سيطرة حركة حماس على عدد معقول ومؤثر من المجالس البلدية للضفة الغربية في الانتخابات البلدية المقررة والوشيكة ستكون «خبراً سيئاً» للغاية بالنسبة للأردن الذي يرفض أي خطوات تواصل أو تطبيع سياسي مع حركة حماس ويظهر ميلاً للاهتمام أكثر بما يسمى بـ»المصالحة الفتحاوية الداخلية الفلسطينية».
فكرة الخبر السيئ هنا تنطلق من حسابات أردنية داخلية وليس فلسطينية فالإنتخابات البلدية في الضفة الغربية ستجري بعد أيام فقط من انتخابات برلمانية في الأردن من المتوقع ان يكون لحلفاء حماس من الإخوان المسلمين في نسختهم الأردنية حصة كبيرة فيها وقد تكون الحصة الأكبر والأصلب مهما جرت من محاولات تدخل.
بهذا المعنى لا تريد عمان ان تصل في التعاطي مع الواقع التنظيمي لمرحلة تتشابك فيها أيدي الإخوان وحماس في مجالس «الضفتين» غربي نهر الأردن وشرقيه، الأمر الذي يبرر برأي الأردنيين أنفسهم سلسلة المخاوف من وجود دعم وإسناد أمريكي وإسرائيلي خلفي لمقترحات عودة الإسلام السياسي للواجهة.
واضح تماماً أن قيادات السلطة الوطنية الفلسطينية لا تريد الإصغاء للمقاربات والمقارنات الأردنية. وواضح تماما ًان تحركات ولقاءات وتعليقات السفيرة الأمريكية النشطة في عمان أليس ويلز في مساحة الإنتخابات الأردنية تحديداً تلهب الأجواء والتوقع خصوصاً مع ضيق هوامش المناورة والمبادرة تحت عنوان التدخل في الانتخابات بالاتجاه المعاكس لتيار الإخوان المسلمين.
والأوضح ان السلطات الأردنية تتجاهل ثلاث مبادرات للتحاور والتواصل تقدم بها الزعيم السياسي لحركة حماس خالد مشعل على أساس ان تقديم تنازلات سياسية لحماس اليوم وفي التوقيت الذي يصعد فيه رفاقها من إخوان الأردن خطوة قد تنتهي بمأزق استراتيجي.
المأزق الاستراتيجي حاصل أصلاً في كل الأحوال فآخر تقرير استطلاعي بحثي علمت به السلطات الأردنية تحدث عن «اهتمام طبقة الشباب الجامعي الفلسطيني بعلاقات متميزة مع الأردن بنسبة 13 % فقط». لا يوجد لهذه النسبة إلا معنى واحد فقط وهو أن تأثير «الدور الأردني» في الضفة الغربية ينحسر وبصورة متدرجة وكبيرة وان عمان غائبة لسبب غامض عن ساحة الضفة الغربية التي تعتبر من ساحات التأثير القوي للدور الأردني الإقليمي.
وعليه تتعزز مخاوف الأردنيين الرسميين من حالة تشريعية في محيط نهر الأردن تتشابك فيها ايدي حماس والإخوان المسلمين في صدارة الفعل البلدي هناك والتشريعي هنا مع الأخذ بالاعتبار ان انتخابات التشريعي الفلسطيني ستنظم بعد الانتخابات البلدية في الضفة والبلدية ستنظم بعد البرلمانية في الأردن.
في الحسبة الخلفية لذهن غرفة القرار الأردني لا تنحصر المشكلة بصعود حماس القوي المحتمل خلال الانتخابات البلدية بل بالمخاوف من وجود «كمين إسرائيلي» ايضاً هدفه توريط حماس وإضعاف السلطة وحركة فتح وتأزيم الوضع الأمني والاجتماعي مجدداً في الضفة الغربية.
ويخشى ساسة أردنيون استمعت «القدس العربي» لنقاشهم من أن ينتهي الكمين الإسرائيلي المشار إليه والذي لا تقر به أصلاً السلطة الفلسطينية بواحد من سيناريوهين أفضلهما سيئ بكل الأحوال للمصالح السياسية الأردنية. الأول تحول حركة حماس لطرف أساسي بدلاً من السلطة في إدارة الضفة الغربية وترتيب «تسوية» على شكل هدنة غزة بين الطرفين وهو وضع يرى الأردنيون بانه لا يمكنه الولادة بدون «رافعة تركية « خلف الستارة ومغازلة أبعد مع جهات ايرانية تدعم حماس الداخل والجهاد الإسلامي.
هذا الوضع يدخل طهران وأنقرة إلى عمق «الطبق الأردني» في المعادلة الفلسطينية وبالتالي ينتهي بتعقيدات وحسابات إقليمية تؤثر سلباً على الأدوار والمصالح الحيوية للأردن حتى في ملفي القدس والأقصى.
السيناريو الثاني والأكثر رعباً بالنسبة لدوائر عمان يتمثل في ان التناغم الحمساوي مع الكمين الإسرائيلي قد يفشل ميدانياً ويتحول بعد إضعاف السلطة لخيار تصعيدي عسكري وأمني في الضفة الغربية يقود مع وجود كميات كبيرة من السلاح لانتفاضة ثالثة مسلحة وعنيفة هذه المرة يفرض فيها اليمين الإسرائيلي ما يريده، الأمر الذي يعني المزيد من خنق الضفة الشرقية والدخول في حالة أمنية منفلتة تنتج أزمة استراتيجية من الوزن الثقيل على ضفاف نهر الأردن.
المصدر: القدس العربي