2024-11-30 12:38 م

هل انتهى "شهر العسل" بين القاهرة والرياض؟!

2016-10-21
منذ بيان 3 يوليو، و الإطاحة بالدكتور محمد مرسي من سدة الحكم في مصر، كانت المملكة العربية السعودية أكبر داعم لمصر، سياسيًا وماليًا، ووصلت هذه العلاقات إلى مراحل غير مسبوقة بين الحليفين؛ ولكن لعبت المواقف السياسية دورًا كبيرًا في توتر تلك العلاقات بين الجانبين؛ خاصة في أعقاب توقف شركة «أرامكو» السعودية عن توريد البترول لمصر لشهر أكتوبر الجاري.


ويرى فريق من الخبراء، أن توقف توريد البترول السعودي لمصر، دليل على انتهاء شهر العسل بين القاهرة والرياض، في حين يرى فريق أخر أن هذا التوقف مجرد «سحابة صيف» سوف تنتهي.


لكن هناك فريق ثالث من الخبراء والمتابعين للشأن العربي يشير إلى أن هناك أسبابًا أخرى أكثر أهمية ربما تنهي شهر العسل بالفعل بين الدولتين، منها:


أولا: تصويت مصر في مجلس الأمن لصالح مشروع القرار الروسي الخاص بالحرب في مدينة حلب السورية، والذي كان سيزيد من معاناة الشعب السوري لو تمت الموافقة عليه، هذا التصويت المصري أثار حفيظة كبار المسئولين في المملكة العربية السعودية، وصلت إلى حد الانتقاد العلني للموقف المصري، حيث قال المندوب السعودي في مجلس الأمن، عبد الله المعلمي: «من المؤلم أن يكون الموقف السنغالي والماليزي، أقرب إلى الموقف العربي من المندوب المصري».


وانتقد سلمان الأنصاري، رئيس اللوبي السعودي في أمريكا أو ما يُعرف باسم «سابراك»، الموقف المصري، في تغريدة له على تويتر، قال فيها: «عذرًا يا جمهورية مصر العربية، ولكن تصويتك لصالح مشروع قرار روسيا في مجلس الأمن يجعلني أشكك في أمومتك للعرب وللدنيا».


واعتبر كثير من الخبراء السعوديين أن التصويت المصري لصالح القرار الروسي يمثل خروجًا من القاهرة عن الإجماع العربي، بل إن بعضهم ذهب بعيدًا واتهم النظام المصري بالغدر، والتنكر لجميل المملكة العربية السعودية التي وقفت إلى جانب مصر بعد الإطاحة بحكم جماعة الإخوان المسلمين.


ثانيا: الموقف من النظام السوري: فهناك تباين كبير بين موقف الدولتين في الملف السوري، فموقف النظام في مصر يتماهى تماما مع الموقف الروسي الإيراني السوري، الذي يتمسك ببقاء الأسد في السلطة من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة السورية، وهذا عكس الموقف السعودي الذي يتناسب مع الموقف الأمريكي والأوروبي والخليجي والتركي في ضرورة التخلص من بشار الأسد، ورحيله عن السلطة، بل ومحاكمته، لذا اتهم البعض مصر بالوقوف ضد الشعب السوري، ومساندة بشار الأسد الذي قتل أكثر من نصف مليون سوري وشرد الملايين ودمر البنية التحتية للدولة السورية وحول الجيش السوري إلى مليشيات.


ثالثًا: الموقف من العراق.. حيث تقف مصر إلى جانب حكومة العبادي المدعوم من إيران وحزب الله، وهذا يتناقض مع الموقف السعودية والخليجي الذي يتهم حكومة «العبادي» باستهداف السنة.


رابعًا: الموقف من اليمن: رغم أن موقف القاهرة المعلن يؤكد دائما وقوف مصر بجانب المملكة العربية السعودية في حربها ضد الحوثيين وصالح، ورغم أن مصر تتحدث عن وقوفها بجانب الشرعية في اليمن المتمثلة في الرئيس هادي، إلا أن زيارة وفد من الحوثيين وصالح للقاهرة منذ فترة أثار حفيظة المملكة ودول الخليج، واعتبره البعض دليلًا على عدم وفاء الرئيس عبد الفتاح السيسي بتعهداته السابقة الذي أكد فيها وقوفه إلى جانب المملكة العربية السعودية في حربها ضد الحوثيين وصالح.


خامسًا.. هناك خلاف بين البلدين في الملف الليبي، فمصر تصر على الوقوف إلى جانب خليفة حفتر، من أجل الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية، من خلال تكرار النموذج المصري في ليبيا، في حين تقف المملكة مع حكومة الوفاق الوطني التي تحظى بالشرعية الدولية، حسب اتفاق الصخيرات المغربية.


سادسا: قيام المملكة العربية السعودية منذ شهور قليلة بوقف استيراد بعض الفواكه والخضروات من مصر بدعوى عدم ملاءمتها للاستخدام الآدمي.


سابعا: هناك تباين في وجهات النظر بين الدولتين حيال الكثير من القضايا، أدت إلى تجميد مشروع القوة العربية المشتركة.


ثامنا: الموقف من إيران: تحول الصراع بين إيران والسعودية في الفترة الأخيرة إلى صراع وجود، حيث تسعى الدولة الفارسية إلى بسط سيطرتها الكاملة على الدول العربية، وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية، كما تصر إيران على نشر المذهب الشيعي في كل الدول العربية، لذا ترى المملكة أن موقف مصر من إيران وما تمثله من تهديد لدول الخليج لا يتناسب مع مواقف مصر التاريخية من دول الخليج، رغم الموقف المصري المعلن، الذي يعتبر أن أمن الخليج خط أحمر، كما أن موقف مصر المتطابق مع الدولة الشيعية في الكثير من الملفات وعلى رأسها الملف السوري يثير حفيظة دول الخليج.


