وسيم ابراهيم
يخوضُ الاتحاد الاوروبي في محاولةٍ جاهدة لكسر الهيمنة الروسية ـ الأميركية على الملف السوري، الأمر الذي أوصله إلى ترويج مساوئ التسليم بها لدى دول المنطقة. بشكل ما، يريد بناء تحالف يقوم على اساس تفاهمات الحدّ الادنى الاقليمية، بما يعني خلق إطار مصالح حول «مستقبل سوريا» يتملص من مدار مكافحة الارهاب، فالأخير لا يفعل سوى تكريس هيمنة القطبين العسكريين.
نعوات فشل موسكو ـ واشنطن صدحت في بروكسل، خلال اجتماع وزراء خارجية التكتل يوم الاثنين، قبل ساعات من خروج أول تعليق روسي بأن الأمر وصل «إلى طريق مسدود». مع ذلك، يتجنب الأوروبيون القيام بأي إعلانات صدامية تجاه الروس، باستثناء الحكومة الفرنسية التي تواصل، مقارنةً بالتصريحات الأميركية، نهج «ملكيون أكثر من الملك».
أمام هذا «الانسداد»، يتحرك الاوروبيون في الملف السوري على مستويين: قيادة المساعي المتعلقة بإيصال المساعدات الانسانية، تحت عنوان «الأولوية الآن لحماية المدنيين»، كما قالت وزيرة خارجية التكتل فيديريكا موغيريني، لكن أيضاً المضي بخطوات أسرع في مبادرة «الإطار» لمستقبل سوريا.
قبل أيام أصدرت موغيريني بياناً باسم دول الاتحاد، خلصت فيه، بعد استعراض الآفاق السلبية، إلى أن الاتحاد الاوروبي سيقوم بـ «تكثيف مساعيه» للعمل مع الفاعلين الاقليميين بشأن ايجاد «أرضية مشتركة» تكون إطاراً عريضاً للحل السياسي. المطلعون على تلك المساعي يقولون إنها «محاولة لايقاظ دول الإقليم» بأن المجرى الحالي، بقيادة واشنطن وموسكو، سيكون خارج نطاق مصالحهم الأساسية، وكذلك تأثيرهم.
في هذا السياق، قال مسؤول أوروبي رفيع المستوى لـ «السفير» إن التواصل مع دول المنطقة، تحديداً مع السعودية وايران، جاء بنتائج «إيجابية ومشجعة». مجملاً الرسائل التي حملها الاوروبيون، تحديداً موغيريني في لقائها زعيمي البلدين، نقل المصدر: «لقد قلنا لهم إن وضع الملف السوري تحت عنوان مكافحة الارهاب، كما يريد الاميركيون والروس، لن يخدم مصالحهم، ما يجري لا يدور فقط حول مكافحة الارهاب»، قبل أن يضيف: «قلنا لهم: أنتم ستعيشون مع النتائج التي ستؤثر عليكم مباشرة، ولا تريدون بالطبع أن تجدوا أنفسكم مع حلٍّ صنعه الروس والاميركيون وفق أولوياتهم».
الحديث عن نفورٍ من تأطير «مكافحة الارهاب» يبدو لافتاً جداً، خصوصاً أن الاوروبيين لا يكفون علناً عن الحديث عن أولوية مكافحة الارهاب. لكن مع ذلك، النفور له ما يبرره. هذا العنوان يحفظ هيمنة روسيا وأميركا على الملف السوري، لتواصلا إدارته كما يحدث الآن، في غرف مغلقة، بلا حاجة للمساومة مع آخرين، لكونهما المقررتين في الميدان العسكري.
في الإطار ذاته، لا تريح الاوروبيين أيضاً العناوينُ العريضة التي يحملها الرئيس الاميركي المنتخب دونالد ترامب. قال سابقاً إن أولويته العمل مع روسيا تحت عنوان محاربة «داعش»، ما جعل المسؤولين الاوروبيين يخشون من جولة مُطّولة جديدة من القيادة نفسها للملف السوري، وربما تكون أكثر استفرادا به مع التنسيق العسكري الموعود. تلك القيادة كان انتقدها الاوروبيون علناً، وإن بشكل مناور، مطالبين بوجودهم المؤثر إلى طاولة تقرير «مستقبل سوريا».
هنا تشير مصادر ديبلوماسية أوروبية إلى عدم إبداء الاميركيين والروس حساسية كبيرة، كما فعلت دول اقليمية، لموضوع صناعة «فدرالية» سوريا، أو حتى «التقسيم». الخيار الأخير حذر منه وزير الخارجية الأميركي جون كيري، سابقاً، حينما أعلن أن التسوية في حلب ستكون الحاجز الأخير أمام «التقسيم». موغيريني نفسها قالت حينها أيضا إن «وحدة سوريا ليست مضمونة إذا تواصل المسار الحالي». تلفت المصادر هنا إلى أنه ليس لدى موسكو وواشنطن «لا محظورات بالنسبة للإقليم ولا بالنسبة للداخل السوري حينما تجلسان منفردتين لتقرير شكل الحل السياسي».
