2024-11-25 11:56 م

الصراع على حقول الغاز: من يسيطر على الثروة في البحر المتوسط؟

2016-08-05
تعمل في البحر المتوسط، بين قبرص ومصر وإسرائيل، مجموعة من الشركات النافذة على مستوى العالم، أبرزها ثلاث: ENI الإيطاليّة في مصر وقبرص، وTotal الفرنسيّة في قبرص، وائتلاف Nobel Energy الأميركية مع شركة Delek الإسرائيليّة، الذي كان يحتكر حقول الغاز في فلسطين المحتلة، علماً بأن Nobel Energy تعمل في قبرص أيضاً. هذه الشركات تمثّل مصالح مالية ضخمة، إلى جانب شركات أخرى في العالم، وهي تمتلك قدرات فائقة للتاثير بسياسات الدول ومقارباتها النفطيّة، وتُسهم في تكييف خططها الجيواستراتيجيّة... تعرض «الأخبار» على حلقتين (اليوم وغداً) معلومات مختصرة عن أبرز الشركات المسيطرة على الثروة الغازية في حوض البحر المتوسط، بالإضافة إلى عرض الشركات المؤهلة في لبنان، وذلك بهدف رسم خريطة يمكن من خلالها محاولة فهم المصالح القائمة وعلاقتها بالصراعات الدائرة بين مراكز القوّة محلياً وعلى مستوى الإقليم

فيفيان عقيقي
يُعدُّ اكتشاف حقل "ظُهُر" في مصر أواخر عام 2015 الأهمّ في عالم الغاز الطبيعي في البحر المتوسط. إن احتواءه على 30 تريليون قدم مربّع جعله الحقل المُكتشف الأكبر في المتوسط، وتنعكس آثاره المباشرة على خمس دول. ففي إسرائيل، انخفضت أسهم شركات الطاقة مع إعلان الاكتشاف بداية، ثمّ أُطبق الخناق على حقلي "ليفياتان" و"تامار" مع إطلاق مصر مفاوضات مع "نوبل إنرجي" الأميركيّة (المستثمر الوحيد للنفط في فلسطين المحتلة)، ما قلّل من خيار التصدير الإسرائيلي ودفع إلى مصالحة معجّلة مع تركيا التي تُعدّ الأكثر احتياجاً للغاز.

على صعيد قبرص، وبعد أن انعكس التنقيب عن الغاز فائدة كبيرة على اقتصادها، شاطرها الاكتشاف الجديد الأنظار وسرّع من عمليّة إعلانها لدورة عروض ثالثة لاستثمار 3 بلوكات جديدة (6-8-10). وتأثّرت به كلّ من روسيا وإيران، باعتبار الأولى المصدّر الأوّل للغاز إلى أوروبا، والثانيّة أكبر منتج للغاز في العالم، إذ بات لهما منافس واعد على أسواقهما العالميّة. هكذا تحوّلت منطقة "شروق" حيث حقل "ظُهُر" إلى وجهة جديدة مهمّة لصراع شركات الطاقة العالميّة.
يستبعد مراقبون أن تكون التغييرات الجيواستراتيجيّة في المنطقة، المصالحة التركيّة – الإسرائيليّة من جهة، والتركيّة – الروسيّة من جهة أخرى، على علاقة بأي انفراج ميداني في سوريا أو تبدّل في موازين القوى. يعتقد هؤلاء أن الموضوع يرتبط أولاً بتشابك مصالح نفطيّة، ويندرج ضمن مساعي روسيا لشراء حقلي "كاريش" و"تانين" الإسرائيليين المحاذيين للحدود اللبنانيّة (يحتويان على نحو 6 تريليون قدم مكعّب)، بالتزامن مع مساعيها للدخول على خطّ المفاوضات بين لبنان وإسرائيل حول المنطقة النفطيّة المتنازع عليها في الجنوب، بغية حصولها على امتياز استكشاف النفط في الجنوب اللبناني. أما مصالح تركيا، فتكمن أولاً بالحصول على مصدر جديد للطاقة، باعتبارها الأكثر استيراداً للغاز في المنطقة، وثانياً بإمرار خطّ أنابيب عبر أراضيها إلى أوروبا، خصوصاً أن تسييل الغاز لنقله عبر البواخر مكلف نسبياً في ظلّ تهاوي أسعار النفط العالميّة، بينما تمديد أنابيب من إسرائيل مروراً بقبرص ومنها إلى تركيا وصولاً إلى أوروبا يبقى الأجدى اقتصادياً، وهو أقل كلفة من أنبوب غاز قد يمتدّ من فلسطين المحتلة مروراً بقبرص واليونان، وصولاً إلى أوروبا.
