(لطالما شكل الحلم العثماني للأتراك هاجسا ً أبديا ً, أخفوا تحته مطامعهم وندمهم وأسفهم على أيام ٍ خوال ٍ كانت لهم فيها الكلمة العليا وسلطنة دامت لحوالي 600 عام امتدت على مساحة كادت أن تشمل العالم القديم كله , عبر أحلام ومطامع خاضت لأجلها مختلف الحروب حتى العالمية منها , لكن التآمر الغربي وضع لها نقطة النهاية وحوّلها إلى رجل ٍ مريض و اقتسم تركته المسروقة أساسا ً, وحتى اللحظة لا زال "سلطانهم" الواهم السفاح البلطجي , يُطلق مفرداته " إرحل , لن أقف مكتوف الأيدي , قبرص لنا وحلب لنا , وستكون منطقة عازلة , العالم سيخضع لنا , سندخل منبج والباب , لا نقبل سنفعل سنضرب سنحارب ... سأسجن ضباطي وشعبي و أحرق بلادي و أوروبا والعالم ... أنا السلطان..." , و ستكون آخر المفردات العصملية , وستحل محلها مفردات ٌ سورية "عريقة – متجددة " سنحرر اللواء السليب شاء من شاء ..عاجلا ً أم اّجلا ً").
فبعد مرور قرابة الستة أعوام للحرب على سوريا , وسقوط كافة الأقنعة و إنكشاف الحقائق والأهداف والمصالح للدول العدوان, لا زال الموقف التركي مستمرا ً في عدوانه على سوريا.
وفي الذكرى السابعة والسبعين لإستلاب وإغتصاب وسلخ لواء الإسكندرون عن وطنه الأم سوريا , لا يزال
إنخراط تركيا قائما ً في الحرب كلاعب ٍ أساسي, بعد قبولها تحويل أراضيها لمراكز استقطاب وتجميع و تدريب و تسليح الإرهابيين و تسهيل دخولهم إلى سوريا , وبمشاركتها الفعلية بجيشها وطائراتها و دباباتها وجنودها في غزو الأراضي السورية والعراقية , وبحماية الإرهابيين واستمرار حماقاتها و إستعدائها - أكثر فأكثر- كافة دول الجوار, وتحمّلها وزر لجوء مئات الآلاف من اللاجئين السوريين إلى أراضيها.. على الرغم من معرفتها أن سياساتها الداخلية و الخارجية تضعها في قلب العاصفة, وتزيد قناعة الغرب لإعتبارها دولة ً غير مرغوب ٍ فيها, بفضل تاريخها الدموي و سياساتها العدائية التي حوّلت علاقاتها بكل دول الجوار إلى صفر علاقة , والتي وصلت إلى ما دون الصفر نتيجة سلوكها في الحرب على سوريا ..
إذ تتحمل الدولة التركية المسؤولية المباشرة عن تفجير موجات اللجوء إلى أوروبا , وعودة بعض الإرهابيين إلى بلادهم , والذين لم يتوانوا عن تنفيذ إرهابهم و إجرامهم.. مما يجعل أحلامها وحظوظها بالإنضمام إلى الإتحاد الأوروبي تلامس المستحيل .. خصوصا ً مع مطالبة برلمانيو أوروبا إتحادهم بتعليق مسألة إنضمام تركيا إليه.. لكن أردوغان الذي يتخبط بين أعدائه وردود أفعاله بعيدا ً عن الحكمة والتعقل ومراعاة مصالح الشعب التركي يدعي إمتلاكه البدائل عن الإتحاد الأوروبي , ويطلق اليوم المزيد من أحلامه و تهديداته العثمانية :" أراضي قبرص الشمالية هي أراض ٍ تركية" .
