2024-11-28 08:27 م

قرار تجميد الاستيطان.. التحشيد والاستثمار أم "التغني" وضياع الانجاز

2016-12-26
القدس/المنـار/ قرار مجلس الأمن الدولي الأخير الذي يجرم الاستيطان، مكسب هام يمكن التأسيس والبناء عليه، في المحافل والساحة الدولية، ويعطي الثقة للجانب الفلسطيني، للذهاب به وغيره لمحكمة الجنايات الدولية.
هذا القرار وفي هذه المرحلة المفصلية يفتح أبوابا عديدة، يمكن للجانب الفلسطيني أن يدخل اليها انجازات ومكاسب، فهو يدل على حدوث تغييرات لدى المجتمع الدولي، ازاء القضية الفلسطينية فهو يخشى من انفجار واسع بسبب الممارسات الاسرائيلية والاحتلال الاسرائيلي، لذلك، جاء قرار تجميد الاستيطان ليؤكد على حقيقة خطورة استمرار الاحتلال على السلم والأمن العالميين، ولا شك أن صدور هذا القرار وبزخم التأييد الذي حصل عليه انجاز عام رغم أنه غير ملزم، لأنه لم يصدر ويتخذ تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، قرار صدر في مناخ مضطرب يسود الاقليم، انه اعتراف دولي بعدالة القضية الفلسطينية، يفرض على الجانب العربي وقف زحفهم نحو اسرائيل ومعاداتهم للفلسطينيين، والتراجع عن تحاوزهم الجانب الفلسطيني، سعيا لتطبيع مذل ودون ثمن، أما فلسطينيا، فان القرار الانحاز يفرض العمل على استثماره، حتى لا يلقى على الرف كغيره من القرارات المؤيدة للحق الفلسطيني، بمعنى أن يعمل الجانب الفلسطيني على حشد كل الطاقات لتفعيله في الساحة الدولية، بخطة حكيمة، تقودها كفاءات وأصحاب خبرة، دون كلل أو ملل، بعيدا عن الركون الى التغني بصدور القرار المذكو، الذي ينسف كل عمليات البناء الاستيطاني، فهو بلا سند قانوني، وهذا القرار أيضا يعني أن المجتمع الدولي مع القرار الرافض للاستيطان، وليس مجلس الأمن وحده، وبالتالي، خطأ كبير أن ترضخ القيادة الفلسطينية، مكتفية بصدور القرار، وتبقي ذلك الانجاز دون تفعيل أو تحشيد.
جاء القرار ضربة موجعة لاسرائيل ورئيس وزرائها، فما تقوم به تل أبيب من عمليات استيطانية، وما نفذته من برامج استيطانية، مرفوض دوليا، ومستنكرا من شعوب العالم، ومن جهة ثانية، فان القرار الذي لم يتعرض لـ "الفيتو" من جانب الولايات المتحدة، يعني، أن الحضن الأمريكي لا يحمل الدفء دوما، لاسرائيل التي لا تكترث بالقرارات الدولية ومواقف الشعوب، ورئيس الوزراء الاسرائيلي يدرك خطورة القرار المتخذ، وهو حاول بكافة أشكال الاستجداء عرقلة صدوره، وفشل في ذلك، مما دفع اسرائيل خارج الحلبة الدولية دون تعاطف، بعد سياسة طويلة من التضليل التي انتهجتها طوال السنوات الماضية، لكن التزام واشنطن الصمت لحظة التصويت على قرار تجميد الاستيطان لا يعني أن الولايات المتحدة ليست منحازة الى اسرائيل وداعمة لها، وانما وجهت صفعة لنتنياهو الذي ضرب عرض الحائط بالموقف الدولي وأدار ظهره لدعوات المجتمع العالمي التي طالبته بوقف الاستيطان والمضي في عملية سلام حقيقية، كذلك فان العهد القادم الذي سيبدأ بتولي دونالد ترامب الرئاسة الامريكية ليس راضيا عن موقف ادارة باراك اوباما التي وجهت ضربتها الى اسرائيل، وهي في حالة وداع للبيت للابيض، وموقف باراك اوباما جاء "فركة اذن" لرئيس الوزراء الاسرائيلي الذي أفشل جهود واشنطن لانجاح عملية السلام، ولما قام به من "عكننة" لادارة اوباما طوال السنوات الماضية.