البحر المتوسط هو من البقع المهمّة، تتوزع ثروة الغاز فيه بين مصر وقبرص وفلسطين وسوريا ولبنان. عبرت قبرص وإسرائيل أشواطاً مهمّة، وهما تتصدّران مشهد التنقيب عن الغاز في المتوسط، تليهما مصر، فيما لبنان وسوريا يراوحان مكانهما.
تعمل في المنطقة الاقتصادية الخالصة الخاصّة بمصر مجموعة من الشركات. تملك ENI الإيطاليّة ست مناطق امتياز، من ضمنها سيناء وخليج السويس ودلتا النيل، وامتياز "ظُهُر" الذي اكتشفته أواخر 2015، وبدأت عمليات الاستكشاف فيه على أن تنتج عام 2017 مليار متر مكعّب من الغاز، وصولاً إلى 2.7 مليار متر مكعّب عام 2019. ولـBritish Petroleum البريطانيّة سبع مناطق، ولـEdison الإيطاليّة خمس مناطق امتياز، من ضمنها "نورس بور فؤاد" بالقرب من منطقة ENI.
في قبرص تعمل كلٌّ من ENI في البلوكات 2 و3 و9، Nobel Energy الأميركيّة في البلوك 12، حيث حقل أفروديت الذي يحوي نحو 5 تريليون قدم مكعّب، وTotal الفرنسيّة في البلوك 11، حيث تشير المسوح إلى وجود كميّات هائلة من الغاز. أخيراً افتتحت قبرص دورة مناقصة ثالثة على ثلاثة بلوكات جديدة (6-8-10)، فالجزيرة المتوسطيّة تطمح إلى أن تصبح مركزاً إقليمياً لتسييل غازها الطبيعي واحتياطات إسرائيل ولبنان، وتصديرها.
في فلسطين المحتلة، تحتكر شركة Nobel Energy الأميركيّة مع نظيرتها الإسرائيليّة Delek الغاز الفلسطيني. في كانون الثاني الماضي وقّع بنيامين نتنياهو قانون مكافحة الاحتكار النفطي، ما حتّم عرض حقلي "كاريش" و"تانين" للبيع بعد نزاع دام لأكثر من أربع سنوات بين جمعيّات مكافحة الاحتكار والحكومة الإسرائيليّة، وإجبار Delek على بيع حصّتها من حقل "تامار" وخفض Nobel Energy حصّتها في الحقل نفسه من 37% إلى 25%، مقابل رفع استثماراتهما في "ليفياتان" من 1.5 مليار إلى 4 مليارات دولار عام 2020. وهو الأمر الذي يدفع شركات جديدة إلى شراء الحصص والحقول المعروضة للبيع.
بالنسبة إلى سوريا، فهي بدأت أعمال التنقيب في البرّ، إلّا أن ما تكتنزه من غاز طبيعي مقابل شواطئ طرطوس يشير إلى ثروة واعدة كفيلة بتحويلها إلى ثالث أكبر مصدّر للغاز الطبيعي في العالم، وهو ما يراه مراقبون أحد عوامل الصراع المحتدم بين الدول الكبرى فيها، والاهتمام الروسي بحماية قاعدتها العسكريّة في طرطوس، وتالياً المحافظة على نفوذها ومصالحها الاقتصاديّة.
أمّا في لبنان، فتشير الدراسات والمسوح التي أجريت إلى وجود نحو 25 تريليون قدم مكعّب من الغاز الطبيعي في المنطقة الاقتصاديّة الخالصة الخاصّة به. وهي ثروة واعدة، خصوصاً أن 0.2 تريليون قدم مربّع فقط كفيلة بتوفير الطاقة 24/24 لمدة عشرين سنة، بحسب هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان. إلا أن الوصول إلى استثمار هذه الثروة لا يزال معلقاً على اتفاقات ومحاصصات لم تتم.
1- ENI أو "الوكالة الوطنيّة للمحروقات"، وهي شركة إيطاليّة لاستكشاف النفط واستخراجه، لها وجود في أكثر من 80 بلداً، من ضمنها دول أوروبا الشرقيّة وأفريقيا، إضافة إلى وجودها في إيران وكازاخستان والعراق، وهي من الشركات المتأهلة لخوض المناقصات لاستكشاف الغاز في لبنان.
