تتجه أنظار دول العالم اليوم نحو مصر خاصة فى ظل ما يتردد دولياً وإقليمياً حول وجود مبادرة مصرية لإحتواء الأزمة السورية، حيث تدخل هذه الأزمة مرحلتها الأخيرة من تطوراتها وبات المشهد السوري في منعطفه الأخير، وسط حراك دبلوماسي إقليمي ودولي من أجل التوصل لحل الأزمة، إذ ظهرت مؤشّرات عدّة تكشف عن تبنّي مصر سياسة جديدة في التعامل مع الملف السوري ومن هنا دخلت مصر بقوة على خط الأزمة في محاولة للتوصل لحل سياسي يُنهي صراعاً دام أكثر من خمس سنوات في سورية، لأنها المؤهلة للقيام بهذا الدور.
جاء هذا الحراك الدبلوماسي بشأن الأزمة السورية، نابعاً ليس فقط من أجل الحفاظ على سورية واستقرارها، وإنما من أجل مواجهة الآثار السلبية الناجمة عن عدم الاستقرار في سورية، والتي مهدت لبيئة سياسية خصبة لظهور حركات التطرف الإسلامي وفي مقدمتها "داعش" والمجموعات المتطرفة الأخرى والتي باتت تؤرق أمن العالم أجمع، في هذا الإطار إعتاد الرئيس السيسي، التأكيد على أهمية الحل السلمي للأزمة في سورية حيث قدم رؤية تتمحور في خمس محددات رئيسية لحل هذه الأزمة هي: إحترام إرادة الشعب السوري، وإيجاد حلّ سلمي للأزمة، والحفاظ على وحدة الأرض السورية، ونزع أسلحة الميليشيات والجماعات المتطرفة، وإعادة إعمار سورية وتفعيل مؤسسات الدولة، ويرى مراقبون إن مصر بالتعاون مع أطراف عربية ودولية وفي مقدمتهم روسيا تسعى إلى إنهاء الأزمة في إطار سلمي من أجل الحفاظ على الجيش السوري، كون بقاء الدولة السورية ومؤسساتها متماسكة، هو دعم للأمن القومي المصري والعربي.
على صعيد متصل أن موقف الرئيس السيسي من الأزمة السورية يعتبر خطوة متقدمة علنية في الموقف المصري، الذي غاب طويلاً عن الوضوح، فالمحددات الخمس التي طرحها الرئيس السيسي واضحة وتعتبر مرتكزات يمكن البناء عليها، وفي حال باتت هذه المبادرة قيد التنفيذ سيشكل ذلك بداية جيدة لإستعادة مصر لدورها المستهدف من بعض الأنظمة الداعمة للارهاب، فالارهابيون في سورية وداعموهم يشكلون خطراً على مصر نفسها، وهي الأخرى تعاني من ويلات هذا الإرهاب الممول من نفس الجهات التي تمول الإرهاب في سورية.
في هذا السياق إن مصر هي دوماً الأقرب إلى سورية، والأقدر على فهم ما يجري فيها، لذلك من الممكن أن تلعب مصر دور محوري وبارز فى الأزمة السورية بإعتبارها غير متورطة في الأزمة السورية عسكرياً، و تقف على مسافة واحدة من كافة أطراف الأزمة السورية، وهذا الموقف يمكنًها من طرح المبادرات والرؤى والتعامل مع كافة الأطراف بدون أي حساسيات، كما أن السياسة المصرية تحظى بثقة وتقدير كل الأطراف العربية والإقليمية والدولية، وهذا الدور من الممكن أن يفيد معظم دول الخليج التى تورطت في الأزمة، والتي لم تحرز أى نتائج على الأرض من خلال دعمها للجماعات المسلحة الموجودة فى سورية، ومن هذه الزاوية تصبح مصر الطريق الوحيد إلى خروج هذه الدول من هذا المأزق والمستنقع السوري، لذلك فإن الدول الخليجية تحتاج إلى دولة عربية ذات علاقات وثيقة معها ومع النظام السوري ومن الممكن أن يكون الدور المصري طوق النجاة من أجل انقاذ الدول الخليجية وانقاذ سورية، بعدما وصلت إلى طريق مسدود .
