إن السياسات التي باتت تتبعها السعودية ودول الخليج والتي تعتبر سياسات غير مدروسة أو منضبطة والتي أدت إلي مشاكل اقتصادية كبرى باتت تشكل تهديدا رئيسيا لأمنها الاقتصادي والسياسي الوطني,فالخطوة التي قامت بها السعودية ودعمتها فيها العديد من دول مجلس التعاون الخليجي إذ قامت بضخ كميات هائلة من النفط وتصديره إلي الأسواق العالمية مما أدي إلي تشبع السوق الطاقوي به وبالتالي انخفاض حاد في الأسعار ,وهي حركة خطرة رأي فيها مراقبون بأنها الهدف من ورائها كان التأثير علي الدول المصدرة للنفط كإيران وروسيا والجزائر وجعلها تتخذ مواقف مغايرة في ملفات المنطقة ,ومحاولة السعودية ومن يدور في فلكها من الدول الخليجية دفع هؤلاء وبالأخص الإيرانيين إلي التخلي عن دعم الرئيس بشار الأسد وفرض الشروط الخليجية في أي تسويات قادمة لهذا الملف,ولكن المشاكل التي باتت تعرفها الرياض سياسيا وعسكريا في اليمن وانتفاضة البحرين وكذلك المظاهرات في المناطق الشرقية للمملكة,وتآكل الاحتياطي المالي الذي هو في حدود 700مليار دولار حسب إحصاءات البنك المركزي السعودي,ولكن السياسات الرعناء للملك سلمان بن عبد العزيز هي التي أدت إلي أزمة داخلية حادة في ضبط الموازنة العامة السنوية في البلاد إذ شهدت حسب رأي الخبير المالي الدكتور حسن سرور عجزا بلغ 130مليار دولار سنة2015وفي اقل التقديرات بلغ هذا العجز المسجل 80مليار دولار,فأسعار النفط التي بدأت في الانخفاض التدريجي منذ شهر أيلول 2014وخسرت المملكة بالتالي 1.5بالمئة من ناتجها المحلي بالعملة الصعبة ,فعجز الموازنة قد بلغ 11مليار دولار في سنة2014,وسيفوق بكثير في سنة2016حاجز 150مليار دولار ربما ,وهذا ما دفع الملك سلمان إلي الاستدانة الخارجية بمبلغ 10مليار دولار واتخاذه قرارا بطرد جميع العاملين المغتربين بالمملكة تدريجيا ورفع الدعم عن الوقود وبعض المواد الأخرى الأساسية والتي كانت تدعمها الدولة,فالسعودية التي لم تعرف الاستدانة الخارجية منذ عقود طويلة وعملت علي شراء السلم الاجتماعي عن طريق شراء ديون المواطنين من البنوك أو زيادة الرواتب والعطايا وغيرها من الإجراءات التي كانت حلولا ترقيعية وغير ناجعة,وهذه الأزمة انعكست سلبا علي موازنات كل دول الخليج باستثناء دولة قطروذلك بسبب قلة عدد سكانها وامتلاكها لموارد مالية مهمة من بيعها للغاز المسال في الأسواق العالمية وتصديرها لكميات هامة منه سنويا.
-فدولة كالإمارات موازنتها السنوية مبنية علي احتساب 85دولار كسعر مرجعي لبرميل النفط في السوق العالمي بينما دول كالبحرين وسلطنة عمان تكون موازنتها السنوية علي أساس أن السعر المرجعي في حدود100دولار للبرميل بينما دول كقطر والكويت يكون السعر المرجعي فيها بحدود 50دولار للبرميل,بينما يرتفع الرقم في المملكة العربية السعودية إلي حدود 112دولار للبرميل ,وفي ظل انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية فان هذه الدول ستضطر إلي السحب من الاحتياطي المالي لتغطية عجز الموازنة المالية السنوية ,فالفائض النقدي الذي سجلته هذه الدول سنوات 2012-2013والذي يقدر بحوالي 150مليار و190مليار دولار علي التوالي قد تم صرفه واستنفاذه ماليا في سنوات 2014-2015وبالتالي فان خسائر هذه الدول مجتمعة وصلت إلي أزيد من 300مليار دولار ابتداء من نهاية العام الماضي وحتى ألان,وفي دراسة لمجلة ستا ندر ران بوزن فان السعودية سجلت عجزا قدر بحوالي 16بالمئة من العجز الداخلي في مقابل 1.5بالمئة العام الماضي وهذه دراسات سنة2015,فيما سيصل العجز المالي حسب نفس الدراسة لدول الخليج في 5سنوات القادمة إلي حوالي 1000مليار دولار أو أكثر,فالإيرادات المالية قد انخفضت إلي أزيد من 60بالمئة نتيجة الانخفاض الحاد والجنوني في أسعار النفط وهناك دول كالبحرين والسعودية وربما قطر ستعلن أيضا إفلاسها في هذه الفترة وذلك بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي,فالسياسات الاقتصادية والتطويرية التي انتهجتها حكومات هذه الدول وصرفها لأزيد من 1250مليار دولار في مشاريع تافهة وغير مجدية اقتصاديا كإنشاء جزيرة النخيل في قطر أو فنادق ومطاعم تحت الماء في الإمارات أو مطاعم ترتفع علي سطح البحر بحوالي 30الف قدم أو غيرها من المشاريع التي تفوق حدود الخيال وعدم صرف هذه المبالغ الفلكية علي إحداث تنمية معرفية وتكنولوجية وتقنية تكون البديل عن انهيار أسعار النفط الذي يشكل حجر الركن في الموارد المالية بالعملة الصعبة لهذه الدول.
