2024-11-28 10:45 م

«طائف عراقيّ» يحجّم السعودية: أنقرة ترث الرياض

2016-12-14
دعاء سويدان
إلى إيران، توجه مهندس المشروع، رئيس "المجلس الإسلامي الأعلى"، عمار الحكيم، ضمن جولة إقليمية قادته إلى الأردن ابتداءً، ومن المنتظر أن تحطّ به في مصر. هناك استمع الحكيم إلى موقف واضح: "قيام التحالف الوطني العراقي بتقديم مقترح للمصالحة الوطنية في هذا البلد يشكل خطوة قيّمة جداً وفي غاية الأهمية للمستقبل السياسي العراقي"، وفق ما قال وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف.

موقف يستبطن دعماً ودفعاً لخطة "التسوية"، التي يبدو أن طهران تريد استثمار اللحظة العراقية الراهنة في إرسائها، تحقيقاً لهدفين رئيسين: أولهما تثبيت موقعها كراعٍ للبيت السياسي العراقي، وثانيهما ترتيب أحجار الدومينو مع أنقرة بما يضمن استبعاد السعودية من خريطة النفوذ المستقبلية. تراهن إيران في بلوغ مرامها الأخير على استشعار "المكوّن السني" في بلاد الرافدين خيبة أمل إزاء المشروع السعودي الذي أدخل المحافظات الغربية والشمالية في أتون التدمير والتهجير، وكذلك على النجاح النسبي الذي حققته تجربة "الحشد العشائري"، معبدة السبيل لترجمتها سياسياً بإضفاء "شرعية سنية" على العملية السياسية، فضلاً عن استعداد تركيا للدخول في صفقة تضمن لها حصة وازنة في معادلات جارها الجنوبي.
هكذا، تبدو أنقرة في طور وراثة السعودية في العراق. كل الصراخ الذي علا مع بدء معركة الموصل، مستقوياً بوجود القوات التركية في بعشيقة، رافعاً لواء "الدفاع عن أهل السنة"، ومحذراً من مقاربة تلعفر، يظهر الآن كما لو كان "جعجعة" إعلامية لاستدرار مكاسب سياسية. قبل أيام، هاتف رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، نظيره العراقي، حيدر العبادي. أشاد يلدريم، خلال الاتصال، بنجاحات القوات العراقية في الموصل بعدما كان قال: "(إننا) غير متفقين مع حلفائنا حول هذه العملية".
كذلك تعهد بسحب القوات التركية من بعشيقة بعد انتهاء المعركة، وشدد على ضرورة "اجتماع اللجنة الاستراتيجية العليا بين البلدين في العاصمة العراقية بغداد"، مؤكداً أن بلاده "تسعى إلى إدامة العلاقات الاقتصادية والتجارية مع العراق". مبادرة ومواقف أوحت باستعداد أنقرة لتحطيم جبل الجليد بينها وبين بغداد، وحتى لتصفير الأزمات مع الجانب العراقي والقيام بدور "إيجابي" في إعادة ترتيب أوراقه. عزز تلك المؤشرات حديث مكثف عن ضغوط تركية على "تحالف القوى العراقية" لفصل مسارَي "التسوية" وقانون "الحشد الشعبي" عن بعضهما، والتعامل الإيجابي مع مشروع "التحالف الوطني".
بالنتيجة، لا يُستبعد أن تكون الساحة العراقية مقبلة على مقايضة تنال تركيا بموجبها "زعامة السنة"، ورضاءً عراقياً بمحاربة "العمال الكردستاني" في قنديل وسنجار وغيرهما من المناطق الجبلية (ومن بعده شراكة إيرانية في محاربة المشروع الكردي في سوريا؟)، مقابل تقديم تسهيلات لمشروع "التسوية" وكبح جماح الضغوط التي يمارسها "الحزب الديموقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود البرزاني على بغداد، (ولا يُستبعد أن يقابَل ذلك بضغوط إيرانية على الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة جلال الطالباني، لفرملة اعتراضه على زعامة البرزاني لإقليم كردستان).
