2024-11-30 02:40 م

الأبعاد الدولية لرفع العقوبات الامريكية على السودان ..

2017-01-17
بقلم: محفوظ عابدين

استحوذ الجانب الاقتصادي على كثير من الاهتمام لدى العامة وأهل الاختصاص في القرار الامريكي برفع الحظر على السودان ، ولان الاقتصاد هو عصب الحياة في مسيرة الدول نحو النهضة والتنمية ،وهنالك جوانب اخرى يمكن تكون محل اهتمام حتى في المسار الاقتصادي وهي العلاقات الاقليمية والدولية للسودان بعد رفع العقوبات ، وهذا القرار الامريكي بالحصار وفرض العقوبات كان له اثره في العلاقات السودانية الدولية والاقليمية ، وايضا قرار فك الحظرسيكون له أثر الكبير في علاقات السودان الدولية والاقليمية .

وحقيقة العقوبات الامريكية على السودان جاءت لقراءات امريكية لبعض التطورات التي شهدها السودان في السنوات التي سبقت قرار الحظر ومن أهم الاحداث التي شهدها السودان هو قيام المؤتمر الشعبي والعربي الاسلامي والذي دعا الى تأسيسه الدكتور حسن عبد الله الترابي والذي يعتبر الزعيم وعراب نظام الانقاذ كما تردد وكلات الانباء والاذاعات العالمية في ذلك الوقت قبل انتشار الفضائيات بشكل لافت ، وماتزامن وماسبق ذلك من احداث دولية مثل انهيار الاتحاد السوفيتي ، حيث اعتبرت بعص مراكز الدراسات الامريكية وبعض دوائر القرار الامريكي ان قيام منظمة عربية اسلامية تجمع ايدولوجيات مختلفة تحت سقف واحد قد تشكل احد معوقات المخططات الامريكية في المنطقة ابتدأءا من وضع اسرائيل وانتهاءا باكمال المخطط لوضع مشروع جديد وهومشروع الشرق الاوسط الكبير لاعادة الخريطة الجغرافية للوطن العربي وبعض الدول الاسلامية التي يمكن ان تكون ضمن المخطط الذي يضمن لاسرائيل استقرارها الامني بالاضافة الى توسعها الاستيطاني داخل الاراضي الفاسطينية وخارجها كما في الحلم الصهيوني ان دولتهم من الفرات الى النيل ، ومن الاحداث التي شهدتها المنطقة فوز الاسلاميين في انتخابات الجزائر في عام 1992م قبل إجهاض حلم اسلاميي أرض المليون شهيد ، وجاء وأد اليمقراطية في الجزائر لمنع قيام حزام اسلامي محتمل القيام ينتهي بايران لتطويق المنطقة التي تستهدفها امريكا بمشروع الشرق الاوسط الكبير ، وحتى لايحدث تنسيق وتبادل خبرات للجماعات الاسلامية التي تتطلع لحكم بلادها مثل الاخوان المسلمين في مصر والاردن ،وحماس في فلسطين . وكان وصول اسامة بن لادن الى السودان ودخوله كمستثمر عربي ، بعد ان قاد جهادا ضد احتلال الاتحاد السوفيتي لافغانستان ، بمساعدات امريكية وغربية لايضع الاتحاد السوداني على حزام النفط في المنطقة التي تنتهي بالبحر الاسود، وبالتاكيد ان اسامة بن لادن في نظر الامريكان يمكن ان يكون مفيدا للسودان من الناحية المالية والتنموية ومن خلال خبرته التي اكتسبها في مقاومة الاتحاد السوفيتي في افغانستان .
ومن خلال هذا الواقع الذي اوجدته ظروف دولية واقليمية كان على امريكا ان تحد من الجهة التي قد تكون قدوة لباقي الجماعات الاسلامية والتي تتطلع الى الوصول لحكم بلادها ، فكان يجب ان تحاصر التجربة السودانية حتى لا تكون ملهمة للباقين خاصة وان السودان يمتلك موارد اقتصادية كبرى لاحسن استغلالها وكانت واحد من أسباب هذا الحصار الاقتصادي هو تحجيم السودان من الانطلاق ، والتطور الذي حدث وكان في غير صالح السودان هو انهيار الاتحاد السوفيتي والذي كان يمثل القوة الموازية لقوة الولايات المتحدة وبانهياره انتهت الحرب الباردة ، واصبحت في العالم قوة واحدة وقطبية آحادية جعلت من كتلة الشرقية في حالة ترقب وخوف بينما انطلقت الكتلة الغربية تفرط سياستها وهيمنتها على العالم ، ذلك كان هذا الامر في غير صالح السودان ، وكان يمكن لكل المخاوف الامريكية تجاه السودان يتحقق جزء منها لوكان الاتحاد السوقيتي كقطب مواز لامريكا .
