2024-11-27 02:33 م

تفاصيل أول استجواب للرئيس العراقي السابق صدام حسين

2016-12-19
 كشفت صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، بعض المشاهد من أول استجواب للرئيس العراقي السابق صدام حسين.

 

ونشرت الصحيفة البريطانية، الأحد، هذه التفاصيل من كتاب العميل السابق في المخابرات المركزية الأمريكية، جون نيكسون، بعنوان: “استجواب صدام حسين”، والذي ينشر نهاية العام الجاري.

 

وفي 13 كانون الأول/ ديسمبر عام 2003، تفاجأ نيكسون بعد أن أبلغه رجاله أنهم استطاعوا القبض على صدام حسين، الرجل الأول المطلوب في العالم، بعد أن كان متواجدا في العراق لثمانية أسابيع، كمحلل مع المخابرات المركزية الأمريكية.

 

واستدعي نيكسون من جانب بازي كرونجارد، المدير التنفيذي للاستخبارات المركزية، بعد أن كان قد مضى على محاولات إسقاط النظام تسعة شهور.

 

علامات فارقة

وكان عدد من كبار الضباط يسائلون نيكسون في مكتب كرونجراد، كيف نتأكد أنه صدام؟ فأجابهم: “وشوم قبلية على يد ورسغ صدام اليمين، وندبة رصاصة على ساقه اليسرى، وميل في شفته السفلى”، واستطاع تعرفها من خلال دراسة الأشرطة.

 

وقاطعه كرونجراد: “نريد أن نتأكد أنه صدام، وليس أحدا آخر”، في ظل “أسطورة” وجود أشباه لصدام، وانتشارها في الوسط الاستخباري الأمريكي، فقرر نيكسون “الصمت”، بدلا عن ذلك، وإعداد أسئلة لا يستطيع سوى “الديكتاتور” إجابتها.

 

وأخذت الطائرة صدام إلى مطار بغداد في تلك الليلة، وقررت التحقق هناك، بحسب مقتطفات الكتاب الذي نقلته “ديلي ميل”.

 

اللقاء الأول

ووجد نيكسون نفسه أمام صدام حسين بعد أن انتقل إليه، وكان جالسا على كرسي حديدي، ويرتدي عباءة بيضاء، وسترة مبطنة زرقاء.

 

وقال: “لا يوجد شك أن هذا الرجل لديه كاريزما، فقد كان ضخما وشديد البنية، وحتى وهو سجين ينتظر الإعدام، فقد كان يحمل هيئة مهمة”.

 

ثم أضاف: “عندما قلت لديه: لدي بعض الأسئلة التي ستجيبها بصدق، هل تفهم ذلك؟”، فأجابني: “متى كانت آخر مرة رأيت بها أبناءك أحياء؟”.

وتابع بقوله: “توقعت من صدام أن يكون شديدا، لكنني صدمت من حجم عنفه، عندما سألني: “من أنتم؟ هل أنتم المخابرات العسكرية؟ المخابرات؟ أجيبوني. حددوا أنفسكم!”.

 

وعندها، لاحظ نيكسون الوشوم القبلية، وكان فمه متدليا، وكان يريد أن يرى ندبة الرصاصة، مؤكدا: “هناك الكثير لنعرفه: كيف هرب من بغداد؟ من ساعده؟ لكنه لم يقل، وأجاب الأسئلة التي يريدها فقط”.

 

وأجابه صدام: “لماذا لا تسألني عن سياستكم؟ يمكن أن تتعلموا الكثير مني”، وكان حادا حول التعامل القاسي الذي تلقاه من الجنود الذين جلبوه، وعاملوه بقسوة وعنف.

 

“كنت شكاكا”

وأوضح نيكسون: “كنت مصابا بالشكّ، فهذا الرجل لم يكن يفكر مرتين قبل قتل رجاله عندما يعترضون على أتفه الأمور، ورفع العباءة ليريني الضرر بساقه اليسرى، فرأيت الندبة القديمة، وسألته عنها، فأكد لي غاضبا”.

 

وكان اعتقال صدام أمرا ممتازا، لكن علينا أن نأخذ منه الحقيقة حول النظام، وخصوصا حول أسلحة الدمار الشامل التي كانت ذريعة الاحتلال، فكان جوابه هو السخرية منا ببساطة.

 

وأجابهم صدام: “لقد وجدتم خائنا دلكم على صدام حسين، أليس هناك خائن آخر يستطيع أن يقول لكم أين هي أسلحة الدمار الشامل؟”.

 

ورفع الوتيرة قائلا إن “الأمريكيين كانوا مجموعة من الهمجيين الجهلة الذين لم يفهموا العراق وأصروا على تدميره”، بحسب ما نقل الكتاب.

 

وتابع: “العراق ليس دولة إرهابية، وليس لنا علاقة بأسامة بن لادن، وليس لنا أسلحة دمار شامل، ولسنا تهديدا للمنطقة، لكن الرئيس الأمريكي جورج بوش قال إن العراق يريد مهاجمه والده، وكان يملك أسلحة دمار شامل”.

 

وعند سؤاله، إن كان فكر باستخدام أسلحة دمار شامل استباقيا ضد الجنود الأمريكيين في السعودية، فأجاب: “لم نفكر باستخدام هذه الأسلحة، ولم تناقش أساسا”، مضيفا بسخرية: “نستخدم أسلحة كيميائية ضد العالم؟ هل هناك أي شخص بقدرات كاملة قد يفعل ذلك؟”.

