2024-11-29 08:28 م

أردوغان، وليلة لن تنتهي...!!!

2016-07-16
كتب سمير الفزاع
لم يكن ما حدث في تركيا أمرا سهلاً يمكن "مسح" نتائجه بمجرد عودة أردوغان إلى قصره... فشل الانقلاب –إن تم ولم يتطور لانقسام- يرتبط بعدة أمور أساسية "غفلت" عنها قيادة الانقلاب: * أسباب داخلية: 1- لمن يتذكر حوادث ميدان تقسيم، ظهرت في تلك الفترة جماعات مسلحة بالهراوات والأسلحة النارية تتبع لحزب العدالة والتنمية، وكان لها دور كبير في وأد تحرك تقسيم حينها، وهي تشبه إلى حدّ بعيد ميلشيا مسلحة تتبع لحزب العدالة والتنمية، ومثل هذه المليشيا تصاعد نفوذها منذ تلك اللحظة وتوسع انتشارها بفعل انتشار "المدارس الدينية" والتي خرجت ألآف الطلبة المؤيدون لاردوغان وحزبه... وهؤلاء لن يتخلوا عن السلطة إلا ببحر من الدماء حتى وإن نجح هذا الانقلاب أو غيره. 2- كان واضحا أن هناك نقص كبير في عدد القطاعات المشاركة في الانقلاب، ما سمح ببقاء عدد كبير من المؤسسات الحكومية والعسكرية والحزبية والإعلامية ومسئوليها طلقاء أحرار في حركتهم وتنقلهم وتصريحاتهم... كما أعطى حزب أردوغان الفرصة لاستنفار مناصريه عبر مكبرات الصوت في الجوامع ووسائل التواصل الاجتماعي التي فشل الانقلابيون بالسيطرة عليها... وهكذا أصبحت السيطرة على المؤسسات الحساسة بأكملها متعذرة، والإمساك بالشارع غير متاح إلا باستخدام فعلي للقوة النارية لتعويض النقص العددي الواضح. 3- كان لجهاز المخابرات التركية بقيادة الشريك القوي لاردوغان حقان فيدان، دور حاسم في إحباط محاولة الانقلاب، وهو من يدير فعلا تركيا الآن... كما كان المهندس الحقيقي لعملية "إعادة تأهيل" الجيش التركي وتوزيع نقاط قوته وانتشاره بما يناسب مصالحه ومصالح أردوغان وحزبه... بحيث لا قوات حقيقة للجيش في أنقرة واسطنبول... وإيكال أمر امن العاصمة في العاصمة والمدن الكبرى للمخابرات التركية والجندرمة والقوات الخاصة، وهي القطاعات التي بقيت وفيّة للسلطة. 4- خوف القوى السياسية المعارضة، وقطاعات واسعة من المؤسسة العسكرية من مغامرة قد تدخل تركيا إلى دوامة العنف التي تجتاح المنطقة، وتحديدا جيران تركيا في سورية والعراق، خصوصا وان تركيا تخوض حرباً مفتوحة مع الأكراد والإرهاب والمهاجرين والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتفجرة... كما أن لتعطيل الحياة السياسية –وهو إجراء روتيني في كل الانقلابات التركية- سيدفع حتى خصوم أردوغان في الشارع التركي والقوى السياسية إلى معارضة الانقلاب أو عدم المبادرة تأييده في الحد الأدنى. * أسباب خارجية: 1- ليس في مصلحة واشنطن التخلي عن أردوغان، على الأقل في هذه اللحظة الفاصلة من حياة إدراة اوباما من جهة، والتطورات المتسارعة في الميدانين السوري والعراقي من جهة ثانية، وحالة الضعف العسكري والسياسي التي تعاني منها واشنطن في عموم الإقليم من جهة ثالثة. 2- أي حالة فوضى تجتاح تركيا نتيجة للتأخر في الحسم سواء لمصلحة الانقلاب أو أردوغان، يعني فتح الباب لبركان على أبواب أوروبا، وما يعنيه ذلك من تدفق لملايين اللاجئين، وموجات من الإرهابيين... إلى أوروبا، وخطر داهم على قواعد النيتو في تركيا، وخلل كبير في عامود تركيا الفقري الذي أتاح بقائها موحدة حتى اللحظة، المؤسسة العسكرية... وهذا ما خسره الانقلاب عندما لم يحكم سيطرته سريعا على الأوضاع، وما ربحه أردوغان عندما امتص صدمة المفاجئة وعاد ليمسك بالأوضاع ولو بالتدريج... فمن غير المسموح الدخول في حالة الفوضى والفراغ في هذا البلد المهم والخطير. 3- مثّل أردوغان شريك من طراز خاص للمحميات الاستعمارية في المنطقة، وتحديداً في جزيرة العرب والكيان الصهيوني في فلسطين، وكلنا يعرف عمق التشابك بين أجهزة المخابرات في هذه المحميات وتحديداً في كيان العدو مع المخابرات التركية، صاحبة اليد الطولى في "إفشال الانقلاب". * كلمة أخيرة: وبصرف النظر عن الرأي الذي يقول بأن أردوغان وحلفائه الدوليين وفي الداخل التركي، يسعون إلى إعادة إنتاج نظامه بعملية "مضبوطة" –حتى بخداع بعض من توهموا بإمكانية نجاح الانقلاب من القائمين عليه- أفضل بألف مرة من قيام انقلاب فعلي قد يكتب له النجاح، أو قيام اضطرابات شعبية قد تسقط أردوغان أو تدخل تركيا في مصاف الدول الفاشلة بأضعف تقدير... أردوغان، صاحب صورة الحاكم المطلق قبل الانقلاب لن يكون كذلك بعده، حتى وإن فشل. والجيش التركي الذي بدا وكأن أردوغان قد روضه بمساعدة واشنطن لن يعود كذلك، حتى وإن خسر هذه الجولة. وتركيا، صاحبة المشاريع والرؤى للمنطقة، أصبحت بحاجة إلى مشروع ورؤيا جديدة وإلا دخلت في نفق المجهول، والذي لن يكون إلا بوابة للتقسيم والحرب الداخلية. في كلمته للشعب التركي توعد أردوغان الانقلابيين بالحساب العسير، ولكن المنطق –إن لجأ إليه- سيحتاج منه إلى محاسبة عسيرة تبدأ به ولا تنتهي بحزبه وسياساته... لكن البصيرة غالبا ما يفتقر إليها اللصوص القتلة من مرتبة أردوغان، كيف لا وهو من ما زالت آثار قمح وقطن ومعامل ونفط ودماء أبناء سورية على يديه. لا حلّ للزعران من أمثال أردوغان إلا بقبضة "شرطي" متمكن، لحظ لن تطول... ستذكره بها دائما صورته المهزوزة والمهزومة على الهاتف الخليوي، وستكون الهاجس الذي سيطارد أردوغان فيما تبقى من حياته، بعد ليلته التي لن تنتهي.