2024-11-27 08:53 م

«والتيه والزيتون» لأنور حامد..

2016-07-02
حسن نصّور
«والتيه والزيتون» للروائيّ الفلسطينيّ أنور حامد (مواليد 1957/ رشحتْ روايته «جنين» لـ «الجائزة العالمية للرواية العربية ـ البوكر» 2015)، هي رواية إشكاليّة إلى حدّ كبير. ذلك أنها سردٌ يثير مجمل أسئلة الهوية الفلسطينية الضائعة وهواجس التشتتِ الذهني في محاولات إقامة تعريفات معقولة عن المكان والذات والأشخاص بين الداخل والخارج أو في نسيج المجتمع العربيّ الفلسطيني نفسه. ونعني تحديدا عرب الداخل بتنويعاتهم وتصوراتهم عن الآخر الفلسطينيّ من جهة والمحتلّ من جهة. قصة الروائيّ الفلسطيني منير حمدان، الشخصية الرئيسية والراوي حاملِ الجنسية البريطانية، إذ يأتي إلى فلسطين المحتلة بهدف إقامة أمسيات وتواصلٍ مع قراء الداخل، هي قصةٌ تحيل بشكل مباشر إلى سؤال التماس المباشر مع المحتل وسؤالات التعامل معه في ظرف كهذا، وبعد عقود طويلة على النكبة وتحولات معروفة أصابت الاجتماع العربيّ والفلسطينيّ. على أنها في العمق قصة تجذب أو تظهّر تفاصيل مطمورة عن تماسات عرب الداخل فيما بينهم وعلاقاتهم النمطية بالمحيط والأشياء. تفاصيل تحيل المتلقّي مرارا وتكرارا إلى سؤال الهوية الأصليّ، من جهة كون الذات العربية في الداخل تخضع بالضرورة لالتباسات الاجتماع والتحول العام في بيئة المحتل. نعني بيئة الأرض المسلوبة ومجمل التفاوتات بين أصحاب الارض الأصليين والمستوطنين.
نتحدث، مثلا، عن مشاعر وتماسات شعورية عند الشخوص ينشئها السرد مزدوجةً، في مسائل تحيل في العمق إلى ثيمة المقاومة بوجهها الطبيعيّ التلقائيّ (يفشل منير حمدان في العبور إلى الضفة لعيادة أهله بسبب الاجراءات الامنية..). شخوص مضطرة إلى ابتكار تصاريف كلامية وسلوكية وأحيانا ذرائعية في سبيل التعامل مع واقع مادي هو الاحتلال (موظّف الامن الدرزي في المطار/ إشكالية الخدمة والتطبيع). واقع تتفاعل في ثناياه فروقات الجماعات التقليدية العربية (طائفية أو مدينيّة) مضافا إليها إكراهات الهويّة التي يفرضها المحتلّ.
لا تحيل لغة صاحب «حجارة الألم» (صدرت عام 2004 باللغة المجرية) في أي مقطع من مقاطع النص إلى التعقيد أو التفريع السرديّ. يبدو السرد، بهذا النمط من السلاسة، أقرب إلى لغة القصّ المتباسط الواقعيّ والشعوريّ منه إلى أنماط التخييل السرديّ. قصّ يكون مهجوسا بتقديم الشخوص بتلك التلقائية التي تتأسس إشكالياتها في نسيج الثيمة ذاتها، نعني في المشاعر التي لطالما استدرجتها ثيمة الذات الفلسطينية بنكباتها وأزماتها المتواصلة.
عود على بدء، فإن سؤال الهوية هو الثيمة التي تمسك بمزاج السرد. وهي ثيمة، من نافل القول، أنّها مستهلكة إلى حدود بعيدة في أعمال سرديّة مكرسة عديدة تتصل بالأدب الفلسطينيّ أدب القضية. في هذا الحيز، يكون بناء هكذا سرد مجازفة بالضرورة. على أن السرد يحاول في مفاصل عدّة إقناع المتلقي، من خارج التنميطيات المألوفة، في جدوى أخذ النقاش إلى مساحة تستدرج بالضرورة سؤال الهويّة إلى مربع تظهير تلك السمات الدقيقة التي تطفو عن سطح الخطاب الهوياتي الفلسطيني والتي تطمر تحتها، برغم سطوة الاحتلال، ما يشبه يقينا بزوال هذا الاحتلال عن كامل فلسطين.

(]) صدرت عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» و«مكتبة كلّ شيء»
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية