2024-11-29 02:34 م

النصرة والقاعدة .. "طلاق" متأخر

2016-07-31
علي عبادي
تأخرت "جبهة النصرة" في فك ارتباطها بتنظيم القاعدة. عندما طـُرح الأمر عليها من قبل رعاتها الإقليميين قبل نحو عام من اجل توفير حاضنة أوسع لها محلياً وخارجياً، رفض زعيمها "أبو محمد الجولاني" الفكرة بدعوى ان ذلك لن يؤدي الا الى طلب تنازلات جديدة من قبل الأطراف الدولية، وأن ذلك سيُستتبع بدعوة "النصرة" الى المفاوضات في جنيف وغيرها، وهو ما ترفضه "الجبهة" التي ترفض العمل السياسي وترفض أساساً فكرة المشاركة في الحكم مع غيرها، والنموذج البارز هو ما تجسدُه في المناطق التي تسيطر عليها في ادلب او في ريف دمشق.

ما الذي عدا مما بدا حتى تغير "النصرة" اليافطة، وتقتنع بأن الإسم قضية هامة بالنسبة لها اليوم، ولم تكن كذلك في الأمس؟ هل ستتخلى الأطراف الخارجية عن مطالبتها بتنازلات بعدما غيّرت الإسم؟ وهل لديها مشروع سياسي يبرر تغيير الإسم؟
 للإضاءة على ملابسات تغيير الإسم، لا بد من اشارة هامة الى تغييرات في المحيط:
-          هناك تفاهم روسي- أميركي (من منطلقات مختلفة وحسابات متباينة) على ضرب "النصرة" و"داعش" بوصفهما تنظيمين يعيقان أية تسوية سياسية للأزمة في سوريا، وهذا التفاهم يتضمن تحييد التنظيمات المسلحة الأخرى عن عملية القصف ما دامت تتخذ مسافة من "النصرة" التي تتقن لعبة التخفي والتحالف العسكري وراء ومع هذه التنظيمات.

ومن المفيد التذكير بأن ضم "النصرة" الى قائمة الأهداف الإرهابية التي يتوجب ضربها هو مطلب روسي أكثر منه أميركي، ولقد ماطل الأميركيون طويلاً في الإستجابة للطلب الروسي في هذا الشأن لأنهم كانوا يرون أن للجبهة المذكورة دوراً هاماً في استنزاف الجيش السوري وحلفائه، خصوصاً في شمالي سوريا، وجاءت الاستجابة في سياق الحاجة الأميركية الى تعاون روسي للوصول الى خاتمة للأزمة السورية قد تلبي مطالب اميركية قبل انتهاء ولاية الرئيس الأميركي الحالي. وحتى الغارات الأميركية المحدودة التي استهدفت "النصرة" في فترة ماضية إنما كانت ترمي في الغالب الى ضرب قيادات للمنظمة محسوبة على الجناح الدولي في "القاعدة"، وفي الحصيلة الى تغليب جناح معين وتطويع "النصرة" لأهداف محلية في سياق لعبة مخابراتية إقليمية – دولية محسوبة.    

-          وفي تركيا، محاولة انقلاب فاشلة تنضم الى أسباب آخرى أدت قبلها الى تقارب روسي – تركي من شأنه أن يسهم في قطع الطريق على "النصرة" في شمالي سوريا، بعدما كانت تركيا ولسنوات عدة ممراً هاماً لأنواع الدعم والمساندة لكل التنظيمات العاملة ضد الدولة السورية.
-          وفي الأردن، تم مؤخراً اطلاق اثنين من اكثر مشايخ "السلفية الجهادية" تأييداً للنصرة وهما "عمر محمود عثمان- ابو قتادة" و"عصام البرقاوي- أبو محمد المقدسي"، والإثنان باشرا تغريدات ترى أن لا ضير في انفصال "النصرة" عن "القاعدة" لتوفير مصالح أكبر ( مفارقة أن يحلق خارج السجن متهمون بمساندة الإرهاب ويغردوا دعماً لقضية تتعلق بمنظمة تصنف "ارهابية").

-          ومن جنوبي سوريا، ثمة تقارير يُعتدّ بها عن جلاء مجموعات من "النصرة"، لإفساح المجال – كما يبدو – أمام راحة أميركية أكبر في التحرك انطلاقاً من الاردن في اتجاه سوريا، بذريعة ضرب تنظيم "داعش". يأتي ذلك بعدما أصبح تعاون تركيا العسكري مع الولايات المتحدة انطلاقاً من قاعدة انجرليك محل تساؤل بفعل الإتهامات التركية لواشنطن بالتآمر او تغطية المتآمرين للإطاحة بحكومة حزب العدالة والتنمية.

          هذه بضعة متغيرات تشي بأن الأرضية الإقليمية الداعمة التي كانت الجماعات المسلحة في سوريا تستند اليها تتغير. لكن فكرة ان تغيير اسم "جبهة النصرة" الى "جبهة فتح الشام" لا تبدو خلاقة أكثر من الاستغناء عن اسم القاعدة في سوريا في الفترة الماضية الى اسم النصرة. فلقد حاول القيمون على هذا التنظيم أن يستوطنوا في البيئة السورية ويتماهوا معها من دون تغيير أجندتهم المعروفة. وكما كان سهلاً على "الجولاني" ان يخلع بيعة البغدادي بعدما أحس بنوع من التمكين في سوريا ولجأ مضطراً الى مبايعة الظواهري للتخلص من شبح الأول، يسهل عليه الآن ان يكررها مع الظواهري، وهذه المرة بمباركة من الأخير الذي لم يعد يملك أن يرفض هذا التوجه بعدما زين له المزينون ان وراء الامر "مصلحة للإسلام والمسلمين"، وفق أدبيات "القاعدة". وكان الظواهري نفسه قد رفض هذا التوجه من قبل، معتبراً أنه تنازل ستتلوه تنازلات.

اذن، أين القطبة المخفية في الأمر، وكيف نجحت اطراف خليجية في إقناع القاعدة والنصرة في التفاهم "حبياً" على الإنفصال، على الأقل أمام الملأ؟
الواضح أن "النصرة" و"القاعدة" ليسا بعيدين عن اتصالات إقليمية ودولية لتحييد "الجبهة" عن غارات تستهدف مواقعها في سوريا باعتبارها تنظيماً إرهابياً. واحتجاج الجولاني في بيان الإنفصال بـ"دفع ذرائع المجتمع الدولي" يبيّن صلب الموضوع. وهو يبحث عن التحام مع التنظيمات الاخرى التي لا شك أنها تجد الآن ان التحالف مع النصرة أكثر كلفة من ذي قبل، في ضوء التفاهمات المعقودة بين أطراف عدة خارجية سياسياً وعسكرياً في اتجاه تقريب نهاية الأزمة السورية.

قرار الإنفصال تمت التهيئة له إعلامياً على مدى أيام، لكنه كان واضح الخلفيات والملامح والأهداف الى حد كبير، وفائدته المرجوة في ظل الأوضاع الراهنة لم تعد كما كانت ترتجى. على الأقل، هكذا يبدو الوضع الآن. وهذا يتوقف الى حد كبير على طبيعة اتجاهات البيئة المحلية والاقليمية التي تشهد حالياً متغيرات لغير مصلحة الجماعات التكفيرية، بالتزامن مع اندفاعة متجددة للجيش السوري وحلفائه في جبهات عدة.
عن موقع "العهد" الاخباري