2024-11-29 02:36 م

الحروب الأهلية تقرع أبواب الغرب

2016-08-27
عقيل الشيخ حسين
هناك إمكانات واقعية لقيام ثورات تنقذ بلدان الغرب من الأوضاع الكارثية التي تنتظرها بفعل السياسات الرأسمالية المتوحشة. لكن قوى الثورة المضادة تعمل على استبعاد الثورات البناءة من خلال تفجير حروب أهلية مدمرة. والمرجح أن الثورة المضادة ستنجح في هذا المسعى.
قد لا نبالغ بالقول أن البشر جميعاً، على اختلاف مواقعهم الطبقية، مولعون بالتغيير، سواء كان الكثير منهم يحتاج إلى ذاك التغيير أو لا. ومن المؤكَّد أن هذا الواقع هو ما جعل باراك أوباما، مثلاً، يختار التغيير بالذات شعاراً لمعركة رئاسته الثانية عام 2012.
أوضاع سيئة
ومن المؤكَّد أيضاً أن التغيير لا يمكن إلا أن يكون انتقالاً من واقع ينظر إليه على أنه سيء إلى واقع يفترض به أن يكون أفضل أو أقل سوءاً. ما يعني أن اعتماد التغيير شعاراً لمعركة الانتخابات الرئاسية حتى في الولايات المتحدة هو اعتراف واضح بسوء الأوضاع في هذا البلد، كما في غيره من بلدان الغرب.
ويمكن أن نتلمس مظاهر سوء الأوضاع من خلال الأزمة المالية والاقتصادية، وخاصة من خلال الحلول التي يتم اعتمادها من أجل الخروج من الأزمة. كما يمكن تلخيص تلك الحلول بترسانة إجراءات في طليعتها تعويم المصارف المفلسة، بأشكال مشروعة أو غير مشروعة. وكذلك، تعطى أهمية مشابهة للحفاظ على مصالح الشركات المتعددة الجنسيات وتحديدا تلك العاملة في مجالات صناعة الأسلحة والطاقة والأغذية والأدوية والسياحة وما إلى ذلك.
وهناك حلول تلجأ إليها الشركات نفسها وتتمثل بهروب الصناعات الغربية نحو البلدان الفقيرة بحثاً عن الأيدي العاملة والمواد الخام البخسة الثمن، ما يؤدي إلى ارتفاع أرقام البطالة وما يرتبط بها من آفات اجتماعية. وكل ذلك يتم في ظروف تنمية الفساد الذي يأخذ أشكالاً متنوعة ليس أقلها التهرب الضريبي. والأكيد أن هذه الظواهر تحرم الصناديق السيادية من تريليونات الدولارات التي تشكل مديونيات تلك الصناديق، وهي مديونيات تمتص، في كثير من الحالات، كامل الانتاج الوطني الخام في العديد من بلدان الغرب.
كيف يمكن لاقتصادات هذه البلدان أن تحمي نفسها من الانهيار في مثل هذه الأوضاع؟ هناك بالطبع صندوق النقد الدولي الذي يقدم لهذه البلدان قروضاً بأثمان باهظة ومشروطة بإفقار شعوبها من خلال سياسات التقشف. وبموجب هذه السياسات يتم اقتطاع المزيد والمزيد من رواتب التقاعد، ومن الأموال المخصصة لدعم الصحة والتعليم والإسكان والأجور، إضافة إلى الارتفاع المستمر في أسعار المواد الأساسية.
التقارير الواردة من اليونان مثلاً تتحدث عن أعداد متزايدة من الأسر التي لا تستطيع تأمين أكثر من وجبة غذائية متواضعة في اليوم. ومن الأطفال الذين لم يعد بمقدورهم أن يذهبوا إلى المدارس. وممن يعيشون على الأرصفة أو تحت الجسور... وليست تلك الدولة الإغريقية ظاهرة فريدة. فالأزمة ترشح بلداناً أوروبية أخرى لمثل هذا المصير، من البرتغال وإيرلندة إلى إسبانيا وإيطاليا وفرنسا. دون أن ننسى أن ما يقرب من خمس سكان الولايات المتحدة يعيشون تحت خط الفقر.
الاعتراضات الشعبية على هذه الأوضاع تتزايد بشكل ملموس وتصل أحياناً إلى مستوى المواجهات العنيفة مع قوى الأمن. ما يجعل من فرضية الثورة أمراً واقعياً تماماً.
ثورة مضادة
لكن قوى الثورة المضادة، وفي طليعتها الصهيونية العالمية، جاهزة لكسر الثورة البناءة عبر حرف المسار الثوري عن طريقه من خلال «تصنيع» مواجهات في بلدان الغرب مع الجاليات الإسلامية التي تعيش في تلك البلدان.
مراقبون غربيون عديدون يؤكدون أن العمليات الإرهابية التي تنفذ في الغرب، وتتبناها تنظيمات إرهابية تدعي أنها إسلامية هي من صنع أجهزة استخبارات غربية، أو جماعات سرية من نوع جماعة "غلاديو" التي كانت، خلال مرحلة الحرب الباردة، تقوم بأعمال إرهابية ثم توجه تهمة ارتكابها إلى الاتحاد السوفياتي، وذلك في مسعى لمضايقة الأحزاب الشيوعية التي كانت تتمتع بجماهيرية كبيرة في أوروبا الغربية في تلك الفترة.
أليس من الطبيعي بعد استمرار أجهزة إعلام غربية لعقود طويلة في نشر مواد مسيئة للإسلام ورموزه الكبرى، وبعد تنفيذ عمليات إرهابية من عيار عملية نيس الأخيرة، أو عملية شارلي إيبدو وغيرها، وإعلان داعش عن تبنيها لتلك العمليات... أليس من الطبيعي أن تستفحل الإسلاموفوبيا وأن يزداد التوتر حدة بين الشارع الفرنسي والمسلمين هناك؟
وإذا ما تطورت الأوضاع  وفتحت الباب أمام حروب أهلية في بلدان الغرب... ألا تكون هذه الحرب وما يتبعها من تداعيات مهولة، عبثية بامتياز لأنها قبل كل شيء أداة في يد قوى الشر، وبديل قاتل عن الثورة البناءة التي تخدم مصالح قوى الخير والسلام؟
المصدر: صحيفة "الوفاق"