2024-11-27 10:50 م

موقع «المصدر» الإسرائيلي «مهنة» دس السم في العسل

2016-07-30
بيروت حمود
«سعد الحريري في تل أبيب؟»، «لماذا صرخ مصلون يهود الله أكبر؟»، «الإسرائيليون يتبرعون لشباب غزة عبر الإنترنت». عناوين كثيرة من هذا النوع لا يمكن عدّها في موقع إسرائيلي واحد، بل يستحيل عدم التوقف عندها وتجنّب قراءتها.

من اختار هذه العناوين يعرف جيداً أي «طعم» يحفز المتصفح العربي ليتابع القراءة، وقد يتابع الأخير، ويتابع... حتى يقع في «المصيدة» ويصير يتقبّل «وجهة النظر الأخرى».
«الصياد» المذكور ليس سوى موقع إخباري إسرائيلي ناطق باللغة العربية، هو «المصدر»، ويذيّل اسمه بعبارة «الأقرب إلى الحدث الإسرائيلي». يعمل هذا الموقع من إسرائيل، مؤلفاً من طاقم مؤسّس من اليهود والعرب، تترأسه في التحرير الصحافية الإسرائيلية شميريت مئير، ومدير إنتاجه فلسطيني من إحدى المناطق المحتلة عام 1948 اسمه عامر دكّه، أمّا الفلسطيني الثاني فهو عبود عبود بصفة محرر، والثالث هو علي واكد بصفة صحافي، وأخيراً الصحافيان الإسرائيليان هداس هروش ويوؤاف شاحام.
لا يترك الطاقم المذكور «حيلة» تعتب عليه، محاولاً بكل خبر بث مضامين سياسية تهدف إلى كيّ وعي القارئ العربي، وإقناعه بأن إسرائيل ليست عدواً، بل «دولة العيش المشترك والسلام والمحبة»، والساعية إلى فتح أبواب التعاون مع الجيران العرب، حتى لو كان الدم يسيل إلى الركب في الشوارع.
يعنى «المصدر» بالأخبار الإسرائيلية على وجه الخصوص، لكنه لا يهمل المسائل الإقليمية الساخنة في الشرق الأوسط. ويطمح طاقم الموقع إلى «خلق حوار متوازن حول إسرائيل والمسائل الإقليمية في الشرق الأوسط، وإلى طرح نواح مختلفة عنها». هكذا يعرّف نفسه، قبل أن يضيف أن طاقمه «يحرص على التميّز في انتقاء القصص الإخبارية وغير الإخبارية عن إسرائيل وخارجها، مقتنعاً بأن كثيراً منها لا يصل إلى القارئ العربي وأنه يلتزم بالتغطية المتزنة، الموثوق بها والنزيهة».
في التقصّي حول الجهة التي تقف وراء «المصدر»، قالت مصادر من فلسطين المحتلة، لـ«الأخبار»، إن «هذا الموقع هو واحد من سلسلة مواقع إلكترونية شبيهة به من حيث المضامين، وتتبع لأحد أقسام وزارة الخارجية الإسرائيلية التي تشرف عليه وتموّله، لكن "المصدر" هو الركيزة الأساسية فيها». ويضيف المصدر نفسه أن لجهاز الأمن الإسرائيلي الداخلي (الشاباك) علاقة بالطاقم، وأنه يراقب المضامين التي ينشرها الأخير، ويحرص على أن تخدم الأجندة الخاصة به.