تأسست عام 1953 لسدّ احتياجات إيطاليا من النفط، لتتحوّل لاحقاً إلى أكبر الشركات الأوروبيّة النفطيّة، ومن ضمن الشركات العشر الأولى في العالم برأسمال 90 مليار دولار. تملك الحكومة الإيطاليّة 30% من أسهمها، وهي مدرجة في بورصة يورونيكست لأكبر الشركات الأوروبيّة. تضمّ عدداً من الشركات الصغيرة والمتوسطة المتخصّصة بتصنيع وإنشاء منصّات لاستخراج النفط والغاز من البحار وتمديد أنابيب النفط.
في منطقة البحر المتوسط، تعمل ENI في قبرص ومصر، وهي اكتشفت حقل "ظُهُر" الواقع في امتياز "شروق" الذي حصلت عليه عام 2012 بعد أن كان ممنوحاً قبلها لشركة Shell الهولنديّة منذ عام 1999، التي توقفت عن التنقيب فيه منذ عام 2011 إثر اندلاع "الثورة" في مصر، علماً بأن بعد توقفها، أعلنت كلّ من إسرائيل وقبرص اكتشافهما حقلين هائلين ملاصقين له، وهما حقل ليفياتان الخاضع للاحتلال الإسرائيلي (يحتوي على 22 تريليون قدم مكعّب) وحقل أفروديت الخاضع للسيادة القبرصيّة (بلوك 12 يحتوي على 5 تريليون قدم مكعّب). تعمل ENI أيضاً في البلوكات القبرصيّة 2 و3 و9، من خلال ائتلاف إيطالي – كوري جنوبي (ENI-KOGAS)، بحيث تملك الأولى 80% من الحصص والثانية 20%.
خلال 70 عاماً على عملها في مجال النفط والغاز، طاولت ENI مجموعة من الفضائح، ففي عام 2009 سطّرت المفوضيّة الأوروبيّة رسوماً ضريبيّة بحقّها ضمن مساعيها لمكافحة الاحتكار، بعدما ثبت شراؤها منافسين في خطوط أنابيب النفط، التي وقّعت اتفاقيات مع Gazprom الروسيّة لمدّها من جنوب روسيا ومن البحر الأسود إلى أوروبا. كذلك ورد اسمها في وثائق ويكيليكس بتهم دفع رشى لحكومات دول نامية مقابل فوزها في استثمار النفط في بلادهم، ومن ضمنهم رئيس الوزراء الأوغندي أماما مبابازي.
2- Total هي شركة فرنسيّة وواحدة من أكبر ست شركات نفطيّة عالميّة. تأسست عام 1924، وتنتشر في جميع أنحاء العالم. مُدرجة في بورصتي نيويورك ويورونيكست لأكبر الشركات الأوروبيّة، وتحقّق عائداً يفوق 130 مليار دولار.
لديها شركات صغيرة ومتوسطة تابعة لها، مثلTotal Petroleum التي تملك 50% من أسهمها وتعمل في أميركا الشماليّة. ولديها أيضاً تعاقدات مع شركات نفطيّة كبرى في مناطق استثماراتها مثل Aramco السعوديّة، Chevron الأميركيّة، ExxonMobil الأميركيّة،British Petroleum البريطانيّة، Shell الهولنديّة. متخصّصة في كلّ ما له علاقة بقطاع النفط والغاز، بدءاً من التنقيب والإنتاج والنقل، وصولاً إلى توليد الطاقة وتصنيع المواد الكيماويّة وإنشاء محطّات البنزين. عام 2007 أعلنت نيتها دخول قطاع الطاقة النوويّة، وهي تملك 1% من شركة Areva التي تعدّ الأكبر عالمياً في هذا المجال.
تعمل في آسيا الوسطى، والمحيط الهادئ، وأميركا اللاتينيّة، والشرق الأوسط (تملك 30% من حصص التنقيب عن النفط في السعودية، أبرز استثماراتها يتمثل بالتنقيب في "الربع الخالي"، وتطوير مشروع "الجبيل" لإنشاء المصافي والبتروكيماويات، وتملك 19% من أسهم إنتاج حقل "الحلفاية" العراقي). ينحصر نشاطها في البحر المتوسط من خلال حصولها على امتياز البلوك 11 القبرصي، إضافة إلى توقيعها بروتوكول تعاون مع قبرص لإعداد دراسة جدوى حول مشروع بناء مصنع لإنتاج الغاز الطبيعي المسال في منطقة فاسيليكو قرب مدينة ليماسول لتصدير الغاز إلى الأسواق الأوروبية والآسيوية.
