2024-11-29 05:30 م

تركيا ترفع يدها عن سورية... وحل الأزمة يبدأ مطلع الشهر القادم

2016-07-29
كتب الدكتور خيام الزعبي
المتتبع لأحداث الشرق الأوسط لا بد أن يلاحظ أن أمريكا جلبت كافة الدول الحليفة لها لمقارعة ومحاربة سورية، مرةً بحجة إرساء الديمقراطية، ومرة بحجة محاربة داعش، ببساطة شديدة ما أن بدأت الأزمة السورية حتى بدأت ملامح الإستراتيجيات الإقليمية والدولية تتضح شيئاً فشيئاً من سورية، فرسمت تركيا رؤيتها لتحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية من خلال سياساتها المتهورة في دعم المسلّحين والمتطرفين في سورية، أما أمريكا فذهبت في اتجاه إطالة أمد النزاع وذلك من أجل تركيع سورية وإضعاف مقدرة الجيش السوري ضمن محاولات فك التحالف الإستراتيجي الذي يربط سورية مع محور المقاومة ضمن مخطط يضمن للغرب تأمين أمن اسرائيل. اليوم وبعد مرور أكثر من خمس سنوات من ممارسة تلك الأساليب الملتويه والتي إعتمدت لها أموالاً طائله للوصول الى الهدف الرئيس ألا وهو تقسيم سورية وإسقاط النظام هناك، كانت تركيا صاحبة الحضور الأبرز فيها والمدبر والممول لمعاركها والمستفيد الأول من نتائجها، كونها تمارس تأثيراً قوياً على المعارضة المسلحة وتدعم جماعات متطرفة تعمل تحت واجهات إسلامية إذ تزود مقاتليها بالمال والسلاح، في هذا الإطار أجمعت مختلف وسائل الإعلام العالمية على أن التنظيمات الإرهابية المتورطة في إرتكاب أبشع الجرائم في سورية تستمد تمويلها ودعمها من تركيا وحلفاؤها إذ أن أكثر من90% من الإرهابيين الأجانب تدفقوا إلى سورية والعراق عبر حدودها المتراخية وتحت إشراف ومتابعة الإستخبارات التركية -الغربية. في هذاالسياق فإن التوقعات التي خططت لها تركيا وحلفاؤها جاءت في غير صالحهم، لو تابعنا المسار الذي رسمته تركيا في سورية والتي وضعت به كل إمكاناتها، نجد بأنها خسرت رهانها لذلك نرى إن سياسة أنقرة تجاه سورية في حالة يرثى لها وتعاني من ضربات مستمرة، فاليوم هناك فارق هائل في قراءة المشهد السوري، إنطلاقاً من وقائع الميدان، فبعد سيطرة الجيش السوري على مجمع وطريق الكاستيلو بريف حلب الشمالي بشكل كامل، بالإضافة الى المناطق المجاورة له بدت المسألة أقرب الى الحسم النهائي من أي وقت آخر، بذلك تبدو تركيا المتضرر الأكبر وهي تراقب إعادة تشكيل المنطقة على وقع تنسيق روسي ــــ أميركي، وتسوية إيرانية ــــ أميركية، وتطورات ميدانية قلبت الموازين على الأرض السورية. تسير أنقرة على رمال متحركة فى المنطقة، ليس هناك سبب واحد وراء هذا، بل هناك أسباب عديدة متشابكة، أهمها، وقوعها تحت ضغط الإتحاد الأوروبي، بعد صعود اليمين فى أوروبا ونجاحه فى محليات فرنسا (الجبهة الوطنية)، بالإضافة الى الضجر الأمريكي الواضح من سياسات أردوغان في سورية ومساعدته الإرهابيين عبر حدود تركها المفتوحة، ومطاردته الوحشية للأكراد فى تركيا والعراق وسورية، فضلاً عن موقف أردوغان المخجل من قضايا الديمقراطية وحرية التعبير في تركيا مما جعلها تعيش في عزلة، لذلك كان التقارب التركي مع كل من روسيا وإسرائيل، والعمل على تعديل سياستها في سورية والعراق والتصريحات الأخيرة التي جاءت من أردوغان ورئيس وزراءه: "إننا نعمل على زيادة أصدقائنا والتقليل من أعدائنا"، و "إن هناك