2024-11-27 02:28 م

رواية إسرائيلية جديدة: أشرف مروان خدعنا

2016-11-05
زهير أندراوس
حيفا المحتلة | بعد مرور أكثر من تسعة أعوام على وفاة المصري أشرف مروان في لندن، في ظل ظروفٍ غامضةٍ لم يُكشف عنها حتى اليوم، ورغم مرور 43 عاماً على «حرب أكتوبر» 1973، التي فوجئت بها إسرائيل، لا يزال النقاش داخل المؤسسة الأمنيّة في تل أبيب حامي الوطيس حول مروان: هل كان من أهّم عملاء إسرائيل منذ تأسيسها، أمْ أنّه كان عميلاً مُزدوجاً شارك بتوجيهاتٍ من القيادة المصريّة في عملية الخداع قبيل اندلاع الحرب؟

في هذه الأيّام، أصدر الجنرال الإسرائيلي في الاحتياط، شلومو غازيت، وهو رئيس شعبة الاستخبارات العسكريّة (أمان) الأسبق (جرى تعيينه بعد الحرب لإعادة هيكلة «أمان»)، كتاباً باللغة العبريّة تحت عنوان «في المفارق الحاسمة»، تطرّق فيه بإسهاب إلى قضية مروان وحيثياتها. كما أنّ رئيس «الموساد» (الاستخبارات الخارجيّة) الأسبق شفطاي شافيط، أصدر هو الآخر كتاباً عن «حرب أكتوبر» تناول فيه قضية مروان، وهل كان عميلاً مُزدوجاً أمْ أنّه عمل بتفانٍ لمصلحة «الموساد»، وخاصة أن شافيط يؤكّد أنّ الإنذار بأنّ الحرب ستندلع في 1973 وصل إلى الاستخبارات الإسرائيليّة من عدّة مصادر، لا من مروان وحده، الذي كان يُلقّب بـ«الملاك».
أمّا رئيس الاستخبارات العسكريّة في تلك المرحلة، الجنرال في الاحتياط إيلي زعيرا، الذي عاد وأكّد أنّ مروان كان عميلاً مُزدوجاً، طرح عدّة تساؤلات في الماضي غير البعيد: لماذا أبلغ «الملاك» إسرائيل عن اندلاع الحرب قبل يومٍ واحدٍ من الساعة الصفر، رغم أنّه كان على علمٍ قبل ذلك بوقت أوسع؟ وزاد: لو زودّ الاستخبارات الإسرائيليّة في الوقت الصحيح، لكان الجيش الإسرائيليّ قد استعدّ للحرب، بما في ذلك تجنيد جنود وضباط الاحتياط. وتساءل زعيرا أيضاً: لماذا أبلغنا عن الساعة المُحددة لاندلاع الحرب بوقت غير صحيح؟ وكيف ولماذا بقي مروان شخصية محترمة جداً في مصر حتى بعد انكشاف أمره وأنّه كان جاسوساً لـ«الموساد»؟
وفق الخبير في الشؤون الأمنيّة رونين بيرغمان، فإنّ العديد من رجال «الموساد» ساورهم الشك في أنّ مروان كان عميلاً مُزدوجاً، وفي مُقدّمتهم قائد قسم عمليات «الموساد» في أوروبا في ذلك الوقت، رافي إيتان، الذي صار في ما بعد وزيراً في إسرائيل. وإيتان هو الذي جنّد الأميركيّ ــ اليهوديّ، جوناثان بولارد، للتجسس على بلاده وتزويد تل أبيب بالمعلومات الحساسّة.
بالإضافة إلى ذلك، يقول الجنرال غازيت في كتابه الجديد، إنّ مروان كان «ملاك التخريب»... «الموساد حولّ القيادة السياسيّة في إسرائيل، بما في ذلك رئيسة الوزراء غولدا مائير ووزير الأمن موشيه دايّان والقائد العّام لهيئة أركان الجيش الإسرائيليّ، حولّها إلى مدمنةٍ على قراءة التقارير التي كانت تصله من مروان، فقد كانوا يطّلعون عليها دائماً، ويُعجبون بها جداً، كما أنّهم كانوا على علمٍ باسم الملاك ووظيفته في القيادة المصريّة، الأمر الذي أوجد لديهم نوعاً من الحاجز النفسيّ».
كذلك، فإنّ القيادة السياسيّة، كما كشف غازيت، كانت تقرأ التقارير التي كان يُوصلها «الموساد» إليها، بما في ذلك الأحاديث التي كان يُجريها مُشّغل مروان (رئيس «الموساد» الأسبق تسفي زمير)، ويُضيف: «بسبب الحاجز النفسيّ الذي خلقته تقارير مروان، فإنّ القيادة السياسيّة أهملت التقارير التي كانت تعكف على إعدادها الاستخبارات العسكريّة، وأدمنت على تقارير مروان، حتى وصل بها الأمر إلى أنّها لا تُصدّق أيّ شيء إذا لم يكن مصدره مروان».
يُتابع غازيت: «لا يهّم بالمرّة ما إذا كان مروان عميلاً مُزدوجاً، وإذا كان جزءا مهماً في خطّة الخداع المصريّة، أوْ أنّهم قاموا، أيْ المصريين، بتوجيهه المهم»، مشددا على أنّ جميع الأجهزة الأمنيّة في إسرائيل وقعت في الفّخ الذي نصبه مروان، وبسببه «فوجئت دولة إسرائيل في السادس من تشرين الأوّل (أكتوبر) 1973».
«بكلماتٍ أخرى»، يكمل غازيت، «لولا إدمان القيادة السياسيّة في إسرائيل على تقارير مروان، من المُحتمل أنّ إسرائيل كانت ستستدعي جيش الاحتياط مباشرةً بعد طرد الرئيس أنور السادات المستشارين السوفيات... هذا الاستدعاء كان بإمكانه منع نشوب الحرب، أوْ على الأقّل دخول إسرائيل إليها وهي على استعدادٍ تامٍّ لمُواجهة الجيشين المصري والسوريّ».
الجديرُ بالذكر أنّ إسرائيل أقامت لجنة تحقيق رسميّة وسريّة في هذه القضيّة، ولكن بعد فحص الموضوع والتحقيق مع من كانوا على علاقة بـ«الملاك» المصريّ، لم تتوصّل إلى نتيجةٍ بشأن هل هو عميل لإسرائيل فقط، أمْ أنّه كان جزءا من عملية الخداع المصريّة؟ يبدو أن مروان مات، ولكنّ لغزه لا يزال حياً.