2024-11-24 11:42 م

الملك فيصل وأكذوبة حظر النفط

2016-06-13
دعونا ها هنا تحديدًا نبدأ بالحقيقة، فدول الخليج وعلى رأسها السعودية تدين لمصر وسوريا بتعاظم ناتج ثروتها البترولية، لا كما يروج إعلام السعودية والتُبع له في مصر وبلدان الوطن العربي بأن الملك فيصل والسعودية كان لهم الدور الأكبر والأهم في حرب التحرير العربية ضد إسرائيل في أكتوبر عام 1973.

إن حقيقة الدور الذي لعبه الملك فيصل بن عبد العزيز في تلك الحرب كان ضد مصر وليس لصالحها، وكشفنا عن هذا الدور لهو هام للمحافظة على قيمة النضال الذي بذلناه نحن المصريون والشرفاء من العرب في مواجهة العدو الصهيوني، وكذلك فإنه في كشف الحقيقة استعادة لنصر عظيم قام المصريون بتحقيقه عبر كفاح طويل ومعاناة عظيمة.

كان فيصل يطلب الزعامة التي حُجبت عنه في وجود عبد الناصر صاحب القول الصادق والكاريزما الطاغية، وكان الأمريكان يساندون مطلبه، وكانت معركة البترول تلك هي الطريق لذلك المطلب الغالي، بالإضافة إلى حصاد عظيم من الفوائد فازت به السعودية والولايات المتحدة.

«حظر البترول» هو عنوان لفيلم أمريكي حوى الكثير من الإثارة المفتعلة والأكاذيب الفجة كعادة تلك الأفلام، وأنيط فيه دور البطولة للملك فيصل، وعندما استدعت (الحبكة) الدرامية للفيلم الأمريكي تجاهل الأطراف الحقيقة التي صنعت هذا النصر فعُهد إلى السادات -المتطلع دومًا للأضواء- بالدور الثاني أو ما يطلق عليه بلغة السينما المصرية (السنيد)، حيث قام بمساعدة فيصل على القيام بدوره عبر تسليط الأضواء عليه، وبنفس الوقت قام بإنكار كل دور للأبطال الحقيقيين، وتولى مهاجمتهم والانتقاص من أدوارهم.

وعلى العكس مما تم نشره من دعايات فإن الموقف العام للسعودية فيما يخص البترول، ومنذ إنشائها على يد عبد العزيز وصولًا إلى فيصل، هو اعتبار البترول موردًا اقتصاديًّا أساسيًّا للثروة التي تستخدم في دعم وجود آل سعود بالحكم عبر إدارتهم لتلك الثروة، لصالح المؤسسات والجهات التي تبقيهم على العرش، مع استغلالهم بالطبع لجزء كبير من هذه الثروة لحسابهم الشخصي.

وبالعودة إلى فيصل تحديدًا سنجد أنه كان يتزعم جبهة رفض الحظر البترولي، رافعًا نفس الشعار، فكان يصرح أن البترول ليس سلاحًا، بل هو مورد اقتصادي يتعين استخدامه في حدود المصالح الاقتصادية والتجارية، وقد قاوم فيصل بشدة ما اتجهت إلية العراق بعد حرب عام 1967 بمنع تصدير النفط للدول المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، والذي طبقته فعليًّا بدءًا من يوم 6 يونيو، لكن فيصل أفشل المنع واستمر في إرسال شحنات البترول كالمعتاد.

وتحمل فيصل ضغوطًا شعبيةً هائلةً قادتها مجموعات شعبية وعمالية متأثرة بالمد القومي الناصري لوقف إمدادات البترول عن الولايات المتحدة ولتأميم شركة أرامكو، رافضًا التخلي عن علاقته مع الأمريكان وقطع النفط عنها، واستمرت تلك الحالة من الاضطرابات حتى قمة الخرطوم في 29 أغسطس عام 1967.

وإلى الخرطوم رحل فيصل محملًا بالقلق من تنامي الاحتجاجات الشعبية في بلاده، ملقيًا على عبد الناصر الاتهام بمحاولة زعزعة عرشة، وفي نفس الوقت كان فيصل ذاهبًا إلى هناك محملًا بروح الشماتة والتشفي، ممنيًا نفسه أن يرى خصمه عبد الناصر في الخرطوم منكسرًا جراء الهزيمة، منتشيًا من تخيل صورة الجماهير الغاضبة التي ستخرج لإهانة عبد الناصر المنهزم والنيل من كرامته.

