2024-11-30 06:46 ص

الانقلاب القادم في العلاقات الروسية - الاميركية

2016-12-08
فوجئ العالم كله بانتخاب الملياردير الاميركي دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي جرت في 8 تشرين الثاني الماضي.

ذلك ان جميع استطلاعات الرأي الاميركية كانت تؤكد فوز مرشحة الحزب الديمقراطي هيلاري كلينتون. وكانت الاختلافات فقط في النسبة المئوية التي يعطيها كل استطلاع لفوز كلينتون. وهذه المفاجأة تدل ليس فقط على سطحية مراكز استطلاع الرأي الاميركية، بل وتدل على عدم استقلالية تلك المراكز وعدم نزاهتها وكونها «مراكز مأجورة وتابعة» مهمتها الكذب وتضليل الرأي العام وليس التعبير عنه وتنويره.
خلفيات انتصار ترامب
وعلى الرغم من الهدوء النسبي للعاصفة الان، فهذا لا يقلل بل يزيد من اهمية دراسة ظاهرة «مفاجأة انتصار ترامب». وقد جاء فوز ترامب ليعبر ليس فقط عن فشل مراكز استطلاع الرأي الاميركية، بل عن فشل السياسة الاميركية برمتها، الداخلية والخارجية.
ومن ابرز اشكال فشل السياسة الخارجية الاميركية نكتفي بالاشارة الى معلمين رئيسيين مترابطين:
الاول: فشل رسم خارطة جديدة للشرق الاوسط الكبير، واستبدال تقسيمات «سايكس ـ بيكو» بامبراطورية اسلاموية عثمانية جديدة خاضعة للامبريالية الاميركية واليهودية العالمية. وأدى هذا الفشل الى تعميم «الفوضى البناءة» الاميركية وانتشار التنظيمات الارهابية التي انشأتها اميركا وحلفاؤها. الا انها ادت الى تعزيز معسكر المقاومة المعادي لاميركا واسرائيل والداعشية، اي بعكس ما كانت تريد اميركا وحلفاؤها.
والثاني: الفشل الذريع لإستراتيجية رفع «القبضة الحديدية» بوجه روسيا، اعلاميا وسياسيا واقتصاديا وأمنيا وعسكريا. و«بفضل» سياسة العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها، اصبحت روسيا اقوى اقتصاديا، وتمكنت من تحرير وتعويم الروبل وفك ارتباطه نهائيا بالدولار.
و«بفضل» الاستفزازات الحربية ونشر القواعد العسكرية وما يسمى «الدرع الصاروخية»، في جورجيا، واوكرانيا، وبولونيا ودول البلطيق ورومانيا وبلغاريا وسوريا وحتى في صحراء سيناء ضد الطائرة المدنية للسياح الروس، فإن الدب الروسي لم ترتعش فيه شعرة واحدة، بل انتصب بقامته الضخمة واشهر قبضتيه المخيفتين، وتحولت مقاطعة كالينينغراد البعيدة بين البلطيق والحدود البولونية الى قاعدة بحرية ـ برية ـ جوية ضخمة ومرعبة، للغواصات والصواريخ والطائرات الاستراتيجية، النووية، ولحشد من سلاح المدرعات الحديثة، ونخبة من قوات الانزال البحرية والجوية، مما يرعب لا بولونيا ودول البلطيق الناتوية وحسب، بل وكل اوروبا الناتوية والولايات المتحدة الاميركية ذاتها.
صفحة جديدة من العلاقات الاميركية الروسية؟
و«بفضل» استراتيجية «القبضة الحديدية» ضد روسيا، تحول بحر قزوين والبحر الاسود الى بحيرتين روسيتين. وتعمل روسيا الان، دون ان يستطيع احد ان يقف بوجهها، لحشد قواها العسكرية البحرية والجوية في شرقي المتوسط، لاغلاق القطاع الشرقي الذي تحده المسافة الفاصلة بين سوريا ولبنان في الشرق ومصر في الجنوب واليونان في الشمال.
فوز ترامب اسقط آلية حكم الحزبين
والواقع ان ترامب فاز اولا على منافسيه التقليديين في الحزب الجمهوري، ثم فاز على كلينتون ممثلة الحزب الديمقراطي.
وعلينا الملاحظة ان الحزبين الاميركيين الرئيسيين: الجمهوري والديمقراطي، ليسا منافسين جذريين، بل هما يكونان آلية متكاملة فيما بينهما، في المفاهيم والبنى والممارسات الايديولوجية والسياسية والاقتصادية والامنية والعسكرية. وهذه الآلية الحزبية المزدوجة تنوء بثقلها على صدر الشعب الاميركي، وتشكل سدا منيعا امام اي تغيير حقيقي في اميركا.