-وكذلك فان هذه الدول التي قامت بإنشاء تجمعات ترفيهية ضخمة لم تستطع القضاء علي الآفات والمشاكل الاجتماعية التي ستشكل قنبلة موقوتة سيستفيد منها الغرب الساكت لحد ألان علي السياسات القمعية والتسلطية لدول الخليج وحكوماته الملكية المفروضة علي شعوب المنطقة,بما فيها السعودية التي سجلت أزيد من 149حالة إعدام في سنة2015وسط صمت غربي وحقوقي رهيب,فالغرب الذي يحمى هذه الدول ويسكت عن فضائحها وسياساتها الرعناء في مقابل عقد صفقات سلاح وصلت إلي حدود 100مليار دولار وهي ولغياب الشفافية الرقابية لا تدخل ضمن الموازنات السنوية لهذه الدول,وتقرير الخارجية البريطانية الذي استثني المملكة العام الماضي من الدول التي فيها حالات إعدام جماعي و يتم تنفيذها عادة خارج القانون وبطرق وحشية,وذلك لان المملكة عقدت صفقات سلاح بمليارات الدولارات مع بريطانيا,وأيضا المملكة تضخ أموالا ضخمة في حسابات هذه الدول ومنها أمريكا إذ تخسر المملكة يوميا 500مليون دولار في حربها علي اليمن تذهب معظمها لاستئجار البوارج الأمريكية في الخليج العربي أو شراء الصواريخ والمعدات العسكرية الأمريكية المتطورة,فالمملكة إذن ومن وراءها دول مجلس التعاون الخليجي التي رغم أن نسب البطالة فيها قد تراوحت ما بين 10-20بالمئة رغم الكم الرهيب من الأموال التي امتلأت بها خزائنها المالية طوال سنوات ولكن لم تولى لهذه المشكلة وغيرها من المشاكل الاجتماعية الاهتمام الكافي وهذا ما قد تستغله الدول الغربية كذريعة لتدخل في شؤون هذه الدول وإعادة تقسيمها إلي دويلات عرقية وطائفية كما تريد أن تفعل في سوريا والعراق وليبيا ولبنان,فالهزات الارتدادية لفراغ خزائنها وعدم قدرتها علي مواجهة الأزمات المترتبة عنها في ظل مؤشرات اقتصادية سلبية فيما يخص أسعار النفط في الأسواق العالمية وعلي رأس هذه الدول المتضررة من الأزمة .
-السعودية باعتبار أنها دولة محورية في الخليج نظرا لمساحتها الجغرافية وعدد سكانها وباعتبار أنها أول بلد مصدر لنفط في العالم وفيها أهم الأماكن الإسلامية المقدسة كمكة والمدينة المنورة,إضافة إلي جيشها الذي يعد 3اقوي جيش عربي ,ولكن رغم كل ما تمثله السعودية من ثقل ووزن خليجي وعربي وإقليمي ولكنها لن تستطيع تجاوز هذه الأزمة المالية الخانقة ,بسهولة نظرا لعدم رغبة القيادة السياسية والعسكرية فيها تعديل سياستها الخارجية وإيقاف الحرب علي اليمن أو علي سوريا والتي تشير أخر الإحصاءات الغير رسمية بأنها صرفت أزيد من 100مليار دولار منذ اندلاع الأزمة في سوريا سنة 2011والي نهاية سنة2015علي تسليح وتدريب قوات المعارضة السورية المحسوبة عليها وفي مقدمتها جيش الإسلام,ولكن كل جهودها باءت سدى في ظل متغيرات دولية وإقليمية شديدة التعقيد والتسارع واتفاق الأمريكان والروس علي بقاء النظام السوري وعدم التضحية برئيسه حتى ولو لم تلتزم أمريكا باتفاقها الأخير مع روسيا في الملف السوري ولكن هي تعرف جيدا نتائج انهيار السلطة السياسية في دمشق وتبعاتها السيئة على امن الإقليم .
