تنبأ تقرير استخباراتي أميركي جديد بمستقبل المنطقة العربية خلال السنوات الخمس المقبلة. وكان الهدف الرئيسي من التقرير هو تحضير ساكن البيت الأبيض الجديد لأحداث العالم المرتقبة.
ورغم سوداوية المشهد العربي، إلا أن المحللين الاستخباراتيين رأوا أن تحسن المنطقة يعتمد أولاً على تحسن أسعار النفط، وثانياً تخفيف الاحتقان المذهبي بين السعودية وإيران والمضي قدماً نحو النهضة والازدهار.. فأي الدربين تسلك المنطقة؟
"هافنيغتون بوست عربي" اطلعت على التقرير واستخلصت منه الشق المتعلق بالدول العربية:
بدايةً، يشير التقرير إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ستشهد خلال السنوات الخمس المقبلة توترات سياسية إضافية، مع ارتفاع مطالب الجماهير من النخبة السياسية في بعض الدول التي شهدت ثورات.
كما يُتوقع أن ترتفع حدة المنافسة بين الجماعات الدينية والقوى السياسية في ظل انخفاض أسعار النفط، التي أضرّت بالعديد من الدول مثل إيران والسعودية وتركيا وحتى إسرائيل ومصر.
في المقابل توقع التقرير أن تستمر الفجوة بين الطبقة الحاكمة والمحكومة، مع تردي الوضع الاقتصادي، وستطفو على السطح أصوات مطالبة بالانفصال، كالأكراد على سبيل المثال.
فالثوارت والصراعات المستمرة أوقفت النمو الذي شهدته المنطقة في الفترة الماضية، والذي تجسد مثلاً في تراجع نسبة الفقر في مصر من 12% في 1981 إلى 20% في 2005.
مالياً
تتعثر الأداة المعتادة في المنطقة لإدارة الاستياء العام (الإعانات الخليجية والمساعدات الخارجية) بسبب أسعار النفط.
وتشهد المنطقة خسارة في رأسمالها، ما يجبر دول التعاون الخليجي إلى اللجوء لاحتياطاتها لدعم الإنفاق المحلي، أما الجزائر والعراق فتعانيان من أجل الاستمرار في "شراء السلم الاجتماعي".
يتناقص السخاء الخليجي على مصر والأردن ولبنان وتونس لتسوء أوضاعها المالية والأمنية.
أما إسرائيل وتركيا، فقد لا تتأثران بهذه الضغوط، ولكن اقتصاد البلدين محدود إلى حد ما ولا تساعدهما علاقاتهما بدول الجوار على المشاركة في نمو المنطقة.
سياسياً
يستمر فشل دول عربية في تأمين الأمن والتعليم والعمالة بتغذية بيئة خصبة للتطرف.
ويزداد الانشقاق المذهبي واضطهاد الأقليات، تحضيراً لأرضية تبرر العنف للعيش في منطقة متجانسة ذات مذهب واحد.
في غياب حكم الدولة والمؤسسات ترتفع أصوات الأشخاص والأحزاب أو القبائل للمشاركة في الحوار السياسي. وفي سوريا مثلاً يتجسد هذا بإنشاء مجالس بلدية محلية للإمساك بزمام الأمور.
كما تستمر أمواج اللاجئين بالتدفق ولكن لوجهات غير أوروبا، ويظهر دور أكبر للروس والصينيين بعدما رفعت أميركا يدها عن الأنظمة السابقة.
أما عدم اتضاح صورة انتقال السلطة بعد الملك سلمان، فيعني ضبابية مصير الإصلاحات الاقتصادية الكبرى والسياسية الصغرى في المملكة. وفي المقابل يمهد دعم روسيا لسوريا احتمال دعمها لحلفاء الأمس مثل مصر والعراق.
عقائدياً
ينعكس تأثير هذه العوامل مجتمعة على ظهور جيل ندبته الحروب والتوترات السياسية والحرمان من فرص تعليم وعمل، ما يعني أنه عرضة للتأثر بالفكر الراديكالي.
ورغم أن معظم الشباب العرب يستنكرون أفعال داعش إلا أنهم يعتبرون البطالة أحد أهم أسباب انتشار التنظيم المتطرف.
ومن المتوقع أيضاً أن يستعيد المشهد الفلسطيني وقعه الإقليمي بعودة اهتمام الشباب العربي بالقضية الفلسطينية. فحاجة أهل قطاع غزة التي لم يتم تأمينها بعد منذ حرب 2014 ستؤدي لظهور أصوات مطالبة بحلها، مع ازدياد الإيمان بأن الأزمة الفلسطينية هي سبب توتر المنطقة كلها وليس فقط فلسطين.
بيئياً
في اليمن تتسبب الحروب وأسعار الماء المرتفعة والبنى التحتية المتضررة بأزمة مياه خانقة، تاركة 80% من الشعب بلا ماء، ما يعني أن المياه المخزنة للاستعمال تصبح موطناً للحشرات والبعوض وتالياً أوبئة خطيرة مثل الملاريا والكوليرا وغيرها.
في الأردن تجبر موجات اللاجئين السوريين الجديدة الدولة على ضخ المياه الجوفية المتناقصة أساساً.
وفي مصر تواجه القاهرة تحديات جديدة بعد أن تبدأ إثيوبيا بملء خزاناتها من السد الإثيوبي الجديد. كما يستمر التلوث الهوائي في المنطقة ليصبح من بين الأسوأ في العالم، خصوصاً في إيران والسعودية.
والحل؟
وبعد استعراض جميع السيناريوهات المحتملة لأوضاع المنطقة المتأزمة، فتح التقرير باب أمل وحيد للمنطقة - في حال ارتفاع سعر النفط. عندها يضطر القادة في السعودية وإيران للتركيز على دعم السوق والعمل سوياً إلى حد ما.
هذا التعاون الاقتصادي قد يؤدي إلى تخفيف حدة النعرة المذهبية. وأما إذا ما تحسنت العلاقات، فإن هذا ينعكس على نزع فتيل بعض الحروب هنا وهناك وتهيئة الظروف المواتية لظهور حركات شعبية تشكل بديلاً مقنعاً وبنّاء لمواجهة تنظيم داعش والتطرف الديني.
ما هي منظمة "اتجاهات عالمية" ومن كتب التقرير؟
ينشر "مجلس الاستخبارات القومي" كل 4 سنوات، ومنذ العام 1997، تقريراً لا يُصنف سرياً.
يقدم التقرير الموسع تقييماً استراتيجياً لكيفية تشكيل الاتجاهات الحالية أحوال العالم على مدى السنوات العشرين المقبلة. يتزامن التقرير كل 4 سنوات مع انتخاب رئيس أميركي جديد.
يكتب التقرير مجموعة من محللي الاستخبارات الأميركية، والذين يحاولون التنبوء بالمستقبل في شتى أنحاء العالم، بما فيها المنطقة العربية.
أما منظمة "اتجاهات عالمية" فتنشر التقرير ليطلع عليه الجمهور "لرعاية حوار ونقاش حول المستقبل"، وفق ما نشرت على موقعها الإلكتروني.
و"مجلس الاستخبارات القومي" هو وحدة تحليلية تتبع مكتب مدير الاستخبارات الوطنية مباشرة. وإلى جانب مراقبة التطورات عن كثب، ترسل الوحدة محلليها في زيارات ميدانية إلى أكثر من 36 دولة ومنطقة للحصول على استشارات من خبراء استراتيجيين وشخصيات حكومية قبل أن ترفع تقريرها للإدارة الأميركية الجديدة.، وفق ما نشرت مجلة "ذا اتلانتك".