وحدها الأطماع و جنون العظمة والحماقات والتي وصلت حد الإنتحار السياسي دفعت "الطيب" أردوغان للرهان على دور ٍ أطلسي من خلال المشروع الصهيو – أمريكي – الإسلاموي التكفيري الإرهابي,على أمل إقتناص فرصته فيما يعتبره "حقا ً " شرعيا ً و "موروثا ً" تاريخيا ً" في محاصصة الكبار في النفوذ العالمي الجديد , بما يحقق مطامع و أحلام سلطنته السلجوقية في الأراضي السورية, والعراقية والقبرصية, ويدعي أوهاما ً تدفعه لتقديم"أقصى التضحيات" للدفاع عن أرضه و شعبه – بحسب داود أوغلو-؟.
فنظام أردوغان يستعمل تعبير" الشعب " وفق نموذجين , أولهما الشعب التركي كنموذج ٍ لا يخشاه , ولا يتوان عن قمعه وحكمه بالقوة والهيمنة,والثاني فيتمثل في كل من وقع تحت سيطرته وهيمنته , لكنه يخشاه و يحسب له ألف حساب , و يدعي حمايته , ممن يمثلون ما يسمى بالأقليات وخصوصا ً الكرد و التركمان و الأرمن والعلويين و المسيحيين , اللذين احتل أراضيهم وشتت شملهم و نكل بهم وينظر إليهم كجزءا ً من غنائم الأراضي المسلوبة , إذ يعلم أن في تحركهم و بأعداهم الكبيرة يشكلون خطرا ً كبيرا ًعلى الدولة التركية , التي مارست بحقهم تاريخيا ً أبشع الجرائم.
فقد كان سلخ لواء الإسكندرون وسورييه عن وطنهم الأم جريمة ً في وضح النهار , عبر إتفاقية ٍ أبرمتها الدولة التركية مع الإستعمار الفرنسي و البريطاني عبر إتفاقية سايكس و بيكو في عام 1916 و إتفاقية أنقرة عام 1921, والتي أفضت إلى ضم لواء الإسكندرون إلى تركيا في 29 11 1939.
إذ قامت فرنسا بالإنسحاب منه في 15 7 1938 و السماح لتركيا بقضمه و إحتلاله , مقابل أن تضمن دخول تركيا الحرب العالمية الثانية إلى جانب الحلفاء من جهة , ولمعاقبة السوريين على مقاومتهم للإحتلال الفرنسي من جهة ٍ أخرى,بعد صدور قرار عصبة الأمم بفصل اللواء عن سورية و دون موافقة الدولة والشعب السوري.
ويُعتبر لواء الإسكندرون المنفذ البحري لمدينة حلب , ويضم مدنا ً عديدة كإسكندرونة و أوردو و الريحانية و انطاكية التي تعتبر مركز ومقر الكرسي البطريركي العام للكنيسة السورية – الأورثوذوكسية حول العالم .
بالإضافة لما تتميز به الطبيعة الجغرافية الجبلية والتي تضم جبال الأمانوس وجبل الأقرع وجبل موسى و جبل النفاخ , و بأنهارها كالعاصي والأسود و عفرين , ناهيك عن خصوبة التربة , و تطور مختلف أنواع الزراعات والثروة الحيوانية , بالإضافة إلى ما استجد إكتشافه من مخزون هائل للغاز والنفط على طول الشريط الساحلي السوري ..
إن الحلم العثماني – الأردوغاني, جعله يستشرس في دعم الإرهابيين وحمايتهم والقتال عنهم , بهدف قضم مدينة حلب و مساحات ٍ سورية كبيرة من أريافها الشمالية والشمالية الغربية, واعتبارها مناطق نفوذ ٍ تركي يمتد من جرابلس إلى البحر المتوسط , وتحويله منطقة ً اّمنة أو عازلة , وقاده جنونه إلى رفع الصوت و مطالبة الغرب بالعودة إلى ما قبل 1914 و ليس إلى اتفاقية لوزان 1923 , إذ يعتبر قسما ً كبيرا ً من الأراضي السورية بما فيها حلب أملاكا ً عثمانية.
