كتب محرر الشؤون العربية في صحيفة "السفير" اللبنانية
«ما بعد حلب» هو العنوان الذي أملى على المجتمعين في موسكو، وزراء خارجية ودفاع روسيا وتركيا وإيران، وضع نقاط التفاهمات الممكنة سورياً. التفاؤل ـ إن صحَّ القول ـ دفع أركان اللقاء الثلاثي الى الحديث عن المرحلة الجديدة للتسوية السورية، بما في ذلك العمل كدول ضامنة لأي اتفاق بين دمشق والمعارضة.
إشارات مهمة خرجت من ثنايا التصريحات وإعلان المبادئ الصادر، ليس فقط في ما يتعلق بعلمانية سوريا ووحدة اراضيها، وإنما في إسقاط الحديث من بنود التفاهم لأي اشارة الى السعي لإسقاط النظام، والتركيز بدلا من ذلك على قناة التفاوض المقبلة في كازاخستان، وأولوية مكافحة الإرهاب في الميادين السورية، اذ شكّلت تجربة حلب، بحسب وزراء الخارجية الثلاثة، دليلا على امكانية النجاح من خلال العمل الثلاثي المشترك، ولو بعيدا عن الأميركيين، وإنما من دون اهمال وجودهم.
لكن ذلك لم يخف علامات الاختلاف. الوزير التركي مولود جاويش اوغلو قال ردا على سؤال، إن وقف اطلاق النار يجب ان يشمل جميع الاطراف مستثنيا منه «جبهة النصرة» و«داعش»، قبل ان يضيف أن «حزب الله» ايضا يجب ان يلتزم بوقف اطلاق النار.
زجّ اسم «حزب الله» بدا نافرا في اجواء المؤتمر الصحافي التفاهمي. وربما لهذا بادر الوزير الروسي سيرغي لافروف الى القول بعدها إن مكافحة الارهاب لا تحتمل المعايير المزدوجة، موضحا أن المجموعات الإرهابية التي يتحدث عنها في سوريا هي تلك التي حددها مجلس الأمن بـ«داعش» و«النصرة». اما الوزير الايراني محمد جواد ظريف فقد حرص على التشديد على ان ما يتم الحديث عنه يتعلق بجماعات يعتبرها مجلس الأمن ارهابية كـ «داعش» و«النصرة»، قبل ان يضيف «نحترم اراء الأصدقاء، لكن هذه الاراء لا تتقبلها الدول الأخرى».
وجاءت تصريحات لافروف وجاويش اوغلو وظريف فيما عقد اجتماع ثلاثي آخر في موسكو ضم وزراء الدفاع الروسي سيري شويغو والإيراني حسين دهقان والتركي فكري إيشيق.
وقال شويغو إن الإعلان، الذي صاغه خبراء من روسيا وأطلق عليه اسم وثيقة «إعلان موسكو»، يشير إلى أن «إيران وروسيا وتركيا على استعداد لتسهيل صياغة اتفاق يجري التفاوض عليه بالفعل بين الحكومة السورية والمعارضة وأن تصبح الضامن له»، داعياً «كل الدول الأخرى التي لها نفوذ في الوضع على الأرض أن تقوم بالمثل (المساعدة في إبرام اتفاق)».
وأوضح وزير الدفاع الروسي أن أي تسوية سورية ينبغي أن تحترم وحدة الأراضي السورية، مضيفاً «اتفق الوزراء على أهمية توسيع نطاق وقف إطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية من دون أي معوقات وتحرك المدنيين بحرية في جميع أنحاء سوريا». وأشار إلى أن وثيقة «إعلان موسكو» ترقى إلى خريطة طريق لإنهاء الأزمة السورية، موضحاً أن وزراء الدفاع والخارجية لروسيا وإيران وتركيا سيقرون الإعلان.
وأوضح شويغو أن روسيا استطاعت القيام بعمل لم تستطع الولايات المتحدة القيام به، ويتمثل بفصل الإرهابيين عن «المعارضة المعتدلة».
وكان شويغو قال خلال لقاء مع دهقان، إن المحاولات السابقة كافة للتوصل إلى اتفاق حول اتخاذ إجراءات مشتركة مع الولايات المتحدة وشركائها، حكم عليها بالفشل، موضحاً «لم يكن لأحد منهم تأثير فعلي على الوضع الميداني في سوريا».
