كتب سامي كليب
«النقمة» و«الأمل» هما السببان الأولان اللذان أديا الى نجاح الثورة الإسلامية في ايران عام 1979، والى انتخاب فلاديمير بوتين رئيسا لروسيا عام 2000، وانتخاب دونالد ترامب قبل أيام رئيسا لأميركا. ضاقت الشعوب ذرعا بما هو قائم فحصل التغيير. لكن في الحالات الثلاث تبقى إسرائيل هي عقدة التقارب الدولي وأحد أبرز النزاعات والحروب. فهل يخضع لها سيد البيت الأبيض الجديد، ام يفضل مصلحة بلاده عليها ويتعاون مع الروس في سوريا وفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وغيرهما؟ ولو فضّل المصالح هل يبقى على قيد الحياة؟
دعونا نراقب ما يحصل، ونتوقف عند بعض المعلومات المعروفة او المستورة.
ماذا عن ترامب وإسرائيل أولا
كان 72 من اللوبي اليهودي ضده، وفق ما كشفت صحيفة «هآرتس» في منتصف آب الماضي. جميع استطلاعات الرأي قالت الشيء نفسه بما في ذلك مركز «غالوب» الشهير. عزز هذا الغضب اليهودي كون ترامب قد رفض أي تمويل يهودي لحملته، وقال انه سيكون محايدا في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وان على إسرائيل وغيرها ان يدفعوا ثمن حماية اميركا لهم بدل ان تدفع لهم. وامتنع عن الحديث عن القدس كعاصمة إسرائيل...
فجأة تغير المشهد. أدرك خطورة مناهضة اللوبي. انصاع للذهاب الى امام «ايباك»، أي الى مقر اللوبي اليهودي الصهيوني الاميركي والمَعبَر الالزامي لكل رئيس أميركي. سبقته تظاهرات يهودية مناهضة له. انسحب من القاعة مجموعة من الحضور. لكن الجميع فوجئ بان الرجل جاء يقول كلاما عن إسرائيل يفوق ما قاله أي رئيس أميركي قبله. قال إنه الصديق الأكثر اخلاصا وإنه سينقل السفارة الاميركية الى القدس «العاصمة الأبدية لإسرائيل»، وإنه سيمزق الاتفاق الايراني وأنه سيجبر الفلسطينيين على تقديم التنازلات. ثم ختم الخطاب بأن ابنته متزوجة من يهودي وان حفيده سيكون يهوديا.
ان كل تطمينات ترامب لإسرائيل والتي دفعت قادتها الى حد توزيع الحلوى لانتهاء حلم الدولتين والشروع بتوسيع سرطان المستوطنات، لم تُلغِ، في الواقع، الحذر الإسرائيلي الشديد. قال بعض المحللين إن الرجل غير منضبط. قد ينقلب على كل شيء. قد يوقف المليارات الأربعة السنوية. عبَّر عن الهواجس علانية النائب عن المعسكر الصهيوني ايال بن رؤوفين حين قال: «ان تصريحات ترامب كاذبة وهو لجأ الى الكذب على ناخبيه لكسب أصواتهم».
الأصول الألمانية لعائلة ترامب تقلق اسرائيل. ذهب المشككون الى التذكير بان ستيف بانون، رجل الإعلام والمال والسينما والانترنت، ومدير حملته الانتخابية كان قد قال لطليقته ماري لويز بيكار انه لا يريد ان تدرس بناته في مدارس اليهود لان تعاليمهم لا تناسبه، وأطلق تصريحات معادية للسامية. سارع ترامب لتهدئة المخاوف عبر حديث الى صحيفة «إسرائيل هيوم» قال فيه: «ان صداقتي مع إسرائيل هي الأقوى بين كل المرشحين. وان الاتفاق النووي مع ايران هو أسوأ شيء حصلت عليه إسرائيل»، قال ترامب هذا الكلام في شباط/ فبراير الماضي. أي في أوج مناهضة اللوبي اليهودي لحملته.
ماذا عن روسيا وإسرائيل ثانيا؟
تزامن، وعلى نحو لافت للنظر، فوز دونالد ترامب بالرئاسة الأميركية مع زيارة رئيس الوزراء الروسي ديمتري ميدفيديف الى إسرائيل والى ما بقي من الأراضي الفلسطينية. تعمّد بنيامين نتنياهو ان يسلط الهجوم بحضور الضيف الروسي على ايران وربطه بسوريا. قال: «اننا مصرون على منع حيازة ايران سلاحا نوويا، ومنعها من الاستقرار عسكريا في سوريا، سواء تم التوصل الى تسوية أم لا، إضافة الى منعها من تعزيز الميليشيات الشيعية التي تقوم بتنظيمها على الأراضي السورية، وبالطبع أيضاً، منعها من تسليح «حزب الله» بأسلحة خطيرة توجه ضدنا» . وهنا تحدث نتنياهو عن ضرورة التعاون الأمني مع روسيا.
من الناحية النظرية، فان علاقة بوتين بإسرائيل اقوى حاليا من علاقة ترامب بها. هي تثق بالاول ومتوجسة من الثاني. لكن الثقة لا تلغي قلق الحكومة الاسرائيلية من الاسلحة الروسية المتطورة التي تصل الى سوريا وسواحلها والى مصر خصوصا صواريخ اس 300.
