القدس/المنـار/ يلف المحاولة الانقلابية في تركيا غموض كبير، والتكهنات بطبيعة وحقيقة ما حدث، لم يقطع باليقين بعد، غير أن هناك مؤشرات وعناصر بعضها يصل حد الشواهد تفتح الباب واسعا أمام تتبع أحداث ليلة الانقلاب، والأجواء التي سبقتها، فهناك استنادات، لا يمكن تجاهلها، لما لها من ارتباط بالمحاولة الانقلابية التي أحدثت شرخا بين الجيش والشعب، وداخل الجيش نفسه، لكن، اسرار المحاولة الانقلابية كثيرة ومحيرة لها من الابعاد والتداعيات الكثير، قد تترتب عليها عواصف أشد حدة من الانقلاب الذي أحبط بعد ليلة عاصفة هوجاء ضربت أرجاء تركيا، وأحدثت اهتزازات اقليمية ودولية.
سبقت المحاولة الانقلابية أجواء تذمر في صفوف القوات المسلحة التركية بأسلحتها المختلفة، ورفعت خلالها تقارير الى المستوى السياسي، والمتحكم فيه الرئيس رجب أردوغان، فحواها، عدم الرضى عن سياسات أردوغان اتجاه حزب العمل الكردستاني والاكراد بشكل عام والتدخل الكبير والمباشر في سوريا، ودعم أنقرة للارهاب، الذي ارتد على تركيا نفسها، اضافة الى تخوف قطاعات كبيرة من حدوث تدهور في الوضع الاقتصادي، وهناك، تقارير مرفوعة تحدثت عن تواجد ارهابي صعب على الاراضي التركية، بفضل رعاية النظام للعصابات الارهابية، وبأن هناك خشية من تحول الساحة التركية الى ميدان للارهاب قد يقوض أركان الدولة.
هذه التقارير جميعها، تحذر من بين السطور من تسلط أردوغاني قادم وتحكم في سياسات الدولة، دون الرجوع الى المؤسسات الدستورية، وسعيه الى حكم رئاسي يمسك من خلاله بكافة السلطات في البلاد.
وسبقت المحاولة الانقلابية، تخبط أردوغاني ازاء العديد من الملفات الاقليمية والداخلية، وتدهور في علاقات انقرة، مع دول مؤثرة في الاقليم، رافقه استياء اوروبي أمريكي من سياسات اردوغان، وعدم تماهيه ما ما يرسمه الغرب تماما، كما هو حاصل بين واشنطن والرياض، وكلتاهما أنقرة والرياض ذهبتا بعيدا في علاقاتهما مع اسرائيل ردا على عدم الرضى الامريكي على سياسات النظامين التركي والوهابي السعودي، ووصفهما من جانب المؤسسات الاعلامية الغربية بـ "الولدين الضالين"، وهذا كان له أثر كبير على أردوغان الذي وجد نفسه، خارج دائرة التحكم في الملفات الاقليمية وتنفيذ خطوات تزيد النار اشتعالا، دون التشاور مع حلفائه، وفي مقدمتهم الجانب الامريكي، ومع التطورات في الساحة السورية المعاكسة لأهداف المؤامرة والمتآمرين على الشعب السوري، ووقوفه علانية وبالسلاح ضد الرغبات الكردية، وتحالفه مع داعش ضد الاكراد وتعاونه مع مشيخة قطر في دعم المجموعات الارهابية ضد مصر، وجد أردوغان نفسه أمام حائط صلب، يحد من تهوره في البحث عن الطريق الموصل لتحقيق الحلم العثماني، وتنصيب نفسه سلطانا على المسلمين، ومن هنا محاربته للدولة المصرية، ورعايته للارهاب لتدمير الساحات العربية، مستخدما في ذلك ايضا جماعة الاخوان المسلمين، فهو يرى في نفسه وحزبه جزءا من الجماعة المذكورة.
اذا، هناك تراجع في تأييد الحلفاء لأردوغان، وارتداد ارهابي يضرب الاراضي التركية، وفشل سياسات أردوغان ضد الدولة السورية، وتصاعد المقاومة الكردية ضد نظامه، مع وجود تململ في صفوف الجيش التركي، ليست أجهزة اردوغان الاستخبارية بعيدة عن العلم به وادراكه، وبدلا من أن يتجه أردوغان الاستخبارية بعيدة عن العلم به وادراكه، وبدلا من أن يتجه أردوغان للنزول عن الشجرة زاد من تماديه، وذهب الى حد حجب مواقع التواصل الاجتماعي، وراح يتصرف كسلطان هو الامر والناهي، وغير آبه للمتغيرات والمعادلات التي تبنى في المنطقة، عداء لسوريا والعراق وروسيا، يقابله تماديا في دعم العصابات الارهابية، وتحالف الضعيف الخائف مع اسرائيل، واختراق الساحة الفلسطينية عبر حركة حماس وجماعة الاخوان، ليمسك بالورقة الفلسطينية، واستخدامها في التغطية على أهدافه الخبيثة، وفاتحا الابواب أمام المملكة الوهابية السعودية ودول الخليج للتطبيع مع اسرائيل في كل الميادين، ومن هنا كان الاتفاق التركي الاسرائيلي الذي تم التوقيع عليه بين الجانبين.