وتفيد الدوائر أن ما طرحه الرئيس السيسي يعود الى الأخطار التي تحدق بمصر وخطورة الارهاب على الساحة المصرية، وإدراكه بأن نجاح العصابات الإرهابية في سورية، يعني، توجبه الإرهاب نحو الساحة المصرية، وإنطلاقاً من ذلك فإن القاهرة لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي وهي في عمق الشرق الأوسط، ما يحدث في سورية ستكون تداعياته خطرة على الأمن المصري والعربي.
وفي الإتجاه الآخر دعا رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم الدول الكبرى لفتح ما سماها صفحة جديدة بشأن سورية دون إضاعة الوقت، وقال يلدرم "من المهم للغاية عدم إضاعة الوقت وفتح صفحة جديدة بشأن سورية تقوم على مقاربة تشارك فيها بشكل خاص تركيا وإيران وروسيا وأمريكا وبعض دول الخليج والسعودية"، مؤكداً أن موقف تركيا واضح جدا، وهو عدم السماح بتقسيم سورية، والحفاظ على وحدةأراضيها وعدم السماح بتشكيل أي كيان يمكن أن يعود بفوائد على أي جماعة، كما شدد على ضرورة عمل جميع الأطراف لوقف سفك الدماء في سورية، وتظهر هذه التصريحات استعداد أنقرة للعمل مع القوى الدولية التي تختلف مواقفها بشكل كبير بشأن سورية، وكان يلدرم قد صرح في وقت سابق بأن الرئيس الأسد "أحد اللاعبين" في سورية ويمكن أن يبقى مؤقتاً خلال الفترة الإنتقالية بعدما كانت أنقرة تعتبر أن تنحيه ضروري لإنهاء الأزمة في سورية، في سياق ذلك هناك إتصالات تجرى خلف الكواليس بين قيادات تركية من جهة وأطراف الأزمة في سورية من جهة أخرى، بمعنى إن تركيا تعمل مع كافة الأطراف سواء من داخل سورية أو الأطراف الدولية والإقليمية، على إيجاد وسيلة للوصول إلى إطار سياسي مشترك ولغة سياسية مشتركة لحل الأزمة ومواجهة الإرهاب هناك.
مجملاً... لقد آن الأوان أن تستعيد سورية مكانتها ودورها البارز على المستويين الإقليمي والدولي، وتؤكد على أنها لن تسمح لأي طرف بالتدخل في شؤونها الداخلية، ويجب عدم الشعور بخيبة الأمل من مستقبل سورية كون أن حلفاؤها وشركائها على المستويين الإقليمي والدولي لن يتركوها وحدها، خاصة مصر التي تربطها معها علاقات متميزة على كافة الأصعدة وفي مختلف القضايا فضلاً أن هناك اتفاق كامل بينهما في معظم القضايا المشتركة لمواجهة الإرهاب وأدواته، لذلك فإن دمشق والقاهرة تنطلق من رؤية واحدة وهي ضرورة مواجهة أي أطماع إقليمية أو دولية، وخاصة بعد نجاح كل منهما في ضرب المخطط الغربي لتقسيمهما، كما أن مصر تعرف أن أمنها الوطني يبدأ من سورية، وأن الشعب المصري يدرك أن تدمير الدولة السورية وإستنزاف الجيش السوري، يهدد أمنهم الوطني إستراتيجياً، ويضعفهم إزاء إسرائيل والغرب، وينقل معركة الإستنزاف والتفكيك والفتنة إلى داخل مصر نفسها.
بإختصار شديد، هناك رؤية إستراتيجية موجودة في كل الأوساط المصرية وعلى أعلى المستويات، مفادها أن مصر المؤثرة في الإقليم، هي مصر التي يمكن ان تسهم في عودة الإستقرار مرة أخرى الى منطقة الشرق الاوسط المضطربة، كما ان هناك رؤية إستراتيجية ثابتة وهي دعم سورية في كل الأوقات، وإنطلاقاً من ذلك فإن التطورات والمشهد المعروض يشير إلى أن الأيام القادمة ستشهد تبدلاً كبيراً على الساحة السورية، خاصة ان الطرح المصري لحل الملف السوري يدعمه التوافق الإيراني الروسي والدول الصديقة لدمشق.
Khaym1979@yahoo.com