة، وأسس عدد من شركات الأمن ذي التقنيات العالية بعد هجمات 11 سبتمبر، إحداها باسم «الحلول الأمنية رباعية الأبعاد» ومقرها في ولاية نيوجيرسي، وهي التي تولت مشروع بناء نظام «المراقبة المحيطي» في مطارات نيويورك.
وسوّق كوتشافي خدمات شركته إلى قادة الإمارات، ولم يضطر لإخفاء هوية شركاته وموظفيه وكان واضحًا في إظهار أنهم أتوا من إسرائيل. وذكر موظف سابق لدة كوتشافي: إن «الشجاعة» الأمنية الإسرائيلية كانت تعتبر ميزة في بلد يواجه تهديدات مماثلة، ولكنه يفتقر إلى نظم دفاع ماهرة. فيما يقول ضابط مخابرات إسرائيلي سابق «لم تكن هناك حتى أسوار حينما بدأنا عملنا»، واصفًا الأوضاع في الإمارات التي تنتج حاليًا 3 مليون برميل نفط يوميًا.

وباع كوتشافي للإمارات أكثر النظم الأمنية شمولية وتكامل في العالم في ذلك الوقت، ومنذ 2007 إلى 2015 ثبتت شركة يملكها كوفاتشي باسم «إيه جي تي العالمية AGT International» للذكاء الاصطناعي ومقرها زيورخ، آلاف الكاميرات وأجهزة الاستشعار في أرجاء الإمارات وعلى مسافة 620 ميل من حدودها الدولية. وأدار كوتشافي عمليات تحليل الصور والبيانات من خلال الأجهزة، من الولايات المتحدة وسويسرا، فيما كان العقل المدبر مستقرًا في إسرائيل، في شركة منفصلة لكوتشافي تسمى «الصناعات المنطقية Logic Industries».

وفي عام 2014، كان مشروع الإمارات بدأ يتوارى، فتعاونت الشركتان «ِAGT» و«4D» مع شركة خدمات الجوال المحمول السعودية «موبايلي»، على نظام إدارة الحشود، في مكان لا يسمح فيه لغير المسلمين بأن يخطوا فيه، وهي مدينة مكة المكرمة، وكان ذلك في موسم الحج، وطلبت وزارة الحج عطاءات للسماح بالتحكم في المنطقة. وعلى الرغم من العدد المحدود من تصاريح الحج، إلا أن السعودية لا يمكنها رد الحجاج الذين يأتوا إلى مكة من دون تصريح. لذلك يجب أن يكون هناك تحكم لضبط هذه الحشود من قبل أن تصل باصاتهم إلى غرب المملكة من خلال الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. لكن كيف تم ذلك؟

صمم مهندسو شركة «4D» الإسرائيلية في نيوجيرسي نظام يجعل كل حاج معتمد، يرتدي أسورة تسجل حضوره في أي من باصات الحجاج، فيما تستخدم الباصات شبكة المحمول «موبايلي» لإخطار حاسوب مركزي بعدد المسافرين على كل باص، بما فيهم ممن لا يرتدون الأسورة. وسيومض ضوء أحمر على الباص الذي يحمل ركابًا غير مصرح لهم –غير حاملين للأسورة- مما ينبه الشرطة لضبطهم وردهم قبل أن يصلوا مكة بوقت طويل. أو أن تعيدهم البوابات الإلكترونية في نقاط التفتيش، بالإضافة إلى أن المسؤولين في المملكة يمكنهم الاعتماد على تصميم الشركة الإسرائيلية كنظام تحكم هوائي في المرور، يقوم بترتيب تسلسل موعد وصول الباصات حتى يخفض فترات الازدحام.

وعلى الرغم من أن وزير الحج حينها بندر الحجار اختبر هذا النظام، وحصل على تقييم مرتفع من قبل الحكومة، إلا أنها لم تعط المشروع للشركتين الإسرائيليتين، وبعد عدة أشهر ابتكر طلاب من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن نظامًا مشابهًا لما صممته الشركتين، وبالفعل كان العام الماضي هو المرة الأولى التي تجبر فيها السعودية الحجاج على ارتداء هذه الأسورة. أعلنت الشرطة بعد انتهاء موسم الحج العام الماضي أنها تمكنت من إعادة ما يقرب من 200 ألف حاج مخالف؛ ما جعل مهندس سابق في شركة كوفاتشي متأكدًا من أن فكرته هو أصدقاؤه قد سرقت.

المصدر : ساسة بوست