ورغم إعلان «المصدر» أسماء موظفيه، من المستحيل أن يشارك أحدهم مقالاته وتقاريره الصحافية على صفحته في موقع «فايسبوك» أو «تويتر»، وهو ما يشير إلى أن الجهة التي تديرهم ربما قد أعطتهم أمراً بذلك حرصاً على إخفاء أي دليل حسي يكشفهم. وهذا الموقع، كما تؤكد المصادر نفسها، يهدف إلى «تسويق مواد سياسية بالدرجة الأولى، ونشر مضامين مضللة لإقناع الرأي العام العربي بها، كما يتفرغ كل موظف في الطاقم لكتابة موضوع واحد على الأقل في اليوم، مع رواتب عالية جداً».
من أين يأتي «المصدر» بأخباره «الموثوقة»؟ بناءً على المعلومات التي وصلت «الأخبار»، تبين أن هناك «نبعاً» إخبارياً خاصاً لهذا الموقع. فعدا عن العاملين فيه، ووكالات الأنباء المحلية والعالمية، والأحداث اليومية التي يحوّلها أي موقع إخباري إلى مواد صحافية، نجد مواد «خاصة وقوية». بعد البحث، اتضح أن هناك منظمة تعليمية أميركية تأسست في عام 2003، تعرّف عن نفسها بأنها غير حزبية، هذه المنظمة هي (The Israel Project (TIP، وتعمل على تقديم المعلومات حول إسرائيل والشرق الأوسط إلى وسائل الإعلام والرأي العام.
وتقدم (TIP) إلى المواقع الإخبارية المنضوية تحت «لوائها»، ومعهم أصحاب الشأن (كما يأتي في صفحتها التعريفية)، معلومات و«حقائق» مفصلة ودقيقة، عن القضايا التي تؤثر في إسرائيل والشرق الأوسط، و«الشعب» اليهودي ومصالح أميركا في المنطقة. وهو ما يشير إلى ارتباطها الوثيق بجهات مخابراتية إسرائيلية وأميركية تمدّها بالمعلومات.
ليس هذا فحسب. فـ«TIP» التي تقول إنه «ليس لها صلة بأي حكومة»، تقدم إلى المواقع الإلكترونية، إلى جانب المعلومات، صوراً وخرائط و«الحقائق» في صوت وصورة، مع الرسوم وإمكانية الوصول المباشر إلى صانعي الأخبار. كذلك تنظّم المؤتمرات الصحافية والجولات والرحلات التعليمية، وتدعم الصحافة غير الربحية، ولها «أبحاث تتعلق بالشأن العام».
وبما أن المنظمة لديها أكثر من مليون ونصف مليون متابع عربي على «فايسبوك»، قررت إنشاء موقع «المصدر» في تاريخ 11 تموز 2013، وهو أمر يظهره موقع WHOis.net، الذي يمكّننا من معرفة تاريخ انطلاق أي موقع إلكتروني على الشبكة العنكبوتية، وتاريخ انتهائه، واليوم الذي أعلن فيه صفحته.
وافقت المنظمة الأميركية على دعم «المصدر» كونه يقدم الأخبار العاجلة والتحليل والتعليقات على الواقع السياسي والإقليمي ومقالات الرأي. ولأنه «بخلاف» الغالبية العظمى من المواقع الإخبارية في العالم العربي، يقدم «صورة متوازنة وصادقة» عن «الشعب» اليهودي وإسرائيل، ويلقي الضوء على «الحقائق والقضايا التي لا تتم تغطيتها في العالم العربي، ويدعو إلى التعايش والسلام والتطبيع وحقوق الإنسان والديموقراطية».
بصورة عامة، من يتصفّح «المصدر» يلاحظ اختفاء الإعلانات التسويقية، باستثناء إعلانات «Google» التي تظهر في مواقع إلكترونية كثيرة. أمّا التصميم المريح واللافت الذي يتميز به، فهو من إعداد شركة «RGB» المتخصصة في تطوير خدمات الصحافة وطريقة عرض المحتوى على وسائل الإعلام الجديدة.
بالعودة إلى طاقم الموقع، نجد أنهم يعملون بالأسلوب نفسه، وأيضاً يعالجون الملفات نفسها، وفق سياسة تحريرية واحدة تتميز بامتصاص الصدمة والنفس الطويل، خصوصاً في معالجة الأحداث والتوترات الأمنية، كما لا يغفلون هوامش الخبر، بل يصير (على سبيل المثال لا الحصر) ثراء قرينة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مهماً كخبر الانقلاب العسكري نفسه، كما تصير موافقة إسرائيل على تسمية الشوارع في المناطق المحتلة عام 1948 بأسماء شعراء فلسطينيين خبراً لا يرتبط بهوية جمعية يناضل السكان الأصليون للتمسك بها، بقدر ما يرتبط بمشكلاتهم اليومية كـ«مواطنين»!
إذن، ليس هناك من هو متخصص في شؤون الشرق الأوسط حصراً أو الشأن الإسرائيلي أو المنوعات ضمن الطاقم، بل يبدو كأن شروط القبول للعمل في «المصدر» (عدا الأسرلة وخدمة الأجندة الإسرائيلية) المعرفة الواسعة بالحقول السياسية والأمنية والاجتماعية وحتى الاقتصادية والانثروبولوجية والدينية والروحانيات، وأيضاً المتابعة الحثيثة ورصد وسائل التواصل الاجتماعي، ومتابعة الصحف ووسائل الإعلام، ومعرفة أكثر من لغة، إلى جانب الاطلاع على الفن والثقافة والعلوم الاجتماعية.
رغم ذلك، يمكن استثناء الصحافي علي واكد، المختص، كما يظهر من عناوين أخباره، في ملف المنظمات والحركات الفلسطينية أكثر من غيره، كما نجد أنه على صلة بمسؤولين (أو أشخاص) في السلطة وفصائل فلسطينية، يمدّونه بدورهم بالتصريحات الخاصة والمعلومات.