وفي لقاء مع نظيره التركي فكري إيشيق، قبل انطلاق جلسة المحادثات الثلاثية، أكد شويغو أن نجاح عملية الفصل بين «المعارضة المعتدلة» والمتشددين في حلب، تم بفضل الجهود الروسية التركية الإيرانية المشتركة، مضيفا أن هذا الأمر يمهد الطريق لمواصلة محاربة الإرهاب في سوريا.
بدوره قال إيشيق إن الجانب التركي يأمل في أن يساهم التعاون الروسي التركي في سوريا في تعزيز العلاقات الثنائية بين موسكو وأنقرة في مختلف المجالات. وذكرت وكالة «سبوتنيك» أن ايشيق وصف خلال لقائه شويغو عملية تحرير الأحياء الشرقية في حلب بالعملية الـ «ناجحة»، ناقلة عنه قوله: «اليوم نرى أنه تستمر هناك عملية ناجحة لتحرير حلب الشرقية من المسلحين وإجلاء أسر المعارضة، بمن فيهم الأطفال».
لافروف وكيري
وزارة الخارجية الروسية أوضحت في بيان أن لافروف أبلغ نظيره الاميركي جون كيري، خلال اتصال هاتفي، بنتائج الاجتماع الثلاثي في موسكو، مشيرة إلى أنه لفت إلى خطط وضع اتفاق بين الحكومة السورية و «المعارضة»، وإجراء مفاوضات في العاصمة الكازاخستانية، أستانا، حول إطلاق عملية التسوية السياسية في سوريا. وأشارت إلى أن هذه الخطوة «ستمثل دافعا لتسريع سير الحوار في جنيف برعاية الأمم المتحدة، والذي لا يزال في مأزق منذ زمن طويل بسبب المطالب القطعية التي يطرحها المعارضون المهاجرون».
وأوضح البيان أن البحث تطرق إلى «مسائل التطبيع التام للوضع في أحياء حلب الشرقية، والتي تنتهي بإجلاء المدنيين طواعية، وسحب المسلحين منها»، كما شملت المحادثة قضية «استئناف العملية التفاوضية بين الأطراف السورية من دون شروط مسبقة، الأمر الذي أصرّت عليه المعارضة السورية التي يرعاها الغرب».
لافروف
وكان لافروف أعلن، خلال مؤتمره الصحافي المشترك، أن بيان وزراء الخارجية يؤكد سيادة ووحدة أراضي سوريا، كدولة ديموقراطية وعلمانية، مضيفاً «من الضروري احترام وحدة وسيادة أراضي سوريا، بشكل كامل. والرأي الجامع بأنه لا يمكن حل الأزمة السورية عسكرياً».
وأوضح أن الدول الثلاث عازمة على مواصلة محاربة تنظيمي «داعش» و «النصرة»، معتبراً أن العمل الذي تقوم به روسيا وإيران وتركيا في إطار التعاون الثلاثي حول تسوية الأزمة السورية هو الأكثر فعالية في سبيل تحقيق هذا الهدف.
وإذ لفت إلى أنه «لا يجوز التخلي عن نتائج الجهود الروسية الأميركية لتسوية الأزمة السورية»، انتقد واشنطن، الغائب الاكبر عن النقاش، مؤكداً أنها لم تنفذ اتفاقات سابقة تم التوصل اليها، مشيراً إلى أن روسيا وإيران وتركيا تدعو الدول الأخرى للانضمام إلى الجهود لتسوية الأزمة السورية.
جاويش اوغلو وظريف
أكد وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو ضرورة أن يعم نظام وقف إطلاق النار في سوريا أراضي البلاد كافة، من دون أن يشمل المجموعات الإرهابية، موضحاً أن الحديث يدور عن تنظيمي «داعش» و «جبهة النصرة».
ومن جهته، قال ظريف، إن طهران وموسكو وأنقرة «تتعهد بمحاربة تنظيمي داعش وجبهة النصرة والمجموعات المتحالفة معها، بصورة مشتركة، وكذلك بفصل هذه التشكيلات عن المجموعات المعارضة الأخرى». ولفت الى ان البيان المشترك يحدد التزامات الدول الثلاث في تسوية الازمة في سوريا، مضيفا أن الحديث يدور عن «تقديم مساعدات إنسانية والبحث عن التسوية السياسية مع الأخذ بالاعتبار مبادئ احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها»، مضيفاً «نمضي قدما بصورة حاسمة ومنطقية وممنهجة».
المصدر/ السفير اللبنانية