شريف عبد البديع عبد الله*
في العام 1993 نشر شيمون بيريز أحد الاباء المؤسسين لدولة اسرائيل كتابه (الشرق الاوسط الكبير ) والذي طرح من خلاله رؤيته للمنطقة العربية التي تقوم على إدماج اسرائيل ككيان طبيعي يقود المنطقة انطلاقا من ان لديها العقول والخبرات العلمية ولدى دول الخليج المال لتمويل المشروعات العملاقة ولدى مصر القوى العاملة.
هي نفس الرؤية الامريكية منذ ايزنهاور ومنذ مفاوضات روبرت اندرسون-جمال عبد الناصر لتسوية الصراع العربي-الصهيوني . إذن الرأسمالية العالمية التي تضع الخطط لا تتخلى بسهولة عن خططها ولديها دومآ الخطة البديلة اذا ما تعثرت الخطة الاصلية.
ففي المرحلة الناصرية 1952-1970 وهي مرحلة بناء نظام إقليمي عربي تقوده مصر ضد المشرووع الاستعماري الغربي وآداته اسرائيل والنظم الملكية العربية (السعودية-الاردن-العراق –ليبيا-اليمن ) ، اخترعت السعودية الحلف الاسلامي وقتها لمقاومة المشروع القومي العربي مصطفة مع اسرائيل في عدائها للنظام الاقليمي العربي وتضامنت معها كل من ايران الشاه وتركيا العضو في حلف الناتو وعند انتهاء هذه الحقبة قال شيمون بيريز لاحد الدبلوماسيين العرب "لقد جربتم قيادة مصر للمنطقة وجرت الخراب والحروب فجربوا قيادة اسرائيل".
وفي العام 2002 طرح الامير عبد الله بن عبد العزيز ولي عهد المملكة السعودية انذاك المبادرة العربية للسلام وهي تصب في نفس نهر نهج التسوية لصالح مشروع الرأسمالية العالمية من اجل تعظيم الارباح وتحقيق الاستقرار في هذه المنطقة.
وفي العام 2004 قال جورج بوش من تركيا بعد صعود حزب العدالة والتنمية أن النموذج الاسلامي التركي هو الذي ينبغي ان تقتدي به المنطقة العربية لانه يؤمن التعاون مع الغرب والتطبيع مع اسرائيل .
بعد الفوضى التي ضربت الاقليم على اثر مايسمى بثورات الربيع العربي 2011-2016 وهي الفوضى الخلاقة كما اسماها الاميركيون بعد إحتلال العراق ومن ثم بعد محاولات استنزاف الجيش العربي السوري وتدمير ليبيا، تصدر مشروع الشرق الاوسط الجديد والشراكة العربية الاسرائيلية المشهد من جديد.
وكما كان الحلف الاسلامي الذي أنشأته السعودية في الخمسيينات والستينيات يستهدف الدور القومي لمصر يأتي الحلف الاسلامي السعودي الجديد ليستهدف ايران وسوريا والمقاومة اللبنانية.
استهداف ايران بدأ مع انتصار الثورة الايرانية التي تزامنت مع تخلي نظام السادات عن قيادة الاقليم و عن منهج التنمية المستقلة وتحول مصر الى شريك لاسرائيل وتابع للولايات المتحدة الامريكية
فشلت امركيا في إحتواء الثورة الايرانية كما فشلت في القضاء عليها من خلال الخرب العبثية الضارية 1980-1988 من قبل العراق بدعم وتمويل خليجي وخرجت ايران من الحرب اقوى دولة في الاقليم وانتهجت نهج التنمية المستقلة وفي النهاية تفاوضت معها الولايات المتحدة فيما يخص مشروعها النووي واعترفت بنفوذها في الاقليم.
وكانت حرب عاصفة الحزم ضد الحوثيين الرافضين لفيدرالية اليمن وتقسيمها الى ست اقاليم . كانت هذه الحرب في الاساس لإستفزاز ايران وإستدراجها في صراع بوصفها داعمة للحوثيين ولما لم يستفز الايرانيون بسهولة هدد السعوديون بغزو بري لسوريا وهنا رفضت الولايات المتحدة خشية الاضرار بنفوذها ومصالحها في المنطقة.
الواضح ان نظامآ جديدآ يتم ترتيبه في الشرق الاوسط لصالح مشروع الشرق الاوسط الجديد بقيادة سعودية اسرائيلية تركية ضد النفوذ الايراني ومحور المقاومة السورية اللبنانية.
وفي محاولة يائسة بدأت السعودية في تنفيذ اجندة كسينجر بتصوير الصراع في المنطقة على إنه صراع مذهبي سني-شيعي (الكيان الصهيوني في المعسكر السني بالطبع) بدلآ من كونه صراعآ عربيآ صهيونيآ وبدلآ من كونه صراع المقاومة ضد الهيمنة الامبريالية العالمية.
لا أحد على وجه اليقين يستطيع أن يتكهن بمصير المنطقة والاقليم ، لكن المؤكد ان إنتصار سوريا وهو إنتصار حتمي ووشيك وكذلك عودة مصر لقيادة المنطقة كما توقع الجميع بعد ثورة يناير وهذا ما سوف يغير الكثير من المعادلات.
وأظن ان حربآ وشيكة قد تحصل ، ربما بعد إنتخاب إدارة أمريكية جديدة في العام القادم ضد ايران وسوريا والمقاومة لبناء نظام شرق اوسطي جديد.
*باحث سياسي ،قيادي ناصري مصري