دوائر سياسية ترى أن موقف أوباما عشية رحيله عن المكتب البيضاوي بني على أهداف وعوامل دفعته الى توجيه هذه الضربة المؤلمة فهو أولا أراد أن يثأر من نتنياهو الذي اثاره مرارا بمواقف أغضبته، وهي ليست الضرب الموجعة الوحيدة، فهناك الاتفاق النووي الايراني، الذي حاربته تل أبيب بشدة وأوباما نفسه يدرك أن أية ادارة أمريكية جمهورية أو ديمقراطية لن توقف انحيازها المطلق لاسرائيل، وما اتخذه في مجلس الأمن لن يوقف سياسات اسرائيل المتعنتة، لكنه اراد كسب رضى الجانب العربي في لحظات رحيله الذي سيتوجه اليه بعد مغادرته البيض الأبيض طالبا تمويل صندوق أو مركز يرأسه وربما سيجده في مشيخة قطر، فزرع بذرة التحفظ على قرار مجلس الامن ليحصد أموالا لمؤسسة سيقيمها كغيره ممن سبقوه من الرؤساء الامريكيين، واوباما الذي يقف وراء مئات الالاف الذين سقطوا في الحروب الارهابية التي اشعلها في سوريا وغيرها من الساحات العربية تحت مسمى الربيع العربي ومباركته لما اسماه بالاسلام السياسي، لا يهمه أن تصادر جميع الاراضي الفلسطينية وتملئها اسرائيل بالمستوطنات.  
ويرى المراقبون أن صدور قرار تجميد الاستيطان بصمت أمريكي سيفتح صراعا في الساحة السياسية الاسرائيلية قد يطيح بنتنياهو أو يضعفه على الاقل، الذي أزعج باراك اوباما طوال فترة ولايته، هذا النزاع الداخلي سيدفع رئيس وزراء اسرائيل الى احتمالين، الأول، تكثيف الخطوات الاحتلالية ومنها الاستيطانية واشكال الحصار المختلفة ردا على معارضيه أما الاحتمال الثاني فهو التوجه الى ايجاد حلول "ابداعية خلاقة" تبدد حالة النقمة الدولية التي تتعرض لها اسرائيل، خاصة بعد صدور قرار مجلس الأمن، وهذه المرة بمشاركة من الادارة الامريكية الجديدة القادمة الى البيت الابيض وبقفز عن الفلسطينيين باتجاه التنسيق والترتيب مع الجانب العربي.
فلسطينيا، يفترض في هذه الحالة الدولية أن تنفض القيادة الفلسطينية عن كاهلها التخوف والخضوع للضغوط وتبدأ تحركا فوريا ناضجا في الساحة الدولية لانجاح القرار تطبيقا والزاما يفرض على اسرائيل الخضوع لما اقره المجتمع الدولي حتى لا يخسر الفلسطينيون ثمار هذا القرار.
وهنا وفي هذا السياق وتأكيدا على ما نمتلكه من معلومات جمعت خلال الجهود التي بذلت للفوز بهذا القرار في مجلس الامن الدولي، لا يمكن أن ننكر ما بذلته القاهرة وسعت وهدفت اليه، وما اجتهدت من أجل جني المكاسب للفلسطينيين وقضيتهم وذلك ردا على ما تروج له أنظمة وجماعات الاسلام السياسي، التي شاركت وما تزال في الحروب الارهابية التي اشعلها باراك اوباما.
دوائر عديدة تخشى أن لا تتمكن أو تحسن القيادة الفلسطينية كيفية استثمار القرار الدولي، أو انها لا تريد تفعيله متقيدة بمحظورات ومحاذير لا نعتقد أنها ملزمة أو قادرة على تغيير الوقائع بمعنى أن لا تضيع هذه الفرصة كغيرها من الفرص التي سبقتها، مع ضرورة التأكيد هنا على الاستعداد الجدي المدروس لصد الرياح العاتية القادمة مع الادارة الامريكية الجديدة برئاسة ترامب، الذي يحذر ويهدد ونصب يهودا في مفاصل ادارته مستندا الى مبعوثين للازمات الدولية، هم من غلاة المستوطنين وداعمي الاستيطان، وهذا يتطلب بل يفرض على القيادة الفلسطينية، التوقف عن وضع البيض الفلسطيني في السلة الأمريكية، وأن تبحث عن حلفاء حقيقيين يؤمنون فعلا بعدالة القضية الفلسطينية ورفضهم لممارسات ومشاريع الاحتلال.
ومسألة أخرى اثارها تصويت مجلس الامن على قرار وقف الاستيطان وهي ضرورة الاقتراب فلسطينيا من الدول التي ساهمت بقوة في اتخاذ هذا القرار وتمريره كالسنغال وماليزيا وفنزويلا ونيوزيلندا، بمعنى أوضح أن تكسر الدبلوماسية الفلسطينية الجمود الذي أحاطت نفسها به والعودة الى ميادين الحروب السياسية بعد أن خسرت الكثير من الساحات لعدم قدرتها على مواجهة الدبلوماسية الاسرائيلية واختراقاتها لساحات كثيرة.
صحيح أن قرار مجلس الأمن الدولي يعد انجازا كبيرا وهاما للشعب الفلسطيني، ولكن الاكتفاء بالتغني به فقط، لا يكفي وعلى القيادة الفلسطينية أن تخوض معركة التحشيد الدولي حوله بخطط مدروسة جادة وبكفاءات دبلوماسية موثوقة ذات خبرة واسعة.