وقعت المحاولة الانقلابية في ظل هذه الاجواء، وكان اردوغان خارج استنبول وأنقرة، فهل هذه صدفة؟! ونزل المواطنون الى الشارع على الفور ضد الانقلابيين، فهل هذه ايضا صدفة؟! وحسب الروايات التركية، شاركت جميع اسلحة القوات التركية في المحاولة الانقلابية، فهل فشل الانقلاب صدفة؟! ثم أن الانقلابيين لم يتوجهوا الى القصور الرئاسية، فهل هذه صدفة؟! وبعد ساعات من المحاولة، خرج أردوغان ليعلن فشل الانقلاب، بعد أن طلب من المواطنين الخروج الى الميادين والشوارع، ولوحظ خلال ذلك، أن مجموعات كبيرة تحمل السلاح، بلباس مدني، في تحد وتصد للانقلابيين، وكأن كل شيء معدا سلفا، ولعبت أجهزة الاستخبارات دورا كبيرا في افشال المحاولة الانقلابية، وذهبت هذه الأجهزة بسرعة البرق الى قوائم يبدو معدة قبل الاحداث، لاعتقالهم، وحسب ما نشر في تركيا، فان اعدادهم بالالاف من العسكريين من كافة اسلحة الجيش، ولم ينج من ذلك، سياسيون وقانونيون، وحسب دوائر سياسية، فان ما شهدته تركيا وما تزال وبعد فشل محاولة الانقلاب هو تصفية حسابات واسعة وتطهير واسع تحت يافطة "المشاركون والداعمون للانقلاب" تطهير طالما تمنى أردوغان حدوثه، فجاءت المحاولة الانقلابية فرصة لاردوغان لتعزيز حكمه، وترجمة رغباته، لكن، السؤال، هل هذه الفرصة، خطط لها؟! هذا هو التساؤل المطروح على طاولة العديد من دوائر الحكم في بلدان كثيرة!! بمعنى أوضح، هل المحاولة الانقلابية بتدبير من أردوغان نفسه، بالتعاون مع مريديه في أجهزة الاستخبارات ومستشاريه المقربين جدا، لافشال أية مخططات قد تستهدفه مستقبلا، ومواجهة أية مطالب، بانجاز تحالفات مع قوى سياسية أخرى، ما يزال أردوغان يرفضها، منذ اجراء الانتخابات التي أعادها ثانية.
صحيح، أن الشعب نزل الى الميادين والشوارع رفضا للانقلاب، لكن، هذا النزول هو رفض جماهيري لحكم العسكر، وويلات الانقلابات التي شهدتها تركيا على مر السنين، ولا يعني ردة فعل الشعب أن ذلك، تأييدا وحبا بأردوغان، وانما كرها لحكم العسكر، كذلك، أعضاء وانصار حزبه "العدالة والتنمية"، وهو نسخة من جماعة الاخوان المسلمين، هم الذين نزلوا الى الشوارع، وأخذوا يكبرون في المساجد، وهذه طريقة اخوانية، معروفة.
وتقول دوائر سياسية ، أن المحاولة الانقلابية التي شهدتها تركيا، هو سيناريو مدروس بدقة، نفذه جهاز الاستخبارات، عبر بعض الضباط والجنرالات، انساق وراءهم، كما يساق المنتحرون مجموعات من اسلحة الجيش المختلفة.. فكانت المحاولة الانقلابية التي ووجهت بردود فعل هي من ضمن السيناريو.. وهنا يكون اردوغان قد عزز حكمه، وفشل المحاولة زادت من تسلطه، وهو يرى الان، بان النتائج ستوصله الى حفل تنصيب نفسه سلطانا عثمانيا يتباهى متبخترا بين حملة "الصولجانات"، سلطان عثماني جديد، يبحث عن تدمير دول وأدوار ليبقى وحده في ساحة الاقليم، يمد يديه، واحدة نحو تل أبيب، والثانية نحو واشنطن حاكم مطلق "للسنة"، وأداة في يدي العاصمتين لمحاربة ايران والمقاومتين الفلسطينية واللبنانية، وازالة دول من الخارطة.
والسؤال، هنا، هل سيقبل الشعب، والتيارات السياسية، بتحقيق أردوغان لاحلامه؟! وكما يقول أردوغان أن الشعب أفشل الانقلاب، فان الشعب نفسه، اذا لم يعيد رئيس النظام التركي تقييم سياساته، سيطيح به، رافضا الظلم والاستبداد، وجر بلدهم الى حروب مع دول الجوار.
ان المتتبع لما حدث في تركيا، يلاحظ بقوة، أن عناصر الأمن بالزي المدني فورا ظهروا فجأة في الشوارع واقتادوا الجنود باذلال كبير، بمعنى أن ما جرى، حلقة من حلقات السيناريو الاردوغاني، فهؤلاء التحقوا بالمحاولة الانقلابية المدروسة، وسلموا أنفسهم لهذه المجموعات الأمنية طواعية، وكأن هذه المجموعات لها دورها المطلوب منها، دون أن يعلموا بالحقائق المخفية، كذلك النزول الى الشوارع والميادين، كان ضعيفا، وبأعداد اعتيادية، وتضخيمها مجرد خداع لا أكثر، وكثيرة هي الدوائر التي ترى في المحاولة الانقلابية، استنادا الى عناصر وعوامل عديدة، هي بفعل اردوغاني، للبدء في عملية تطهير واسعة داخل الشارع التركي وفي صفوف الجيش، وكانت اللوائح والقوائم معدة سلفا للاعتقال، وغالبية المشاركين في المحاولة هم كالانتحاريون غسلت أدمغتهم، ولا يعرفون حقيقة الأمر، وما يجري "فوق" كما يقول المثل، لذلك، هناك علامات استفهام كبيرة حول الانقلاب، ولماذا كان أردوغان خارج استنبول وأنقرة مختبئا، لحظة وقوعه!!