ولم تكن الهدية الألمانية- الفرنسية بمنح الأتراك لواء الإسكندرون السوري بعد سلبه وسلخه كافية ً لإرضائهم , فبقيت أطماع السلطنة في عقولهم ولم تغب عنهم لحظة ًواحدة , وظلوا يتطلعون لإستعادة ما استلبوه في الماضي , ويسعون للتوسع العدواني عبر خطوط حدودهم كافة بذريعة "خط الأمن القومي التركي". وعلى هذا الأساس قادت الحكومات التركية المتعاقبة سياساتها وأحلامها وعدائها لكل الدول المجاورة والمحيطة.. وتابع أردوغان أحلام أسلافه في سوريا كسلطان عثماني واهم , متكئا ًعلى خطوات ٍخادعة يعتقدها دستورية ً تبيح له دخول الأراضي السورية وفقا ً ل "إتفاقية" أضنة لعام 1998 ( الإتفاق الأمني غير المكتمل بين الدولتين السورية و التركية)..ودفع بجنوده نحو الأراضي السورية كغزاة و محتلين , تحت ذريعة محاربة داعش , وتأمين حماية حدوده مع سورية , ومنع إقامة دولة أو دويلة كردية في الأراضي السورية , فكانت مسرحية هزلية , ولعبة ً قذرة مكشوفة شارك فيها الجيش التركي و"قسد" و"داعش" وبعض التنظيمات الإرهابية التابعة لتركيا مباشرة ً ما تبقى من "الجيش الحر" والكل تحت القيادة الأمريكية.. لقد بدا واضحا ً إنزياح و تدحرج الأهداف الأمريكية نحو تقسيم سورية بعد فشلها في السيطرة على حلب وإلحاق الهزيمة بدمشق عاصمة الدولة السورية العتيدة.
إن إعتماد أردوغان على عملائه و أتباعه من الخونة السوريين فيما يسمى" الإئتلاف الوطني" , هي فضيحة و إثبات جديد على عمالتهم و نسفا ً جذريا ً لإدعائهم "المعارضة"و"الثورة" , بعدما رأت بأم عينها كل ما حدث في مخيمات اللاجئين في تركيا و فظاعة ما تعرض له السوريون من عنف ٍ إغتصاب و تجارة أعضاء و مكاتب دعارة , الأمر الذي دفعهم إلى البحر ليغرقوا فيه , و رأوا وعاينوا طريقة ونمط تعامل تركيا مع السوريين واستغلالها ملف اللاجئين ضد الدولة السورية ، لكنهم صمتوا و حصلوا على حصصهم من المال التركي القذر و كانوا شركاء حقيقيين للإجرام و الإرهاب الأردوغاني بحق الوطن والمواطنين.. إذ اعتقدوا أنهم قادرين على منحه صكوك استباحة الأراضي السورية و تقديم طلباتِ حماية ٍ كشكل ٍ جديد لإتفاقية سايكس- بيكو والإستعاضة عن التوقيع الأوروبي بتوقيع ٍ سوري .
فلا زال المدعو رئيس "الإئتلاف" الإرهابي أنس العبدة يتحدث عن "بروتوكول" أضنة : الذي "يهيئ الأرضية اللازمة لأنقرة، لإقامة منطقة آمنة في سوريا", معبرا ً عن إبداعه الثقافي والسياسي و"الوحي" الذي نزل عليه في"بيلاجيك" التركية أرض سيده المجرم أردوغان.. و يؤكد أن المنطقة الآمنة ستؤمن لأنقرة أمن حدودها، وتسمح للسوريين بالعودة إلى بلادهم " بأمانٍ".. وستخفف الأعباء عن أنقرة" , واعدا ً ومعاهدا ً دولة الإحتلال التركي بقبض ثمن استمرار عدوانها على سورية خلال مرحلة إعادة الإعمار.