بالعودة إلى جولة الحكيم، فإن محطتها الأولى كانت الأردن الذي يحتضن، منذ سنوات، أبرز وجوه "المعارضة العراقية". التقى رئيس "التحالف الوطني" في العاصمة عمان الملك عبد الله الثاني، طالباً توسطه لدى "القوى السنية" للدفع قدماً بمشروع "التسوية". تسرّب أن الحكيم طلب أيضاً وساطة أردنية لترطيب الأجواء مع السعودية والتوطئة لمشاركة عراقية هادئة في القمة العربية المقبلة المنتظر عقدها الربيع المقبل في الأردن، انسجاماً مع ما تنص عليه مسودة "التسوية" من "التزام العراق مبدأ الحياد والتوازن في العلاقات مع دول العالم". وعد عبد الله الثاني خيراً على المستويين المذكورَين، إلا أنه نصح الحكيم، وفق أنباء متداولة، بعدم التوجه إلى مصر منعاً لاستفزاز السعودية. نصيحة لا يبدو أن صاحب المبادرة سيعير أذناً صاغية لها، في ضوء تأكيد "المجلس الإسلامي الأعلى"، يوم الأحد، أن رئيسه سيتوجه إلى مصر بعد زيارته لإيران.
يتطلع الحكيم، من خلال تعريجه على القاهرة، إلى إكساب مشروعه أصواتاً وازنة إضافية، لما لمصر من مكانة معنوية في "العالم الإسلامي". وهذا، على الأرجح، سيضيف هماً جديداً إلى العقل السعودي المشغول بمواقف النظام المصري إزاء الحرب في سوريا، لكون تقدم القاهرة للعب دور على الساحة العراقية يشكل تهديداً جدياً لما تعتبره المملكة حقاً حصرياً لها بـ"زعامة العالم السني". تهديد تتصدر هواجسه المشهد بعدما ضاقت الرياض بانفتاح أبواب البصرة أمام مصر التي قطعت عنها شركة "أرامكو" السعودية، فجأة، مساعدات بترولية، كان يفترض أن تمتد على خمس سنوات.
في الخلاصة، تبدو السعودية الخاسر الوحيد من مشروع "التسوية" في حال سلوكه طريق التنفيذ. ولذلك، يُحتمل أن تعمد المملكة إلى اتخاذ إجراءات احترازية تحسباً لما ستؤول إليه الأوضاع بعد طيّ صفحة الموصل. في هذا الإطار، يدور الحديث عن زيارة مرتقبة لـ"رجل المهمات الصعبة"، ثامر السبهان، لبغداد، لإبلاغ المسؤولين العراقيين شروط بلاده لمباركة "التسوية". شروط تفيد بعض المعلومات بأنها تتضمن إطلاق سراح سجناء سعوديين، وإيقاف "التحريض" على الرياض من قبل أطراف في "التحالف الوطني"، وإبعاد قوات "الحشد الشعبي" عن المناطق الحدودية مع السعودية، وعدم اتخاذ "مواقف معادية" للمملكة في الأزمتين السورية واليمنية، على أن تتعهد الرياض بدعم مالي "سخي" لعملية إعادة إعمار المناطق التي دمرتها الحرب على تنظيم "داعش". وبالنظر إلى هشاشة الأوراق التي بات يملكها الجانب السعودي في الساحة العراقية وضآلتها، فلا تظهر شروطه إلا كمحاولة لفرملة القطار واستنقاذ ما يمكن إنقاذه.