, والضغط على المجتمع الدولي لإيجاد تسويات سياسية في هذا البلد بما يضمن مصالح الطرفين بغض النظر عن حسابات أو مواقف دول الخليج التي صرفت المليارات بأوامر أمريكية هناك من اجل إسقاط الدولة السورية ولكنها فشلت,بل دفعت الثمن غاليا جدا من أمنها الاقتصادية والمالي ورفاهية مواطنيها,ويري محللون وخبراء اقتصاديون كالدكتور وسيم بزى أن استمرار الأزمة الاقتصادية لفترات طويلة سينعكس سلبا علي الناتج القومي لهذه الدول وبالتالي فعلي صناع القرار فيها التحضير لسيناريوهات سوداء وعلي كافة المستويات فالإجراءات التي اتخذتها حكومات هذه الدول وأثقلت كاهل المواطنين بها والذين تعودوا علي العيش الرغيد والمرفه وعلي نمط حياة استهلاكي بالدرجة الأولي سيكونون مجبرين علي إتباع سياسات اقتصادية صعبة وتغيير نمط الحياة وإتباع أسلوب تقشفي وهذا ينطبق بالأساس علي الطبقات ذات الدخل المتوسط .
-والتي تشكل أغلبية سكان منطقة الخليج العربي,أما الأغنياء والمسئولين الكبار والذين راكموا ثرواتهم في عز سنوات الرخاء وارتفاع الأسعار النفطية فان هذه الأزمة ربما ستؤثر عليهم ولكن بشكل محدود جدا لأنهم من أصحاب الملايين أو المليارات من الدولارات والتي يقبع معظمها في خزائن بنوك الدول الأوروبية وأمريكا,وسيدفع المواطن البسيط في هذه الدول ثمن سياسات بلدانهم الخاطئة وسيؤدي هذا بالتأكيد إلي حالة غير مسبوقة من السخط والاحتقان الداخلي قد تؤدي إلي ما لا يحمد عقباه فسياسة تكميم الأفواه عن طريق المال المتبعة منذ عقود ستنهار في النهاية وسيجد الحكام في هذه الدول أنفسهم أمام الأمر الواقع ولن تنفع الحلول الوسط عندئذ لان شعب الخليج هو كأي شعب عربي أخر يطمح إلي الحرية والتغيير وان يعيش حياة كريمة وفي جو سياسي ديمقراطي تضمنه نخب حاكمة يختارها ولم تفرض عليه كما هو الحال حاليا .
-فشباب هذه الدول الذين يشكلون أكثر من 50بالمئة من عدد السكان والذين قمعوا واضطهدوا كثيرا من قبل أنظمة هذه الدول البوليسية سيجدون الأوضاع الاقتصادية والمالية المتدهورة فرصة سانحة ويستخذون منها ربما ذريعة للمطالبة بالتغيير وإحداث ثورات تؤدي إلي قلب أنظمة الحكم والتي يشهد التاريخ أنها من تأمرت علي القضية الفلسطينية وساندت تدمير العراق وتدخلت في ليبيا وتونس ومصر والسودان ولبنان واليمن وفي عدة دول عربية استعملت سلاح المال من اجل فرض رؤيتها وتصوراتها وحتى لو كان الثمن إزهاق أرواح الأبرياء العزل من المدنيين,وكما قيل قديما علي الباغي تدور الدوائر,فالسياسة الخليجية العنيفة والتي تعتمد علي رأي ونظرة الفرد الواحد ستسقط في أتون أزمة اقتصادية لا ترحم بدأت تباشير ها تلوح في الأفق المعتم ,ولن تجد هذه المرة أمريكا والناتو ليدعمها لأنها أضحت مفلسفة ,وعندها ستحصد ما اقترفته أيديها منذ سنوات ,وتقول العرب يداك اوكتا وفوك نفخا ,والمال سلاح ذو حدين إما تستعمله في التنمية والتطوير وأما التدخل في شؤون الآخرين فستكون عواقبه كارثية ونسي هؤلاء بان النار تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله في الأخير,وحتى لو خفضت المملكة والكويت والإمارات إنتاجها النفطي أو جمدته التزاما بمقررات مؤتمر قمة الأوبك الذي عقد ت في الجزائر من اجل رفع أسعار النفط في الأسواق العالمية , ولكن هذا الإجراء سيحد نوعا ما من الانهيار الاقتصادي الحتمي ولن يمنعه لان سياسة السعودية ودول الخليج هي منبع الأزمات فيها ولن تستقر أوضاعها الداخلية اقتصاديا إلا إذا راجعت سياساتها الإقليمية وذلك حفاظا على أمنها القومي الذي سيكون أول من سيتضرر منها بالتأكيد.
* كاتب جزائري