2024-11-28 09:38 م

تونس: إنزال ثقافي يحاصر الإرهابيين المرابطين في الجبال

2017-01-31
تونس/ تميزت تونس على مدى تاريخها بإشعاع حضاري وثقافي، وكانت مركزا للتجديد الفكري ودعوات الإصلاح، الأمر الذي جعل الكثيرين يستغربون كيف أضحت تونس، أكثر البلدان العربية انفتاحا واعتدالا، أول مصدر للمقاتلين في صفوف التنظيمات الجهادية، وهو تساؤل يطرحه التونسيون أنفسهم، غير مقتنعين بما يدرج من أسباب اقتصادية واجتماعية لتفسير ذلك.

كانت الثقافة تحدّيا بارزا على عاتق الجمهوريات المتعاقبة منذ عهد الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إلى عهد الرئيس الحالي الباجي قائد السبسي فكل الحكومات المتتالية تراهن على الخيار الثقافي لبناء مجتمع حداثي يستنير بالفكر لمواجهة الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية، ومؤخرا التحديات الأمنية.

وعقب ما سمي بثورات الربيع العربي تمكن دعاة التطرف والإرهاب من استقطاب الشباب التونسي، رغم ما يتمتع به من كفاءة علمية، بل وخُصصت له رقعة جغرافية جبلية بولاية القصرين (وسط غرب) مازال مرابضا بها رغم الجهود الأمنية.


حرب فكرية

“سنواجه الإرهاب بالفن والثقافة” كلمات دائما ما رددتها النخبة المثقفة في تونس مع كل حدث إرهابي، حيث تولدت قناعة بضرورة مضاعفة الجهد الأمني العسكري مع التنسيق وطنيّا ودوليّا لدعم الحرب على الإرهاب.

وأصبح من المسلّم به وفق مراقبين وخبراء أنّ المقاربة الأمنيّة العسكريّة بمفردها ومهما ألحقت بالشبكات الجهاديّة من خسائر لن تؤدّي إلى القضاء نهائيّا على الإرهاب كظاهرة، بل لا بدّ بالتوازي معها، من مقاربة فكريّة قادرة على دحض أطروحات السلفيّة الجهاديّة وتقديم بدائل تمكّن من حماية الشباب والمجتمع عامّة من الفكر التكفيري.

وكان محمد المؤدب، المدير العام السابق للأمن العسكري، أقر في تصريحات إعلامية محلية سابقة بالحاجة الملحّة إلى شنّ حرب فكريّة معلنة ومنسّقة على الفكر السلفي الجهادي بالتوازي مع الحرب الأمنيّة العسكريّة والتي قد تتوصّل إلى القضاء على جلّ الإرهابيين بالبلاد وتفكيك شبكات إسنادهم المالي واللّوجستي وغيره.

واعتبر أن الاكتفاء بالدور الأمني لن يقضي على الفكر التكفيري ولن يحول دون انتشاره ويمنع الشباب من مختلف الشرائح الاجتماعيّة من تبنّيه ومواصلة تهديد الدولة في كيانها والمجتمع في نمطه، خاصة وأن البطالة والتهميش الاجتماعي الاقتصادي والجهل وغياب الديمقراطيّة والعدالة، التي تتمكن الجهود الوطنية من إيجاد حلول لها فستبقى نقاط ضعف تستغلّ في بعض الحالات في استقطاب الشباب واستدراجه، لكن دون أن تكون عاملا رئيسيّا في تنامي الإرهاب.

ولفت إلى أن الفشل في التصدّي للفكر الإرهابي يعود إلى غياب سلطة فكريّة دينيّة مرجعيّة قادرة على إنتاج خطاب ديني معتدل وخاصّة ذا مصداقيّة لدى العموم وقادرة كذلك على الردّ على الفتاوى المتشدّدة والتفسير السطحي لبعض الآيات القرآنيّة والمتعلّقة بالخصوص بمفاهيم الجهاد وعلاقة المؤمنين بأصحاب الديانات الأخرى وغيرها من الأحكام الفقهيّة ذات العلاقة التي تروّجها السلفيّة الجهاديّة.
ويقول “غياب سلطة فكريّة دينيّة مرجعيّة يعود اليوم لما اعتمدته السّياسة التي سبقت أحداث 2010 -2011، من تهميش متعمّد للمؤسّسات الدينيّة منها جامعة الزيتونة والمجلس الإسلامي الأعلى وديوان الإفتاء وغيره. وبطبيعة الحال، إنّ إعادة بناء مثل تلك المؤسّسات الدينيّة المرجعيّة ذات المصداقيّة والخطاب الديني العقلاني المعتدل الذي يعتمد النصّ القرآني والسنّة النبويّة مع الاجتهاد ومراعاة مقتضيات العصر، يتطلّب إرادة وطنيّة صادقة ومن الأكيد حقبة زمنيّة طويلة”.