تاسعا: التقارب المصري الروسي: هذا التقارب يثير الكثير من الإزعاج لدول الخليج بسبب الموقف الروسي من القضايا العربية، وهو موقف مناصر لإيران والأسد وحزب الله والحوثيين، وبالتالي هذا التقارب المصري الروسي يثير الكثير من المخاوف لدى دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية.


عاشرًا: التقارب السعودي التركي، والذي تجسد في زيارة ولي العهد السعودي الأخيرة لأنقرة، وتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والعسكرية بين الدولتين، وهذا بالطبع يثير حفيظة الجانب المصري بسبب الموقف التركي من جماعة الاخوان المسلمين.


الغريب أن هذا التوتر في العلاقات المصرية السعودية يأتي في وقت تنتظر فيه مصر وديعة بقيمة 2 مليار دولار من المملكة العربية السعودية، من مبلغ 6 مليار دولار اشترط صندوق النقد الدولي من مصر تدبيرها قبل الحصول علي الدفعة الأولى من قرض الصندوق البالغ 12 مليار دولار علي 3 سنوات، فهل تمتنع المملكة عن تسليم القرض أو الوديعة لمصر أم ستستثمر في دعمها للقاهرة؟.


فهل كل هذه الأسباب كافية لانتهاء شهر العسل بين الرياض والقاهرة، أم أنه كما قال المفكر الفرنسي آلان جريش «العلاقة بين مصر والسعودية زواج دون حب، وليس هناك أي إمكانية للافتراق».


عن هذا الموضوع يقول الخبير الاقتصادي، ممدوح الولي، إن خطوة وقف شركة «أرامكو»، الحكومية السعودية لصفقة الغاز والبترول التي تقدر بـ 700 ألف طن منتجات بترولية مكررة شهريا، تأتي في إطار سوابق أخرى كحظر استيراد الفاكهة والخضروات من مصر، الشهر الماضي، وهي إجراءات للضغط على مصر للتراجع عن مواقفها السياسية التي لا ترضى عنها السعودية وآخرها التقارب مع روسيا، وموافقة مصر على القرار الروسي بشأن الأزمة في سوريا والذي لا تقبله السعودية.


وأضاف «الولي» أن مصر ستتأثر علاقتها مع السعودية على المستوى القصير حتى يتم الجلوس وتسوية تلك الأزمات التي تصاعدت، مشيرا إلى أن مصر بحاجة للسعودية على المستوى الاقتصادي، ولا يمكنها التخلي عنها خاصة وأنها تعتمد عليها بشكل رئيسي في تدبير موارد دولارية بقيمة 6 مليار دولار لتمكن مصر من الحصول على قرض النقد الدولي.


وأكد «الوالي»، أن العلاقات ستتوتر لفترة لن تطول مشيرا إلى أن مصر ستعتمد في تلك الفترة على الاستيراد من الكويت و الإمارت اللتان تمدان مصر باحتياجاتها البترولية، وكذلك يمكنها الاعتماد على النفط الليبي الذي بسطت قوات حفتر المتحالفة مع مصر نفوذها عليه، متوقعا أن تطرح وزارة البترول احتياجاتها وسيتم توفيرها، ولن تكون الخسائر كبيرة لأن العلاقات مع الإمارات والكويت لا تزال متينة.


وأوضح الخبير الاقتصادي أن مصر لن تلجأ لإيران لاستيراد مواد بترولية منها، لأن ذلك معناه دخول مرحلة في منتهى السوء في العلاقات المصرية السعودية لن تستطيع الدولتان تحمل عواقبها.

من جانبه قال السفير معصوم مرزوق، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن الخلافات بين مصر والسعودية تظهر للسطح بسبب اعتماد السياسة السعودية في العلاقات الدولية على مفهوم طاعتها وتنفيذ رغباتها، مشيرا إلى أن السعودية بعد المساعدات الاقتصادية التي قدمتها لمصر بشكل كبير عقب 30 يونيو، كان ترى أن باستطاعتها توجيه السياسة المصرية بما يوافق رغبتها، وخاصة في الملف السوري واليمني، الذي تتخذ فيه مصر اتجاها مختلفا عنها، مشيرا إلى أن بعض دوائر الحكم في السعودية تطلب من مصر أن تنقاد خلف السعودية دون معارضة .


وأضاف أن السعودية تورطت في حرب اليمن بسبب رغبة ولي العهد، محمد بن سلمان في إثبات أنه «الصقر الجديد»، وقادر على فرض الإرادة السعودية بالقوة، وهي السياسة التي تختلف معها مصر وترى أن الحل السياسي الذي اتبعه الملك عبدالله الراحل هو الأجدى، وكذلك الملف السوري الذي تدعم فيه السعودية الفصائل الجهادية لحرب بشار بينما ترى مصر الحل السياسي ممكنا، وهو ما لا يعجب السعودية، مشيرا إلى أنه يتوقع اجتماعات مكثفة بين مسئولين من البلدين لحسم تلك النقاط في الفترة المقبلة.


وأوضح أن السعودية لا يمكنها أن تتخلى عن مصر، وكذلك مصر لن تتخلى عن السعودية، منوهًا إلى أن ما يحدث هو محاولة لفرض الإرادة سينتهي قريبا لحل، خاصة مع الرغبة القوية داخل مجلس التعاون الخليجي لاستمرار العلاقات المتميزة مع مصر.