وبشكل ما يمكن القول ان ترامب جاء بقوة التيار الاميركي خارج آلية الحزبين التقليديين اكثر مما هو ممثل للحزب الجمهوري. ومن غير المستبعد ان يتم «استبعاده» عن الرئاسة الاميركية، بطريقة غير اعتيادية، ومنها ربما الاغتيال، وفتح الطريق لقيام نظام بوليسي شديد لسحق التيارات المعارضة، او فتح الطريق للحرب الاهلية «خصوصا الحرب بين الاتنيات» في اميركا.
ومن المعروف ان المرشحين للرئاسة الاميركيين يغدقون عادة الكثير من الوعود والتبجحات اثناء الحملة الانتخابية. ولكن الفائز بالرئاسة يضطر لاحقا لتطبيق اجندة آلية السلطة الاميركية المتواصلة اكثر مما يطبق اجندته هو. وكان خير مثال على ذلك باراك اوباما الذي كان قد وعد باغلاق سجن غوانتانامو، الذي هو عار على اميركا،  ولكنه لم يستطع طوال 8 سنوات من حكمه ان يغلق هذا السجن ـ الفضيحة، حتى بعد ان اضطر لاعادة العلاقات مع كوبا، في محاولة اميركية يائسة لعرقلة علاقات روسيا مع اميركا اللاتينية.
كم سينجح ترامب في تطبيق اجندته الخاصة في السياسة الاميركية، وليس اجندة آلية نظام الحكم التي تشمل الحزبين المتكاملين؟...
هذا ما ستكون عليه «عقدة» المشهد السياسي الاميركي في المرحلة القادمة.
«المفتاح» الروسي
وربما لا نخطئ اذا قلنا ان طبيعة العلاقات الاميركية ـ الروسية وموقف الادارة الاميركية «الترامبية» الجديدة من روسيا ستكون «مفتاح» تلك «العقدة».
وللتعرف الى الخطوط العريضة لـ «الشخصية السياسية» لترامب واحتمالات التطورات اللاحقة ولا سيما في اي اتجاه ستسير العلاقات الروسية ـ الاميركية نستعرض فيما يلي بعض اهم ما جاء على لسان ترامب خلال حملته الانتخابية:
يقول:
- «اعتقد انه ستكون لي علاقات جيدة جدا مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ومع روسيا. انها تتطلع للقضاء على داعش ليس اقل منا، وهذا شيء جيد. أليس من السليم ان نعمل سوية مع روسيا لأجل الانتصار على داعش؟ ينبغي لنا ان نركز على داعش، وليس على سوريا (يقصد النظام السوري)».
- «انني متأكد انه ينبغي تخفيض التوتر وتحسين العلاقات مع روسيا، انطلاقا من موقع قوة. ان هذا ممكن تماما».
- «ان الرئيس الروسي لا يحترم لا هيلاري كلينتون ولا باراك اوباما. لقد فاز بوتين على كلينتون واوباما مرة بعد اخرى، من سوريا الى الصواريخ».
- «لقد وصفني فلاديمير بوتين بأنني «شخص لامع وموهوب». انه لشرف كبير لي ان اتلقى مثل هذا المديح من شخص رفيع الاحترام في بلاده وخارجها. ان بوتين هو زعيم حقيقي. بالطبع يمكنكم القول انه لامر رهيب انه يسيطر على بلاده بشدة. ولكن ذلك هو نظام آخر. وليس بالضرورة ان يعجبني هذا النظام. ولكن في هذا النظام هو زعيم، اكثر مما هو رئيسنا زعيم في نظامنا».
- ودعا ترامب الى تأسيس السياسة الخارجية الاميركية حول مصالحها القومية.
- ورفض اضطلاع اميركا بدور «الشرطي العالمي». وانتقد بشدة سياسة التدخل العسكري الاميركي في الخارج، بما في ذلك الحرب في العراق، وكذلك دعم المعارضة في سوريا. «نحن ليست لدينا معرفة من هم في الواقع هؤلاء المتمردون. وفي كل مرة ندعم فيها مثل هؤلاء الفتيان، ينقلب ذلك الى كارثة».
- ووعد ترامب بالقضاء التام على داعش. ولكنه لم يعلن اية تفاصيل عن خطته «لكي تبقى مفاجأة».
- «ووجه الانتقادات الى حلف الناتو واليابان وكوريا الجنوبية والسعودية، قائلا انهم لا يدفعون ما يتوجب عليهم في الحقل العسكري، ووعد بأن يضع حدا لذلك. وقال انه حينما يغدو رئيسا سوف يدعو الى قمة لحلف الناتو للنظر في المسألة المالية وكذلك في مسألة التكيف مع مشكلة اللاجئين والارهاب».