2024-11-28 05:34 م

عهد ترامب والمستقبل الغامض!!

2017-01-13
نادين شلق
بالأمس القريب، كان الجميع يضحك، في سرّه وفي العلن، من ترشح دونالد ترامب للانتخابات الأميركية. وبعد فوزه انكمشت الأقلام عن السخرية، وبدأت تبحث عن مستقبل أميركا والعالم، في فترة «ترامب في البيت الأبيض». بالطبع، إنّ المهمة لم تكن سهلة، ذلك أن السياق التاريخي ليس مساعداً.

لذا، بدا من الأنسب التعلّق بعبارة أو بجملة مُلهِمة نطق بها الرئيس المنتخب، عن قصد أو عن غير قصد. المفارقة لا تكمن في أن يُنظر إلى فوزه غير المتوقّع على أنه أمر غير طبيعي فقط، بل تتخطى ذلك إلى ربط بين نظريات عدة، أساسها أنه إذا كان مستقبل الولايات المتحدة غامضاً بوجوده في السلطة، فلا بدّ أن مستقبل العالم سيكون مفتوحاً على كل الاحتمالات.
اشتغلت الفكرة في رؤوس الكثير من الخبراء، مع الدخول الوشيك لترامب إلى المكتب البيضاوي، وبرزت أسئلة عادة ما يسعى المؤرّخون وخبراء الاجتماع إلى الابتعاد عنها: إلى أي مدى يعتمد التغيير التاريخي على أعمال أفراد غير اعتياديين؟ يطرح ديفيد بيل هذا السؤال في مجلة «فورين بوليسي»، مستنداً إلى فكرة أن ترامب «رجل يتفق مناصروه ومعارضوه على أنه استثنائي في سياق التاريخ الأميركي».
وكمطّلع على حال الأكاديميين، من مؤرخين وعلماء سياسة واجتماع، يقول إنه «في الوقت الذي يبدأ فيه ترامب ولايته، التي تهدف إلى إعادة صناعة الولايات المتحدة، هو يجبر علماء الاجتماع والمؤرّخين على البحث في ما هو أبعد من أدواتهم التحليلية، بهدف شرح رئاسته». ويشرح أن «غالبية الذين سعوا إلى تقديم وجهة نظر بشأن فوز ترامب ورئاسته المقبلة، يميلون إلى ترسيخ ظاهرة أساسية اكتسحت عام 2016، وهي الشعبوية، أي تصاعد العداء للنخبة».
يذهب هؤلاء وغيرهم إلى توصيف فوز ترامب على أنه جاء نتيجة إدراكه عمق مخاوف الأميركيين بشأن مسار الولايات المتحدة، ودورها في العالم. ووفق ستيوارت باتريك في «مجلس العلاقات الخارجية»، «فهِم ترامب أن هناك عدداً متنامياً من الأميركيين الذين لا يثقون بالعولمة، والقلقين من الالتزامات الأميركية في الخارج». هو أيضاً وعد بـ»قيادة ولايات متحدة أكثر انفصالاً عن العالم، وأكثر اهتماماً بمصالحها الخاصة»، الأمر الذي لاقى صدى لدى المواطنين الأميركيين الذين لا يريدون قبول تحمّل العبء العالمي كثمن للقيادة الأميركية للعالم.
ما تقدّم حفّز على بروز تساؤلات أخرى عن مستقبل النظام الليبرالي، كشكل من أشكال التداعيات الكثيرة لانتخاب ترامب، لا سيما أن واشنطن هي التي تبنّت هذا النهج، ودافعت عنه على مدى أكثر من سبعة عقود. وهو ما يتطرّق إليه باتريك، مشيراً إلى أن «نتائج الانتخابات الأميركية تعني أن التهديدات الأساسية للنظام اللبيرالي العالمي ليست خارجية بعد الآن، بل محلية». ويصل إلى حد اعتبار أن «فوز ترامب سيسرّع في تفكيك هذا النظام، من خلال تقويض شبكة القواعد والمؤسسات والتحالفات التي رعاها 12 رئيساً أميركياً، من جمهوريين وديموقراطيين، منذ عام 1945».
«حتى المحلّلون الخاصون بالحكومة الأميركية يرون العصر الأميركي يتّجه إلى الأفول»، بهذه العبارة يبدأ يوري فريدمان تقريراً نُشر قبل يومين، في مجلة «ذي أتلانتك»، تعليقاً على دراسة أعدّها مجلس الاستخبارات الوطنية (NIC)، وهي وحدة تابعة لمكتب مدير الاستخبارات الوطنية. جاءت الدراسة هذه المرة صادمة ومخالفة للدراسات التي عادة ما يعدّها هذا المجلس، كل أربع سنوات، بهدف فهم مستقبل الولايات المتحدة والعالم. فقد توقّع هؤلاء المحلّلون الاستخباريون تحوّلاً كبيراً في الشؤون الدولية، على مدار السنوات الخمس المقبلة، وإلى ما هو أبعد منها. وعلى الرغم من أنها لم تذكر ترامب بالاسم، لكن ذلك لم يمنع فريدمان من ربطها به، نظراً إلى تأثيره الكبير المنتظر في مجال السياسة الخارجية، فضلاً عن صدورها قبل أسبوعين فقط على تسلّمه السلطة.