تغييرات شاملة في السياسات الخارجية"، أكبر دليل على ذلك. بالتالي إن حديث تركيا وبعض حلفاؤها بقرب إنتهاء الأزمة السورية يشير الى سعيها للخروج من المستنقع السوري لدوافع عدة، ربما أبرزها المقاومة التي يظهرها السوريون وحلفاؤهم ضد القوى المتطرفة والتي سمحت لهم بالمبادرة في الهجوم حيث بات الجيش السوري يسيطرعلى مناطق واسعة كانت تحت سيطرة داعش، ما يعني فشل الأهداف الإستراتيجية التي وضعتها تركيا وحلفاؤها لعدوانها حيث ما زال الجيش في أوج قوته بينما تعجز المجموعات المتطرفة عن تأمين المناطق المتواجدة فيها، لا سيما في حلب. لذلك لم تعد حلب أولوية تركيا، خاصة بعد التدابير التي إتّخذها أردوغان للإنتقام من منفّذي محاولة الإنقلاب الفاشلة عليه في 15 تموز الحالي، وإهتمامه بالشأن الداخلي لبلاده "مقاومة عدوه في الداخل التركي" مما أضعف المعارضة المسلحة التي كانت تعتمد على المؤازرة والدعم منه، فضلاً عن سحب الحكومة التركية كل ضباط مخابراتها الكبار الذين كانوا يعملون وينسقون مع فصائل المعارضة في منطقة حلب وريفها كمقدمة لتغيير كبير في الموقف الرسمي التركي تجاه الملف السوري التي ستظهر مؤشراته في الايام القليلة المقبلة، وإنطلاقاً من ذلك تدخل حلب حالياً في إطار المفاوضات مع روسيا لحصول واشنطن على مكاسب في أماكن أخرى مقابل التخلّي النهائي عنها، في هذا الإطار، بدأت كل من سورية وإيران وروسيا وحزب الله في لبنان يعدّون العدة للسيطرة النهائية على أحياء مدينة حلب وبعض أريافها مستغلين الجو الإقليمي – الدولي المساعد، وقبل وصول إدارة أميركية جديدة قد تعرقل هكذا حسم وانتصار، لذلك ليس أمام القوى المتطرفة والمجموعات المسلحة الأخرى خيارات سوى الإنسحاب أوالفرار الى من حيث أتوا. وعلى صعيد متصل أعلن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، على هامش إجتماع لدول جنوب شرق آسيا في لاوس، بأن هناك خطوات حاسمة بشأن ملف الأزمة السورية ستعلن مطلع الشهر القادم، وقال في تصريحات له ، بعد اجتماعه مع نظيره الروسي سيرجي لافروف: "لافروف وأنا سنلتقي في اجتماعات مقبلة لمناقشة المخاوف من الخطة السورية"، ومن جهته، قال لافروف: "اللقاء مع كيري تطرق لما ينبغي فعله من أجل تطبيق الاتفاقات بشأن سورية على الأرض"، ولا ننسى هنا تهافت الغرب الاوروبي ومعه امريكا للتواصل والانفتاح على سورية بهدف التنسيق في محاربة الارهاب الذي استُجلِب الى سوريه، إضافة الى وفود ورسائل أمريكية بالاستعداد للتعاون مع سورية لتنتفي القطيعة مع الدولة السورية، خاصة بعد الحضور والدعم الروسي الذي قلب المشهد سياسياً وعسكرياً في سورية رأساً على عقب لاغياً نظام الأحادية في العالم. مجملاً....من الطبيعي أن تفشل تركيا في سورية، و لعل أنقرة قد إكتشفت مؤخراً أن صعود الشجرة السورية ليس سهلاً، لذلك بدأت البحث عن مخرج من الوضع الصعب التي وجدت نفسها فيه خلال السنوات الأخيرة،في إطار ذلك لم يبقى أمام أردوغان لإنقاذ ما يمكن إنقاذه إلا أن يتراجع في سياساته الداعمة لداعش وأدواتها، والإنخراط في التسويات والترتيبات الإقليمية والدولية التي تهدف لمواجهة الإرهاب من خلال وقف الدعم اللامحدود الذي تقدمه للتنظيمات المسلحة و وقف تدخلها في الشؤون الداخلية السورية.
khaym1979@yahoo.com