محلياً، تبدو الصورة أكثر تعقيداً. داخل "التحالف الوطني" نفسه، لا رؤية موحدة لمشروع "التسوية". صحيح أن مسودة المشروع عرضت على الهيئتين القيادية والسياسية لـ"التحالف"، ونالت موافقة جميع الأطراف، بمن فيهم رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، وزعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر؛ إلا أن التطورات عادت لتظهّر خلافات بين أصحاب المبادرة أنفسهم. نواب في ائتلاف "دولة القانون"، بزعامة المالكي، بدأوا قبل أيام شن هجمات على خطة الحكيم، على خلفية "وضع الإرهابيين محوراً رئيساً في قاعدة التسوية"، ما يعني "حكماً مسبقاً عليها بالإعدام" و"خيانة للشعب العراقي"؛ بينما أعلن مقتدى الصدر رفضه "أي اتفاقات على حساب دماء العراقيين"، معتبراً أن "صناديق الاقتراع وحدها تقرر الاتفاقات السياسية". مواقف، وإن بدت عالية السقوف، إلا أنها قد لا تكون خارج دائرة متطلبات "البازار" الانتخابي، الذي بدأت فعالياته باكراً في العراق، مجلية استقطاباً حاداً بين الشخصيات والقوى "الشيعية".
على المقلب "السني"، ثمة ارتباك وتنافس يؤخران، حتى الآن، تبلور موقف واضح وموحد حيال مشروع "التسوية". "تحالف القوى العراقية" رفض، قبل نحو أسبوعين، تسلم مسودة الخطة من ممثل الأمم المتحدة في العراق، يان كوبيتش، احتجاجاً على إقرار البرلمان قانون "الحشد الشعبي" دونما توافق؛ إلا أن أطراف "التحالف" عادت لتجتمع مساء الاثنين في منزل رئيس مجلس النواب، سليم الجبوري، لـ"مناقشة الموقف من ورقة التسوية التاريخية"، ما أوحى بإمكانية تحلحل العقد، خصوصاً أن الاجتماع ضم علماء دين وقيادات سياسية من خارج البرلمان.
خارجياً، سلم كوبيش في عمان الأمين العام لـ "المشروع العربي في العراق"، خميس الخنجر، نسخة من مشروع "التسوية". وعلى الرغم من أن الخنجر اعتبر أن "المضي بالمشروع سيكون صعباً في الوقت الحاضر"، إلا أنه شدد على "أهمية التسوية السياسية"، داعياً إلى "اتخاذ خطوات عملية لرأب الصدع". من جهته، أكد رئيس اللجنة المركزية لـ"المشروع الوطني العراقي"، الشيخ جمال الضاري، أثناء لقائه كوبيتش في عمان، "انفتاحه على كل الأطراف وعدم وجود محددات للتحاور الإيجابي". أما نائب الرئيس السابق، طارق الهاشمي، فبدا موقفه الأكثر تشدداً في انتقاد مبادرة "التحالف الوطني"، إلا أنه أبقى الباب موارباً بقوله إنه "لا بد أن يكون لباقي المكونات رؤيتهم في حل القضية العراقية، وعليهم أن يبادروا ولا يتأخروا". في المجمل، تظهر القوى والشخصيات "السنية" منفتحة على مبادرة الحكيم، بما يشي بإمكانية تدحرج مواقفها نحو قبول "التسوية" والانخراط في دينامياتها، ولا سيما مع وجود عنصر إقليمي وأممي ضاغط.
هي إذاً جملة معطيات داخلية وخارجية ترفع أسهم مشروع "التسوية" وتقربه خطوات إضافية من دائرة الإقرار والتنفيذ. ولئن كان المخاض عسيراً، وفق ما توحي به المعطيات المتقدمة، إلا أن استنساخ "الطائف" اللبناني في العراق لم يعد ضرباً من المستحيل، بل أضحى احتمالاً حقيقياً وجدياً يمكن أن يبصر النور في المرحلة المقبلة. ولادة تشرع، إذا ما حصلت، الأبواب واسعة على مخاوف مما بعد سيناريوات "اللبننة"، في بلد فيه من الأزمات البنيوية ما يكفيه ويغنيه عن سوس "الموديل" اللبناني.
المصدر/ الاخبار اللبنانية