لا شك ان ميدفيديف أراد تطمين إسرائيل على ما بعد معركة حلب وقبيل المعركة الكبرى، ولكن المعلومات تؤكد انه بدأ بوضع أسس وساطة روسية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي. فهل اطمأنت؟ وما هو الثمن؟
ماذا ثالثا عن الطموح الروسي بين إسرائيل وايران؟
لم يصدر حتى اليوم عن المركز الاول للقرار في إيران، أي مرشد الثورة السيد علي خامنئي، أي مؤشر عن احتمال القبول بوجود إسرائيل، فكيف اذاً بالتقارب معها او بتحييدها عن الصراع؟ هذا شيء يقارب المستحيل في الفكر والنهج والعقيدة والاستراتيجية الخامنئية. لا تزال إسرائيل بالنسبة للقيادة الايرانية ولـ «حزب الله» سرطانا يجب ازالته. لا بل ان هذا الموقف ساعد إيران كثيرا في حضورها على الساحة العربية. ها هم مثلا «أنصار الله» الحوثيون في اليمن يتبنون شعاراتها، وفي العراق ثمة سعي لتحويل «الحشد الشعبي» الى ما يشبه الحرس الثوري، وفي لبنان «حزب الله» سيد القرار. ليس من مصلحتها، إضافة الى عقيدتها، التخلي عن مواجهة إسرائيل.
مع ذلك فمن المنطقي طرح السؤال التالي: «ألم تكن أميركا شيطانا أكبر»؟ حصل تفاوض وتقارب غير الكثير من المشهد العالمي. بعض التقارب ساهم في انتخاب العماد ميشال عون رئيسا للبنان. يُحكى عن اجتماعات عقدت بين الطرفين. الى هذا التقارب لَمَحَّ رئيس «اللقاء الديموقراطي» وليد جنبلاط حين قال ان انتخاب عون ليس صناعة لبنانية وانه: «فجأة حصل تلاقي مصالح دولي وإقليمي واسع».
لا أحد طبعا يتخيل اليوم تفاوضا إيرانيا إسرائيليا. لكن ماذا يمنع ان يمنح الايرانيون لحلفائهم الحاليين الروس شيئا من المرونة لجهة تبريد جبهات الاشتباك مع إسرائيل؟ ألا يمكن تعميم الهدنة غير المعلنة التي قامت بين إسرائيل و «حزب الله»، على الحدود العربية الإسرائيلية الممتدة من سيناء الى الجولان فالجنوب؟ وهل أفضل من بوتين للعب دور وساطة كهذه وهو المرتبط بعلاقات قوية مع الرئيسين عبد الفتاح السياسي وبشار الأسد والقيادة الايرانية وإسرائيل؟ وماذا سيضير ترامب لو نجحت موسكو في الأمر؟ الا يوفر عليه انزلاقا لمواجهة دولية مع إيران واشتعالا لجبهات يريد اخمادها وتسهيلا لمحاربة الإرهاب؟
ليست إيران في موقع ضعف حاليا. كان رئيس هيئة اركانها اللواء محمد حسين باقري واضحا بتحذيره ترامب. قال انه: «تلفظ بكلمات تفوق قدراته الذهنية وقدرات بلاده العسكرية وان عليه عدم اختبار قدرات إيران، خصوصا في المياه الخليجية ومضيق هرمز، لأنه قد يندم». لكن إيران كما روسيا وأميركا بحاجة الى تخفيف أعباء الحروب والاستنزاف. لا بد من حل عقدة إسرائيل. ثمة لوبي يهودي صهيوني لا يريد القبول بواقع إيران الجديد، خصوصا إذا ما انتهت الحرب السورية بما لا يخدم مصالح إسرائيل. هذا اللوبي سوف يضغط بقوة على ترامب وقد يستخدم كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة، وسيحاول تعطيل المسار الروسي في المنطقة، وسيكثف ضغوطه على دول خليجية وفي مقدمها السعودية لفتح علاقات مع إسرائيل. وهو يدفع باتجاه انتاج قيادة فلسطينية جديدة بالتعاون مع دول عربية (ربما لذلك ذهب محمود عباس لملاقاة قادة حماس في قطر والتهديد بكشف هوية قاتل الرئيس ياسر عرفات محاولا قطع الطريق على وصول محمد دحلان الى الرئاسة).. وثمة من يذهب في خياله الى حد التفكير بتحالف أميركي إسرائيلي مصري اردني سعودي تركي ضد ايران (وفق ما قال عاموس يديلين رئيس مركز ابحاث الامن القومي في إسرائيل).
أمام هذا الواقع هناك احتمالان: اما ان يخضع ترامب للوبي ويعود الى منطق المواجهة مع إيران فتشتعل المنطقة اكثر مما هي مشتعلة، وقد يصل الأمر الى تجدد الحرب بين «حزب الله» وإسرائيل، أو يسعى مع الروس الى تشجيع الأطراف جميعا على التهدئة والتفكير بمخارج عقلانية... لننتظر ولنر، ففي مراكز القرار الأميركي من لا يريد أصلا أن يسمع بتعاون مع روسيا لأنها أيضا عدو.
المصدر: "السفير" اللبنانية