وفي وقت ٍ لا تمانع فيه واشنطن بعض الخطوات التركية التي تضمن عدم إلتقاء الجيشين السوري و العراقي عند حدود البلدين , لضمان استمرار الحرب خلال الفترة الإنتقالية لرحيل إدارة أوباما و تنصيب ترامب رسميا ً سيدا ً على البيت الأبيض, فيما يجد الروس أنفسهم أمام مراهنة صعبة مع المخادع أردوغان , وأن استدارته قُوبلت سوريا ً بتصريح الوزير المعلم :" نريد أفعال ولا نريد أقوال ".. في وقت ٍ أكدت أفعال الدولة السورية حزما ً و إقداما ً كبيرا ً و تحديا ً لكافة القوى الظلامية , خصوصا ً بعد قصفها رتلا ً تركيا ً معاديا ً, بالإضافة لدخول الجيش معظم الأحياء الشرقية لحلب و الإنهيار الكبير للإرهاب أمام ضربات الجيش , وسط إنهيار بدعة إدارة التوحش بشهادة من ضُللوا بها ووقعوا فريستها , وأصبح حلم حلب مدينة ًخالية ً من الإرهاب واقعا ً وحقيقة ً تتحقق اليوم بالساعات والدقائق والثواني , وأن التحرير السريع للمناطق والقضاء على التجمعات الإرهابية بات أشبه بسقوط أحجار الدومينو وسط فرحة السوريين و دموعهم التي ستمسح كل ألم ٍ عاشوه خلال السنوات الماضية, وسيكون تحرير كامل أحياء حلب مقدمة ً لنهاية معارك المدن وبداية تكريس إنتصار سوريا النهائي والكبير.. وقد يكون من السهل على السوريين متابعة تطهير الأرياف الشمالية , من حيث طبيعة المعركة جغرافيا ً وكثافة التواجد السكاني هناك , الأمر الذي سيُحرر القوات السورية من ضغط القتال و حماية المدنيين في وقت ٍ واحد.
و يبقى التعنت التركي, وحديثه عن دخول مدينة الباب سيدفع إلى المواجهة السورية - التركية المباشرة , والتي لن تكون في صالحه , وعليه توقع المفاجئات , وأن لا ينسى وعد الرئيس بشار الأسد أننا " سنحرر كل شبر ٍ" بما يشمل الجولان المحتل واللواء السليب , وستكون الباب مقبرة هذا السفاح , ومعركتها ستكون اّخر معارك السلطنة العثمانية , والتي ستتبخر معها أحلام أردوغان .. وهذا وعد السوريين.
وفي الذكرى السنوية السابعة والسبعين لضم اللواء السليب اليوم , ومع انتهاء مفاعيل الإتفاقية المشؤومة في أيار 2016 سيجد أردوغان نفسه أمام خيارات صعبة , فالشعب السوري في اللواء لا يزال على الرغم من محاولات التتريك و القمع و التهجير يتحدثون اللغة العربية و يعتزون إنتمائهم للوطن الأم , وأن شراءه ذمم القلة منهم و تجنيدهم لخدمة أطماعه و مشروعه لن تغير في مواقف السواد الأعظم للشعب السوري هناك سواء كانوا كردا ً أم تركمان أو....الخ و أن بقاء الدولة السورية نسف كل ما فعله و حارب و دعم الإرهاب لأجله.. و أن ملايين السوريين لن تتخلى عن تحرير كل شبر ٍ من أراضيها .
نعتقد أن المفاجئات السورية ستجعل من أردوغان أول المنسحبين عن الخارطة السورية مهزوما ً وحسبه حلم ٌ يحتفظ به في رأسه وفي أدراج النسيان , خاصة ً بعد وعد الرئيس بشار الأسد أن حلب ستكون "المقبرة التى ستدفن فيها آمال وأحلام السفاح" التركي .. وستبقى مفردات "السلطان" الواهم الغبي السفاح آخر المفردات العصملية , و ستحل مكانها مفردات ٌ سوريا عريقة – متجددة " سنحرر اللواء السليب شاء من شاء .. عاجلا ً أم اّجلا ً ".