وكان هذا التحجيم الذي فرضته واشنطن على الخرطوم كان دافعا ان تبحث الخرطوم عن نوافذ جديدة تخرجها من هذا الوضع المأزووم التي وضعته فيه امريكا ، وكان الاتجاه نحو أيران ذات العلاقة المعادية لامريكا بعد انتصار الثورة الاسلامية في عام 1979 م بقيادة الامام الخميني ، ورغم الاختلاف المذهبي بين السودان وايران (سني) و(شيعي) الا ان هذا التعاون كان سياسيا اكثر منه اقتصاديا ولم يستفد منه السودان في مجالات كبيرة تعتبر ايران متقدمة فيها مثل صناعة النفط والصناعات التحويلية وغيرها ، وايران ووجدت في العلاقة مع السودان منفذا الى القارة الافريقية ، حيث كان الهدف الايدولوجي وهو نشر المذهب الشيعي متقدما على غيره من الاهداف الاخرى التي تحتاج للتعاون بين ايران وافريقيا ، ولهذا لم يكن حجم التعاون الاقتصادي بالقدر المتوقع .
واتجه السودان شرقا حيث الصين وايضا رغم الاختلاف الايدولوجي بين نظامين الاول (الاسلامي) والثاني (شيوعي) ، الان هذا التعاون قد اثار حفيظة الولايات المتحدة الامريكية ، باعتبار ان الصين ستجد في السودان ومن خلاله الى افريقيا سوقا كبيرا لمنتجاتها كما تجد من الموارد التي تحتاجها بكميات كبيرة قد تفوق احتياجاتها ، وكانت هذه العلاقة بين السودان والصين ومن خلفها افريقيا كانت محل نظر واشنطن .
وكانت معركة استخراج البترول السوداني واحدة من أهم المعارك التي دارت بين الخرطوم وواشنطن واستطاعت الخرطوم ان تفلح باستحراج النفط بعيدا من الشركات الامريكية خاصة شركة شيفرون الامريكية التي كانت تمتلك حق الامتياز لحقول النفط في السودان منذ عهد الرئيس جعفر نميري . 
ورغم ان الصراع بين الخرطوم وواشنطن في المحفلين الاقليمي والدولي الان هذا الصراع من صالح الخرطوم اذا تحدثنا بلغة الملاكمة وهو الفوز بالنقاط مقارنة بين الفوارق الكبيرة بين السودان وامريكا من الناحية الاقتصادية والعسكرية والتفوق العلمي بل في كل المجلات لا مقارنة ولكن الخرطوم استطاعت ان تحقق بعض الانجازات مع الاحتفاظ الكامل بالكرامة ، وحير صمود السودان لمدة عشرين عاما كل المراقبين ، مع تلك الظروف التي يعيشها السودان .
والآن وبعد رفع العقوبات الامريكية عن السودان ، سيكون ايضا لهذا الامر ابعادا دولية واقليمية ،وهو هذا الابعاد ان العلاقة مع الدول الاوربية ستكون في وضعها الطبيعي في مجالات التعاون الحقيقي بدلا من التعون السياسي ، ويالتالي فان التعاون الاوربي ربما ياخذ شكلا جديدا خاصة في الاستثمار ونقل التكنولوجيا والتعليم العالي ومراكز البحوث والدراسات ، وربما السياحة خاصة وان البعثات التي تعمل في مجال السياحة معظمها أوربية فرنسية وسويسرية ، وربما ساعد هذا الامر في التدفق السياحي وكما معروف ان السودان غني بموارده السياحية في المناطق الاثرية في البجراوية والبركل والمحميات الطبيعية في الدندر وجبل مره في دارفور وسياحة الغطس في البحر الاحمر ،
ومن الابعاد الدولية لرفع الحظر الامريكي عن السودان ربما لعبت الخرطوم دورا مهما في العلاقة بين واشتنطن وموسكو خاصة بعد احاديث الرئيس الامريكي المنتخب دولاند تترامب انه يرى الرئيس فلادمير بوتين صديقا وليس عدوا ، والعلاقة بين السودان روسيا متطور جدا وهناك اتفاق قي القضايا الدولية والاقليمية بين السودان وروسيا خاصة في المسألة السورية وقضايا مكافحة الارهاب ، وكان نائب وزير الخارحية الروسي مخائيل بوغدانوف الذي شهد ختام مؤتمر الحوار الوطني في اكتوبر الماضي قد اكد خلال لقائه عدد من المسؤولين السودانيين وعلى رأسهم المشير عمر البشير رئيس الجمهورية ، قد اكد علة العمق العلاقات بين السودان وروسيا .،ومن المنتظر ان يلعب السودان دورا تتنسيقا بين واشنطن وموسكو فيما يتعلق ببعض القضايا المتعلقة بالمنطقة والقارة الافريقية ، خاصة وان الخرطوم اكتتسبت خبرة من خلال تعاملها مع قوى اقليمية ودولية خلال فترة الحصار، وبالتعاون التقارب بين واشنطن وموسكو في عهد الترامب ، ستجد الخرطوم حظا من هذا التقارب ربما يعوض فترة الحصار التي امتدت لاكثر من عشرين عاما 

nonocatnonocat@gmail.com
المصدر/ سودانيل