 

لم يكن ما توقعناه

وقال نيكسون حينها: “لم يكن هذا ما توقعنا سماعه، فأين يمكن أن نكون قد أخطأنا؟”.

 

فأجاب صدام: “لم يكن هناك رغبة بالاستماع والفهم، ولا أستثني نفسي من ذلك”، باعتراف نادر، كان يمكن أن يخلق صورة أفضل لنوايا العراق.

 

وتساءل نيكسون: “هل كان يتلاعب بنا؟ بقلب الحقيقة لصالحه؟”.

 

وعندما سأل صدام عن استخدامه السلاح الكيماوي في مدينة حلبجة الكردية، خلال الحرب الإيرانية العراقية، غضب، وقال: “أنا لست خائفا منك أو من رئيسك، وسأقوم بما ينبغي لحماية بلدي!”، ثم استدار لي وقال: “لكنني لم أقم بهذا القرار”.

 

وعندما أغلقت الجلسة، استدار صدام وحدق بنيكسون بنظرة قال عنها: “لقد أزعجت الكثير في حياتي، لكن لم يرد علي  أحد بنظرة مخيفة كهذه”.

 

مفاجآت

وأشار نيكسون إلى أنه استشعر بعض الحقيقة في ما يقوله صدام، رغم أنه كان ساخطا حول حلبجة، ليس لأن الضباط استخدموا أسلحة كيميائية، بل لأن هذا أعطى إيران الكثير من الدعاية”.

 

بالمقابل، كانت المعلومات حول صدام أنه كان يتعرض للضرب من قبل زوج أمه، لكنه قلب كل هذه التوقعات قائلا: “زوج أمي كان ألطف رجل عرفته: إبراهيم حسن، باركه الله، وقد كنت أمين سره، وأقرب إليه من ابنه أدهم”.

 

وحين سأله نيكسون حول اعتقاد المخابرات بأن ظهره يؤلمه، ولم يعد يأكل اللحم الأحمر أو يدخن، أجابه: “لا أعلم من أين تحصلون على معلوماتكم، لكنها خاطئة، فأنا أدخن أربع سيجارات كوبية”، مشيرا إلى أنه كان لائقا بشكل ملفت.

 

وكان الملف حول صدام حسين في المخابرات هو أنه كاذب محترف، إلا أن صراحته كانت مفاجئة، وحتى التوقعات بأن حكمه كان بقبضة من حديد بدت خاطئة، فخلال السنوات الأخيرة، بحسب نيكسون، هو أن صدام لم يكن يعلم شيئا عما يجري في العراق، ولم يكن حريصا على ما تفعله حكومته، ولا يملك خطة دفاعية حقيقية.

 

الحادي عشر من سبتمبر

وتعجل صدام بنفي أي تورط له في الحادي عشر من سبتمبر، قائلا: “انظروا من المتورط، وما البلدان التي جاؤوا منها؟ السعودية. وهذا محمد عطا، هل كان عراقيا؟ لا، لقد كان مصريا”، متسائلا: “لماذا تظنون أنني كنت مشاركا.

 

وكان صدام يعتقد أن الهجمات قد تقرب أمريكا من العراق، لأن واشنطن كانت تحتاج حكومة علمانية لتحارب الأصولية، لكن “كم كان مخطئا”، بحسب نيكسون.

 

“ستفشلون”

وقال صدام للمحقيين الأمريكيين، بحسب ما نقل العميل السابق في الاستخبارت الأمريكية: “ستفشلون، ولن تجدوا أنه من السهل حكم العراق”، وهذا ما أثبته التاريخ فعلا، بحسب قوله.

 

وأثار هذا التوقع فضول نيكسون، وحين سأله مجددا، قال: “لأنكم لا تعرفون اللغة، والتاريخ، والعقلية العربية، ومن الصعب أن تعرفوا الشعب العراقي بدون معرفة الطقس والتاريخ”، فالفرق بيّن بين الليل والنهار، والشتاء والصيف، ولذلك يقال إن العراقيين عنيدون.

 

وتابع: “الصيف القادم، عندما تشتد الحرارة، قد يثورون ضدكم، فأخبروا ذلك للرئيس بوش”.

 

وقال نيكسون إن الرئيس الأمريكي جورج بوش استدعاه في عام 2007، ليعطي توضيحا مفصلا، في المكتب البيضاوي، حول شخصية صدام حسين، فوصفه: “كان رجلا ساخرا وحادا وساديا”.

 

الموضوع الذي أبكاه

وقال نيكسون إن الموضوع الوحيد الذي دفع صدام حسين للبكاء كان عندما ناقش موضوع بناته: رنا ورغد، حيث ترقرقت عيناه بالدمع، وتوقف صوته قائلا: “أفتقدهم بشدة، وكانت علاقتنا عظيمة، وأحببنا بعضنا جدا”.

 

وقال صدام إنه كان فخورا بولديه: عدي وقصي، لكنه كان واقعيا تجاههم، مما دفعه لعقابهم أحيانا، خصوصا عدي، الذي أصابه بالصدمة عندما علم أنه كان يملك أسطولا من السيارات الفارهة، التي يحميها جنود الحرس الجمهوري، قائلا: “أي نوع من الرسائل نرسل للشعب حول من يجب أن يعاني من العقوبات ومن لا؟”.

 

وأحرق صدام السيارات بعد أن أصاب عدي، وهو ثمل، الأخ غير الشقيق لصدام، وطبان، في حفلة للعائلة.