لكن مصادر ديبلوماسية مطلعة على المبادرة الاوروبية قللت سابقا من جدوى مساعيها، لبناء أرضية مشتركة مع الاقليم، معتبرة أنها محاولة جاهدة تبحث عن دور سياسي مؤثر. في سياق متصل، كرر إعلان الاتحاد الاوروبي بشأن سوريا، الذي صدر متزامناً مع اجتماع باريس يوم الجمعة، أن «الانتقال السياسي الشامل» هو شرط أساسي للمساهمة في تمويل وتنفيذ إعادة إعمار سوريا سواء كان «مباشرة أو عبر التعاون مع المنظمات الدولية». بكلمات أخرى، كررتها موغيريني أمس، يريد الاوروبيون أن يروا «تشاركاً للسلطة في دمشق»، لأنه كما قالت شرط أساسي سواء لإنهاء الحرب أو لهزيمة «داعش».
الجدل حول ما هي خطط روسيا، تكتيكاتها، كان مساحة لنقاش مفتوح. بعض الديبلوماسيين الاوروبيين كان يفترض أنهم سيواصلون سياسة «تعليق مصير حلب»، على أساس الحفاظ على نافذة سياسية لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع واشنطن.
ما دعمَ هذه المقاربة أن روسيا قامت بإيقاف الهجوم على حلب، أكثر من مرة، فارضةً على دمشق هدناً لم تبدُ متحمسةً لها. موسكو لم تتوقف أيضاً عن الشكوى من قلة التنسيق مع الولايات المتحدة، مطالبة بمواصلته سياسياً على أمل الوصول إلى تنسيق عسكري، كما حذرت من انقطاعه كلما لوّحت به واشنطن. لكن مصادر ديبلوماسية رأت أن الأمر لا يبدو كذلك حالياً، معتبرة أنه «لا توجد الآن أي مؤشرات أن هناك أكثر من استراتيجية تعمل في حلب الآن».
وزير الخارجية الفرنسي جان مارك ايرولت وصل بانتقاداته الحادة لموسكو إلى إطلاق الشتيمة بلا أغلفة. قال متحدثاً عن استعصاء التوصل إلى تسوية سياسية حول حلب، أو تحريك للمسار السياسي: «لماذا حصل الفشل؟ لأن هناك إزدواجية اللغة الروسية، إنه نوع من الكذب الدائم»، قبل أن يستطرد «من جهة، يقولون سوف نفاوض، سنفاوض وسنصل إلى وقف إطلاق النار، ومن جهة أخرى يواصلون الحرب، وقد صارت حرباً شاملة، إنه الاستعداد لانقاذ نظام (الرئيس السوري) بشار الاسد وجعل حلب تسقط».
الحديثُ بالفم الملآن عن الفشل جاء لينقل خلاصة اجتماع جنيف، للخبراء الروس والأميركيين، الذي عقد يوم السبت، مع ترويج إمكانية التوصل لاتفاق اللحظة الأخيرة تحت عنوان «إنقاذ حلب». الأمر لا يخصُّ فقط باريس، باعتبارها مكبّر صوتٍ للتشاؤم الديبلوماسي مؤخراً، بل يخص آخرين كانوا يعولون على حصول اختراق.
وزير الخارجية الالماني فرانك فالتر شتاينماير أصرّ على الدعوة لعدم التسليم بالنتيجة: «الفشل الجديد لا يجب أن يأخذنا إلى وضع حيث نتوقف عن المحاولة.. الاتفاق على فواصل في القتال على أمل أن تقود إلى وقف إطلاق النار»، مشيراً إلى أن موسكو وواشنطن كانتا تعملان في إطار أنهما «ملزمتان بمواصلة الجهود من أجل التوصل لاتفاق بشأن فواصل في القتال».
الوزير الفرنسي وصف نمطين من مواقف تحكم السياسة الغربية حول تطورات الحرب السورية، مشدداً على أن بلاده لا تتفق مع أي منهما: «وعندما تسقط حلب، ماذا سيحدث؟ هناك الساذجون الذين يعتقدون أنها ستكون نهاية الحرب، وهناك من يفكرون بالسياسة الواقعية معتقدين أنه بعد ذلك علينا أن نتماشى مع الأمر»، قبل ان يضيف من دون تكرار «سوريا المفيدة» هذه المرة: «لا. الخطر الأكبر أن الحرب ستستمر في جزء من سوريا، خصوصاً إدلب، وهذا لن يخلق السلام، بل سيخلقه وقف شامل لإطلاق النار واستئناف المفاوضات».
المصدر/ السفير اللبنانية