أقدم مثقفون تونسيون على خطوات جادة للتصدى للفكر المتطرف وبخطوات واثقة توجه ناشطون إلى جبل سمامة بولاية القصرين وإعلانها عاصمة كونية للثقافة الجبلية في بادرة رآها معلنوها إنها “تحد ثقافي وإبداعي لمحو فكرة كون الجبل موطنًا للإرهابيين، وحدث يعد الأول من نوعه في تونس والعالم العربي”.

ويأتي تحدي الناشطين التونسيين الفكري ورهانهم على الثقافة كسلاح نافذ ضد التطرف باختيارهم الإنزال الثقافي بجبل سمامة إذ تحول المكان الذي كان يرمز للإرهاب إلى منبع الفكر والحياة وروح للإشعاع الثقافي التي لطالما عرفت به تونس.


عاصمة كونية للثقافة

جاء الإعلان في ندوة صحافية نُظمت الأحد، فوق سفح جبل سمامة، بمنطقة الوساعيّة التابعة لمدينة القصرين، في الوسط الغربي التونسي، على هامش تظاهرة أُطلق عليها عنوان “الإنزال الثقافي”. وخلال الندوة قال عدنان الهلالي، منسق المركز الثقافي الجبلي، “تعتبر تظاهرة الإنزال الثقافي، بمثابة تواصل لعدة تظاهرات نظمها المركز الثقافي الجبلي لتنشيط الجبال وفي تحد للخطر الداهم على ساكني الجبل وهو الإرهاب”.

ورأى الهلالي أن “إعلان سمامة عاصمة كونيّة للثقافة الجبلية هو تعبير عن فعل مقاوم للحفاظ على الجبل وما يمثله من شموخ ومن ثروات طبيعية أصبحت مهدّدة بفعل الإرهاب الذي تجاوز خطره الأمني إلى تهديد وجود الناس بالمنطقة”.

وجسدت التظاهرة تواصلا للعديد من الأنشطة الثقافية التي نظمها المركز الثقافي الجبلي بسمامة منذ تأسيسه في يونيو 2014، وهي وفقا لمسيري المركز “رسالة تحد ثقافي وإبداعي للتهديد الإرهابي الذي جعل من سمامة مكانا مصنّفا خطيرا وأدى إلى توطن الإرهاب، وسقوط ضحايا من العسكريين والمدنيين الساكنين بالقرب من الجبل”.

وأدت الأحداث الإرهابية بجبل سمامة إلى سقوط ضحايا من المدنيين قبل أن يتم إعلان المنطقة، عسكريّة مغلقة مما حرم السكان من الثروات الطّبيعية التي يوفرها الجبل.

وقال عدنان الهلالي إن “إعلان سمامة عاصمة كونيّة للثقافة الجبليّة هي خطوة جيدة تهدف إلى كسر الحصار الذي ضرب المناطق الجبليّة المحاصرة بطبعها منذ زمن طويل مرّة بدواعي سياسيّة ومرّة بدواعي أمنيّة”.

وتابع “جبلنا وهو عاصمتنا وفكرتنا وخطوتنا إلى الأمام. لا نحتاج إذنا من أحد كي نعلنه عاصمة كونيّة وبرنامجنا سيدافع عنا لأنه تربوي تثقيفي إبداعي لا استهلاكي فولكلوري زائل هو مشروع للزرع الثقافي والتأسيسي الفعلي”.

وواكب تظاهرة الإنزال الثقافي عدد كبير تجاوز الألف من سكان المنطقة ومن تلاميذ مدارس جاؤوا في إطار رحلات إضافة إلى ضيوف من المناطق الساحلية، ومن الجزائر.

وقال الفنان الجزائري ميمون محمد الصالح، الذي قدم من الجزائر للمشاركة في الاحتفالية، “أصبت بالدهشة منذ أن وصلت إلى المنطقة؛ إذ لاشيء يوحي بأن هناك مشكلات أمنية؛ كرم ضيافة وغناء ورقص، الحياة بكل معانيها، ويبدو لي أن العمليات الإرهابية التي يشهدها الجبل لم تؤثر على سكانه”.

ويمثل جبل سمامة واحدًا من الجبال التي استوطنتها المجموعات الإرهابية منذ 2013 ونفذت فيه عمليات ضد الوحدات العسكريّة والأمنية وطالت ألغامها التي زرعتها المدنيين من سكان المناطق القريبة.

وتفرض الوحدات العسكرية مراقبة شديدة على الجبل لمحاصرة الإرهابيين وأعلنت الجبل منطقة عسكرية مغلقة، ما أثر سلبا على حياة سكان المنطقة.
المصدر/ العرب اللندنية