2024-11-30 06:19 م

تقديرات اسرائيلية.. واقرار ضمني بفعالية ردع حزب الله..

2016-12-08
جهاد حيدر

لم تكن المواقف التي أطلقها ضابط رفيع في جيش العدو، حول احتمالات الحرب والجهوزية الإسرائيلية، والقيود المفترضة التي يواجهها حزب الله مجرد أجوبة عن أسئلة مهنية صحافية، بل هدفت بالتأكيد إلى توجيه مجموعة رسائل إلى الجمهور اللبناني والعربي حصرا. ومما يُعزِّز هذا الانطباع أن المقابلة حصرية مع موقع المصدر الإسرائيلي الناطق باللغة العربية فقط.
خلاصة التقدير الذي قدمه الضابط، يمكن وصفه بالمركب. من جهة رأى أن الحرب غير متوقعة. لكنه اضاف “..مع ذلك الحدود مع لبنان معرضة لاندلاع الحرب”، وموضحاً بالقول “الهدوء مريب، الانتقال من الوضع العادي إلى حالة الحرب سريع جدا. يكفي أن يقرر حزب الله القيام بتفجير واحد، ثم يليه رد فعل إسرائيلي قوي، لاندلاع معركة شاملة”.
الملاحظة الاولى التي يمكن ايرادها على هذا التقدير أنه يمكن صياغته بطريقة اخرى، “… الانتقال من الوضع العادي إلى حالة الحرب سريع جدا، يكفي أن تقرر إسرائيل اعتداء يتجاوز بعض الخطوط الحمراء حتى يقرر حزب الله الرد بما يتناسب، ثم تليه ردة فعل إسرائيلي قوي، ثم  يجري التدحرج نحو مواجهة واسعة بين الطرفين”.

الفرق بين التقديرين الاول والثاني، أن الضابط حاول أن يُحمِّل حزب الله المسؤولية مسبقا عن أي تدهور نحو مواجهة. مع أن كافة المسؤولين الإسرائيليين يؤكدون في كل المناسبات، بمن فيهم الضابط نفسه وفي المقابلة ذاتها، أن حزب الله مشغول ومستنزف في المعركة في سوريا ضد الجماعات التكفيرية وبالتالي ليس من مصلحته فتح جبهة ثانية مع إسرائيل!.
ومما يعنيه هذا الاصرار، أن العدو يهدف إلى تحميل حزب الله المسؤولية حتى في الحالات التي يرد فيها على اعتداءات إسرائيلية، وهو ما حصل طوال السنوات الماضية عندما رد حزب الله على الاعتداءات بردود مدروسة وهادفة.

ايضا، يمكن لكلا الطرفين، إسرائيل وحزب الله، أن يتبنى  المفهوم الذي أورده الضابط في أعقاب تقديره المشار اليه، “من أجل ذلك، رغم الهدوء، ينشغل كلا الجانبين بتحسين الاستعداد للحرب”. لكن ينبغي الايضاح أن اسرائيل تواصل استعدادتها كي تكون جاهزة لاستغلال الظروف السورية والاقليمية من اجل الاعتداء، أما حزب الله فمن أجل الرد والردع والدفاع، وهو ما نجح به حتى الان بمستوى عال جداً.

أما بخصوص استبعاد الحرب وفي الوقت نفسه، اعتبار نشوبها أمراً ممكناً في أي وقت، فيمكن تسجيل التالي:
يبدو أن الضابط الرفيع قصد أن أيا من الاطراف لا يخطط ابتداء للحرب في المرحلة الحالية، إسرائيل كونها لا تخطط للاعتداء؟!!، وحزب الله لكونه مشغولا بالحرب في سوريا.
واستنادا إلى مبدأ أن الحرب تحتاج إلى ارادة طرف واحد، وهو كاف كي يفرضها على الاخرين، أما الهدوء فهو يحتاج إلى ارادة الطرفين، لا يوجد ما يجعل تحقق سيناريو الحرب مرجحاً.
مع ذلك، لم يستبعد الضابط نشوب الحرب وفق السيناريو الذي يفترضه. وهي فرضية مقبولة – مع اغفال محاولته تحميل حزب الله المسؤولية، كما تمت الاشارة. ورغم أن كل السيناريوهات مفتوحة، الشيء وضده، لكن استناداً إلى المراحل السابقة يمكن التقدير أن احتمالات امتناع العدو عن ارتكابات حماقة تدفع نحو مواجهة واسعة، معتبرة وتستند إلى حقائق فعلية.

ومن أبرز المعطيات التي يمكن الاستئناس بها في هذا الاتجاه، أنه مضى عشر سنوات على حرب العام 2006. وأحد لم يكن يرجح أو يتوقع امكانية أن تمضي هذه الفترة من دون حرب إسرائيلية جديدة.. لكن لم يكن امتناع إسرائيل عن شن الحرب أمراً مسلما أو تلقائياً، بل كانت كل السيناريوهات محتملة. وأكثر من ذلك، فقد كان سيناريو المواجهة الواسعة مرجحاً في بعض المراحل، بشكل من الاشكال.. ومع ذلك، لم تنشب تلك الحرب.
وبالطبع كان لذلك أسباب جوهرية، الاساس فيها حسابات الكلفة والجدوى لدى صانع القرار في تل ابيب والتي من الواضح أنها خلصت إلى أن أي حرب ستكون مكلفة وبجدوى محدودة، وما ذلك إلا لحضور تنامي وتطور قدرات حزب الله على طاولة دراسة الخيارات.
رغم كل ما تقدم، ينبغي ملاحظة أنه طوال هذه الفترات حصل العديد من المحطات الميدانية كان يمكن لأي منها أن يتحول إلى نقطة تحوّل باتجاه التدحرج نحو مواجهة شاملة..
في الخلاصة، أياً كانت الرسائل التي هدف الضابط إلى تمريرها عبر موقع اعلامي إسرائيلي ناطق باللغة العربية، فإنها انطوت قهراً على اقرار ضمني بقوة ردع حزب الله وحضورها المدوي في وعي  صنّاع القرار، سواء عبر استبعاد الحرب، أو عبر الاستناد إلى انشغال حزب الله بمواجهة التهديد التكفيري.. أو حتى عند تقدير نشوبها على أنه سيناريو ممكن.