«للأفضل أو للأسوأ، يتّجه المشهد العالمي الناشئ إلى نهاية عصر الهيمنة الأميركية بعد الحرب الباردة»، تلحظ الدراسة التي تضيف أن «ذلك قد يسري أيضاً على النظام العالمي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية». لذا، لا يتطرّق هذا التقرير الاستخباري إلى احتمال انتهاء تموضع أميركا على أنها القوة العظمى الوحيدة في العالم فحسب، بل إلى تنافي الأساس الحالي الذي يُبنى عليه جزء كبير من هذه القوة: اقتصاد عالمي مفتوح، تحالفات عسكرية أميركية في آسيا وأوروبا، إضافة إلى القواعد والمؤسسات الليبرالية (منظمة التجارة العالمية مثال). وهنا، يمكن استخراج وجه آخر للربط بين هذا التقرير والرئيس الأميركي المنتخب، أي تعبيره مراراً عن معارضته لعناصر أساسية في هذا النظام العالمي. رغم ذلك، لا يرى الكاتب أن هذا الأمر يعني أن ترامب لا يودّ الحفاظ على السيطرة الأميركية في الخارج، فهو «يريد بعد كل ذلك أن يجعل أميركا عظيمة مجدداً». والأكثر دلالة على ما تقدّم، حديث مستشاره للأمن القومي مايكل فلين، الذي قال إن رئيسه «ربما يلتزم بالنظام العالمي أكثر من المتوقع». ويرى هذا الأخير أن إدارة ترامب «قد تضع خطوطاً أساسية جديدة لعلاقاتنا في جميع أنحاء العالم»، ليشدّد بعدها على أن الولايات المتحدة «ستبقى قوة عظمى وأمة لا غنى عنها».
كلام فلين يفتح على نظرية أخرى، تناقض فكرة انعزال الولايات المتحدة، في ظل إدارة ترامب. المؤرّخ المتخصص في العلاقات الخارجية الأميركية ستيفن ويرثايم، يدعم هذه الفرضية. ويقول في مقال في مجلة «فورين أفيرز»، إن ترامب لم يَعِد أبداً بتقليص القوة العالمية للولايات المتحدة. على العكس من ذلك، فهو يشير إلى أنه «تعهّد ببناء الجيش، وملاحقة الإرهابيين الإسلاميين، ومواجهة العدائية الصينية».
ولكن ذلك لا يعني أن ترامب لم يتمايز عن غيره؛ فبحسب الكاتب، قد يصبح ترامب «أول رئيس يدخل إلى البيت الأبيض رافضاً بشكل صريح الاستثنائية الأميركية». ويشرح ويرثايم ما يذهب إليه، موضحاً أنه «بدلاً من الاستثنائية الواثقة، قدّم ترامب قومية غير واثقة»، لافتاً إلى أنه «وضع الولايات المتحدة في خانة الضحية العالمية». لكن كيف ذلك؟
ترامب تحدّث مراراً عن استغلال الحلفاء للولايات المتحدة، وهو أمر يجعل منها ضحية، ولكنه قلب «العقيدة الاستثنائية» وغيّر دعائمها، ليطلب من الأميركيين استبدالها بالسعي للحصول على انتصارات مباشرة. ويمكن وضع انتقاداته المتكرّرة للحرب على العراق في هذه الخانة أيضاً، خصوصاً إذا ما جرى التطرّق إلى اعتراضه المتكرر على أن الولايات المتحدة لم تستحوذ على النفط، قبل الخروج من هناك. ويشي خطابه، في هذا الإطار، بأن بلاده لم تحصل على حصتها العادلة، وهو ما يلفت إليه ويرثايم، موضحاً أنه يعني بذلك أنه «يتمنّى الحصول على هذه الحصة من الآخرين».
من هذا المنطلق، يمكن العودة إلى ديفيد بيل في مجلة «فورين بوليسي». على الرغم من حيرته، يعترف هذا الأخير بأن رئاسة ترامب قد تكون قصة مختلفة جداً، ذلك أنه «لم يصبح فقط قائد أقوى دولة في العالم، ولكن بفضل إدارة الجمهوريين للكونغرس ــ وقريباً ربما للمحكمة العليا ــ من الممكن أن يصبح أقوى رئيس في التاريخ الأميركي».
المصدر/ الاخبار اللبنانية