ولجأت الدول التي تعبث في الشأن الداخلي الفلسطيني الى تضخيم المسألة، فبركة لاستطلاعات وقصص اخبارية، وتكبير المقاول المتحضن، وقدرته وعلاقاته وارتباطاته.. واصبحت هذه اللعبة "الشغل الشاغل" للساحة الفلسطينية، كأن ابناءها في حالة ترف ولا مشاكل ذات قيمة وأهمية لديهم، وتنفق أموال ضخمة للترويج لهذا أو ذاك، وتستأجر المواقع والصحف الاخبارية، لتدلو بدلوها في الميدان.
هذه المسألة، ما كانت لتكبر ويجري تضخيمها لو أن القيادة الفلسطينية عالجتها بحكمة، ودون الرد على المعنيين فيها، بمعنى أن عدم الرد هو الرد الأبلغ والأسلم..
لكن، طبقة المستشارين وشريحة المؤلفة قلوبهم تسابقوا في الرد والهجوم، فانزلقوا طواعية الى معركة نحن في غنى عنها، وكأن بعضهم كان متعمدا لغرض في بطن يعقوب، وترجمة لارتباطات من هذا البعض مع المعني والمعنيين، وبمعنى أوضح، الذين أرادوا الدفاع عن الرئيس محمود عباس عمدوا الى تضخيم المسألة وتكبيرها، وعمل شيء من لا شيء، وأحيوا "المنسيين" والمتعلقين بحبال الأنظمة، فوضعوا رؤوسهم في رؤوس "الأسياد" وأصبح يشار اليها بالبنان، خاصة بعد أن تدفق عليهم المال السياسي، وقبولهم بالمهام والاثمان التي طلبت منهم.. وراحت بعض الأنظمة التي تعمل في خدمة سياسات مشبوهة تحرض على الرئيس عباس، وتفبرك التقارير حوله وضده، وعلت من "الحبة قبة".. وهذه الأنظمة نفسها، جاهلة ومنساقة، لأنها تؤمن غيبا بصحة التقارير التي ترفع اليها من مقاوليها، وهي تقارير كاذبة لا صدقية لها، ونسب تأييد القاعدة الشعبية لهذا المقاول أو ذاك كاذبة ولا صحة لها، والشعب لا يقبل برئيس يفرض عليه من هذه الجهة أو تلك، أو أن يقتحم الرئاسة بشنط من المال وثلة من المرتزقة، فالاحتكام الى صناديق الاقتراع.
وحقيقة هامة في هذا السياق والمجال، وهي ، كيف يبيح هذا المقاول وهذا النظام نفسه أن يفرض نفسه رئيسا مطلوبا؟! وعلى ماذا اعتمد، فالشعب الفلسطيني ليس قطيعا حتى "يساق الى مذبحه"، ليختار شخصا مرتبطا بهذا الجهاز الامني او ذاك، وتربطه علاقات متينة مع من يحتل أرضه؟! فهذا الشعب الذي ينتقد محمود عباس وهو قائد تاريخي منتخب، كيف سيقبل بشخص طارى، معروف الخلفية والارتباط والمهام والأدوار.
نعود، ونكرر أن بعض من هم حول الرئيس، ساهموا في تكبير هذه المسألة الفارغة لأنهم انزلقوا للرد، ولم يلجأوا الى تجاهلها، واستخدموا "الوشوشة" لاشعال الموقف، واندلاع المعارك الكلامية، بمعنى أنهم ضعوا أنفسهم في مستوى أصغر، بل معدوم، كانت المسألة التي تشغل الساحة لتنتهي بعد أيام من اثارتها ببيان مقتضب، يلقيه على وسائل الاعلام موظف صغير في هذه المؤسسة أو تلك، لكن، الماكرون لجأوا الى التجييش والتصعيد للفوز بالمكاسب الآنية لهم ولازلامهم، والفرصة لم تفت، والوقت بم يمض، أمام رد مدروس بعيدا عن الاخذ والعطاء والفعل وردة الفعل، لتنتهي المسألة بالكامل، وترد السهام الى مطلقيها، الى اولئك الذين يريدون تنصيب رئيس علينا بمقاساتهم، وللاسف، ما يزال البعض مستفيدا من استمرار المعركة، مكاسب شخصية، في سلم المواقع والوظائف يوشوشون ويفبركون الاخبار والخفايا، والمعلومات دون أن يصدهم أحد، ويوقفهم عند حدهم دون عبث وتجاوز، المسألة "مش مستاهلة" كما يقولون، و "النفخ في الميت حرام"، فالذين نعنيهم ليسوا على الأجندة وان نفختهم الأنظمة وقامت بتسويقهم لدى هذه العاصمة أو تلك، فنحن في حالة نقد مستمرة مع القيادة الحالية ورئيسها بسبب بعض المسلكيات والمواقف، فكيف لنا أن نتعاطى مع "الصغار" ونقبل بهم، الفاقدين لصدق الانتماء والمجبولين على الردة وقبض الأثمان ودفء الأخضان الغريبة؟!
وحقيقة ثانية، نضعها أمام بعض الأنظمة العربية في الاقليم، ولا نريد هنا، مخاطبة آمريها وأسيادها، أو التوجه للاحتلال، كما الآخرون، هذه الحقيقة، هي التدخل المريب المرفوض في الساحة الفلسطينية من جانب الانظمة المذكورة، ونحددها بوضوح، وهي الامارات ومشيخة قطر، والسعودية التكفيرية بدأت تدخل يرمي الى تنصيب دمى لها، على ظهور أبناء شعبنا، وهنا نأسف لانزلاق مصر وانجرافها، وراء هذه الانظمة التي فشلت في الخروج من دائرة الصغار الى نادي الكبار، بقبول تفسيراتها وتقاريرها وأزلامها واغضاب شعب بكامله، له الحق وحده في اختيار رئيسه.