تلاحق Total مجموعة من الفضائح، أبرزها التورّط بدفع رشىً لوكلاء الطاقة في مالطا، ما أدّى إلى منع وكيلها Trafigura من المشاركة في المناقصات، ودفع 15 مليون يورو للحصول على عقد استثمار حقول النفط في باسيليكاتا في إيطاليا، واتهامها عام 2010 بتورطها في دفع رشىً للمسؤولين العراقيين، في ظل نظام صدام حسين لتأمين إمدادات النفط في خلال تطبيق الأمم المتحدة برنامج "النفط مقابل الغذاء" وصلت قيمتها إلى 10 مليارات دولار، وقد صدر حكم بحقّها عن المحاكم الفرنسيّة يقضي بتغريمها مبلغ 750 ألف يورو. إضافة إلى تعاملها مع حكومة ميانمار العسكريّة لتشغيل خط أنابيب "يادانا" للغاز الطبيعي من بورما إلى تايلاند رغم العقوبات الأوروبيّة المفروضة عليها، وهناك دعاوى قضائيّة بحقها في المحاكم الفرنسيّة والبلجيكيّة لتشغيل عمّال بالسخرة في بناء خطّ الأنابيب.
3- Nobel Energy، وهي شركة نفط أميركيّة، تأسست عام 1932، تعمل في أميركا الجنوبيّة وأفريقيا وأوراسيا والبحر المتوسط وبحر الشمال والصين. في منطقة البحر المتوسط، يتوزّع نشاطها بين إسرائيل ومصر وقبرص. فهي حصلت على امتياز حقلي "ليفياتان" و"تامار" قبالة سواحل حيفا. لديها عقود استيراد مع مصر لتصدير الغاز الإسرائيلي إليها عبر أنبوب من حقل "تامار" إلى شواطئ مصر، يقضي بتزويدها 4.5 مليارات مكعّب سنوياً من الغاز لمدّة 15 عاماً. وتستثمر حقل أفروديت بنسبة 70% بائتلاف مع Delek للحفر وAvner للتنقيب الإسرائيليتين، علماً بأن عقد الائتلاف مع قبرص ينصّ أيضاً على بناء مصنع لتسييل الغاز الطبيعي في فاسيليكو قرب مدينة ليماسول الذي أعدّت دراساته Total. اللافت أنها كانت تحتكر قطاع النفط في فلسطين المحتلة حتى كانون الثاني الماضي حينما وقّع بنيامين نتنياهو قانون مكافحة الاحتكار النفطي، ما حتّم عرض حقلي كاريش وتانين للبيع، وإجبار Delek على بيع حصّتها من حقل "تامار" وخفض Nobel Energy حصّتها (39%) في الحقل نفسه، مقابل رفع استثماراتهما في ليفياتان الذي تملك 40% منه.
تلاحق الشركة مجموعة من الشكاوى، أبرزها اتهام الحكومة الأرجنتينيّة لها بالعمل في جزر فوكلاند بصورة غير قانونيّة. كذلك اتهمتها وكالة حماية البيئة عام 2015 بتسبّب معاملها بانبعاثات مضرّة، فأجبرت على دفع نحو 3.5 ملايين دولار للولايات المتحدة، و1.5 مليون دولار لكولورادو.
أشهر المساهمين فيها وفق نيويورك تايمز: وزير الخارجيّة الأميركي جون كيري، الذي يملك أسهماً بقيمة مليون دولار. وشيلدون أديلسون (يحتل المرتبة الـ18 على قائمة فوربس لأغنياء العالم)، ويملك مؤسّسة "إيدلسون" الخيريّة التي تعدّ الأكثر دعماً لإسرائيل، كذلك فإنه رئيس مبادرة الأعمال الأميركيّة - الإسرائيليّة، (Nobel Energy عضو رئيسي فيها). أمّا وزير الخارجيّة الأميركيّة لشؤون النفط آموس هوكشتاين (من أصول إسرائيليّة)، فقد عمل قبل توليه منصبه الحالي في مكتب "كاسيدي وشركائه" الذي يمثل مصالح الشركة، ويعدّ اليوم من أبرز المفاوضين بين لبنان وإسرائيل على الحدود المشتركة.
عن "الاخبار" اللبنانية