أعاد اقتراب الذكرى العاشرة لعدوان تموز، أو ما يعرف بحرب لبنان الثانية، إلى أذهان الإسرائيليين ذكرى تلك الحرب، فعمدت الكثير من الجهات إلى محاولة دراسة ما جرى حينها وأثر التغييرات على الواقع الراهن.
وفي مؤتمر هرتسليا حذر رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الجنرال هرتسي هاليفي من أن الحرب المقبلة مع «حزب الله لن تكون بسيطة»، وأن «تجارب الجبهة الداخلية في المواجهة المقبلة ستكون بالغة الشدة». كما أن الجيش الإسرائيلي يراجع استعدادات قواته النظامية والاحتياطية ومنظوماته النارية تحسبا لحرب لبنان الثالثة.
وقال، في نوع من المراجعة للوضع في المنطقة، إنه «من جانب الوضع تحسن. فنحن أقوى من الجهات المحيطة بنا، ومع ذلك فإننا نعيش في بيئة معقدة، ويمكن القول إنها معقدة، وبكلمة واحدة الوضع تحسقد، أي تحسن لكنه تعقد».
وعمد هاليفي إلى تحليل سيرورات الوضع في الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة، فأشار إلى أن «الشرق الأوسط يمكن وصفه بأنه عدم استقرار مستقر. ينبغي علينا التعود على أنه غير مستقر. وإسرائيل هي الجهة الأقوى في المنطقة. فالجيوش الكبرى تزداد ضعفاً، وتزداد تغيراً. ومن حولنا تتطور مخاطر جديدة، خطر النار، خطر التسلل بطرق مختلفة. وربما من تجارب المحرقة نحمل في نفوسنا شعورا بالضعف».
وعلى خلفية الذكرى العاشرة لحرب لبنان الثانية، وفق التقويم العبري، أوضح هاليفي أن «الحرب المقبلة في الشمال ستكون في الأساس مختلفة، حتى عن حرب لبنان الثانية وعن الجرف الصامد، ولكن مختلفة أيضا عن حرب يوم الغفران وما بعدها. في حرب يوم الغفران سقط في الجبهة الداخلية قتيل واحد من صاروخ سوري. والوضع في المعركة المقبلة سيكون مخالفا تماما».
وقال رئيس شعبة الاستخبارات أنه «يبدو أن الطرفين لا يعارضان مرور عقد آخر من الهدوء. نحن لا نريد الحرب، لكننا نستعد لها، ونحن نحسن من قدراتنا. وأعتقد أن الحرب المقبلة لن تكون بسيطة. ففي الحرب في سوريا خسر حزب الله حوالي 1500 قتيل، وهذا يؤثر جداً على التنظيم، فهو يعيش التحدي في سوريا، وقد مر بتجارب صعبة وكذلك حقق نجاحات».
وأضاف هاليفي أنه «إذا وقعت حرب أخرى فإن إسرائيل سترمم ما يتضرر وتعيد البناء من جديد. فنحن مجتمع قوي، مجتمع متقدم. أما لبنان فإنه سيتحول إلى دولة لاجئين يتعذر عليها ترميم نفسها، وحزب الله سيخسر قاعدة تأييده السياسي».
وحول جودة المعلومات الاستخبارية لإسرائيل عن «حزب الله»، قال هاليفي «أنني أقول بحذر شديد إنه لم يحدث أبداً أن علم جيش عن عدوه بقدر ما نعلم عن حزب الله». وأضاف أن «لخطواتنا تأثيرا كبيرا جداً على الشرق الأوسط، وأنا أسمح لنفسي بالقول إن هذا بات أكثر من أي وقت مضى. فالحروب تغيرت، وينبغي القول إن تجارب الحروب، سواء في الجبهة أو في الداخل، تتغير. فالمشروع النووي قيد في السنوات القريبة، لكن من جهة أخرى التصور النووي قائم».
واعتبر أن إيران سوف تحترم في السنوات الأولى الاتفاق المبرم مع القوى العظمى، مبيناً أنه «في منتصف الثمانينيات نشأت منظمات إرهابية - حزب الله وحماس. وليس هنا أي تنظيم يملك القدرات التي يملكها الجيش المصري أو الجيش السوري. الدول ضعفت، والتنظيمات تصعد، وهنا توجد تحديات للقوى العظمى بشكل لم نشهد له مثيلاً ربما منذ أكثر من 40 عاماً. لوحة اللعب تغيرت، ليس هناك أخيار وأشرار، لوحة الشطرنج باتت بأكثر من لونين. هناك منظومة مصالح يمكن فيها لعدو مرير لنا أن يتضرر، وأنا بغريزتي أود تحذيره لأنه ليس من صالحنا أن يتضرر هذا العدو هذه المرة. فنحن ننتقل من صراع الحدود إلى صراع الأديان».
وفي إشارة للموضوع الفلسطيني، قال هاليفي إنه «في الحلبة الفلسطينية نلحظ تحديات كبيرة جداً. ثمة حولنا دول من دون كهرباء، وقطاع غزة اجتاز الأربعين في المئة، وعندما يكون الحي متدهوراً فإن قيمة البيت لا ترتفع، وهذا ينبغي أن يقلقنا جداً. الشرق الأوسط الفقير هو أمر جيد للتطرف الديني وللمنظمات الإرهابية». وعن الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن)، قال إنه «من ناحية معارضته للكفاح المسلح فإنه يدير صراعاً دولياً. وبرؤية المتمعن من جانب فإنه يرى في يهودا والسامرة الهزة في الشرق الأوسط، ويفهم أن الوضع يمكن أن يغدو أسوأ».
وأضاف «أننا اكتوينا تاريخياً من حرب يوم الغفران. ولكن الحرب تبدأ عندما يريد الطرفان هذا أو يريدها طرف. اليوم احتمال أن الطرفين لا يريدان الحرب لكنها ستنشب قائم. في 28 كانون الثاني العام 2015 أطلق حزب الله صواريخ ضد الدبابات على قافلة عسكرية إسرائيلية ردا على نشاط إسرائيلي، وقتل لنا الرائد يوحاي كلينغ والرقيب أول دور حاييم نيني. حزب الله لم يفهم كامل قدرة المصابين. ولو فهم ذلك لكان رد فعله مختلفا... ولكنا اليوم نتحدث في بثنا الإذاعي عن المواجهة الثالثة مع حزب الله».
وفي الشأن السوري، شدد هاليفي على أن «الإستراتيجية التي اختارتها إسرائيل بعدم التدخل في هذا الصراع أو سبب ذلك كانت إستراتيجية صائبة. وقد تدخلنا مرتين: لأمن الحدود وقضايا إنسانية. وكل من يصل إلى الحدود يحظى بعلاج طبي، هكذا نتصرف».
وخلص، وهو يتحدث عن صور النصر في الحرب العالمية الثانية وفي حرب حزيران 67، ليقول «إنه صار يتعذر علينا العثور على صور نصر في السنوات الأخيرة، لأنه في كل الصور في الماضي كانت حروب حاربت فيها دول دولاً أخرى، وليس كما هو الحال اليوم، دول تحارب منظمات. عندما تحارب الدول المنظمات، الأقوى يغدو أقل جذباً للصورة».
وأخيراً تحدث في مؤتمر هرتسليا عن دول الخليج وفي مقدمتها السعودية. وقال إن «السعودية ليست ما كنا نعرف قبل عام ونصف العام. ثمة ملك آخر وبيئة جامعة حوله تريد قيادة العالم السني. وهي تجري إصلاحات داخلية هدفها إتباع نهج اقتصادي مغاير لا يعتمد على النفط، وقسم من مصالح الدول السنية هي في الاقتراب منا وهذا يشكل فرصة».
من جهة أخرى، قادت الانتقادات الشديدة التي وجهت للجيش الإسرائيلي في حرب لبنان الثانية قيادة الجيش إلى إعادة النظر في كثير من الخطط والإجراءات. وقبل ثلاثة أيام عقد الجيش مؤتمراً بحضور 500 من ضباطه للبحث في العبر اللوجستية من الحرب. وفي ختامه، قال ضابط كبير في قيادة الجبهة الشمالية إن «مديات عمل الجيش الإسرائيلي في الحرب المقبلة في لبنان لن تكون كما ظهرت في غزة. إنها كبرت».
وعرضت قيادة الجبهة الشمالية على الضباط جملة من التجديدات في هذا المجال، وبينها تغيير سبل تجنيد عشرات ألوف جنود الاحتياط تحت نيران كثيفة ونقل المعدات للوحدات والألوية والأهم طرق فتح محاور الإمداد رغم اقترابها من مواقع «حزب الله». وفي هذا السياق تم عرض ناقلات جند مدرعة جديدة لنقل الإمدادات، والإعلان عن إنشاء وحدة إخلاء المصابين المتخصصة وآليات خاصة للتنقل في المناطق الوعرة.
وفي سياق آخر، أجريت مقارنة بين ما كان لدى «حزب الله» من صواريخ في حرب لبنان الثانية، حيث سقط على إسرائيل أربعة آلاف صاروخ طوال أيام القتال، في حين تستعد إسرائيل لتلقي ما لا يقل عن ألف صاروخ في اليوم. فقد تطورت قدرات «حزب الله»، وصار يمتلك أكثر من 150 ألف صاروخ، جرى تعديل نسبة الأكثر قدرة تدميرية ودقة بحيث صارت أكبر مما كان في العام 2006. ففي تموز 2006 كان «حزب الله» يملك ما بين 10 إلى 16 ألف صاروخ، ومن نوعية ليست متطورة، لكنه اليوم يمتلك كميات كبيرة من صواريخ «زلزال 3» و «فجر 5» و «سي 80»، وأيضاً صواريخ مضادة للطائرات من طرازات «سام» المتقدمة. ولا يقل أهمية عن تسليح «حزب الله» تزايد أعداد قواته، والتي تقدر بخمسين ألفاً، منهم 15 ألفاً في قوات خاصة.
المصدر: صحيفة "السفير" اللبنانية