ولكن فيصل خزلته أمنياته ليفاجئ بالاستقبال الأسطوري من الشعب السوداني لـ«عبد الناصر»، ذلك الاستقبال الذي عبرت عنه المجلة الأمريكية «نيوزويك» بأن وضعت على غلافها صورة لـ«عبد الناصر» وسط موكب الجماهير الهادر بتعليق: «أهلًا أيها المهزوم».

ونعود للمشهد في الخرطوم لنسجل واقعة كانت بمثابة نار أكلت قلب فيصل الذي جاء يحمل لعبد الناصر اتهاماته وتشفيه، ولتجبره الظروف والأقدار على مشاهدة تفاصيل استقبال خصمه اللدود عبد الناصر، الذي كان قد وصل قبله بقليل إلى مطار الخرطوم، وبينما كانت طائرة فيصل تحط على أرض المطار، تحرك موكب عبد الناصر تحيط به الجماهير الهادرة كأمواج البحر تهتف له وتطالبه بالثأر، وكان التزاحم قد تسبب في بطء حركة الموكب الذي تحرك بين الجماهير بصعوبة شديدة.

بينما فيصل كان قد خرج من المطار وبدأ موكبه يحاول السير نحو العاصمة السودانية لكن الطريق أمامه كان مسدودًا بالجماهير التي تزحف وراء موكب عبد الناصر، فلحق موكبه بمجموعات متناثرة منهم، والذين ما أن علموا أنه موكب فيصل حتى اعترضوه وهتفوا بعفوية: (وراء جمال يا فيصل)، (يا فيصل امش وراء جمال عبد الناصر)، (من لا يمشي وراء جمال عبد الناصر خائن)، بينما مجموعات أخرى بمجرد رؤيتها لموكب فيصل علت أصواتها بالهتافات لجمال عبد الناصر في وجه فيصل الذي زعزع هذا الموقف وجدانه.

ولما علم فيصل أن مسألة الحظر البترولي ستطرح بالمؤتمر، استنجد بدهائه الذي دله على المخرج، فأعلن أنه يقترح عدم حظر تصديره على أن يستخدم جزءًا من عوائد التصدير لمساعدة دول المواجهة، وكجزء من المجهود اللازم لمواجهة العدوان، وقد تم تمرير مقترحه مستغلًا الاحتياج المالي لتلك الدول وعلى رأسها مصر من أجل رفع آثار الهزيمة، ودعم خطط إعادة البناء والإعداد للمعركة المتوقعة مع العدو الصهيوني.

كان فيصل في الواقع يدفع ثمنًا ماليًّا لبقائه على عرشه وليعيد الانضباط إلى دولته، وبنفس الوقت كان يحافظ على مصالح الأمريكان، ويمنع حظر النفط عنهم.

سنوات قليلة كانت قد مضت بعد الاستقبال الهزيل لفيصل في الخرطوم، سائرًا خلف موكب عبد الناصر (المهزوم)، وبين مواكب النصر تجوب بفيصل مدن مصر ترحب ببطل معركة (البترول)، حين استقبله السادات بعد نصر أكتوبر عام 1973 بجماهير تم حشدها، وطيف بموكبه في عدد من المدن، وقد رفعت رايات الترحيب به كبطل ومنها لافتة (مرحبًا ببطل معركة العبور، وبطل معركة البترول).

وفي ظل تلك اللافتة كان التهميش متعمدًا لدور شعبنا المصري المناضل، وكان دور الجيش المصري ضئيلًا متقزمًا، وكان البترول أغلى من الدم.

تُوج فيصل بين العرب زعيمًا وقائدًا لمعركة البترول، وعند الأمريكان اُختير فيصل على غلاف مجلة التايم كـ (رجل العام)، فكيف حوت الحقيقة النقيضين وكيف جمعت بينهما؟!

وفي الأول من أغسطس عام 1973، طرح السادات على فيصل استخدام النفط كأداة ضغط سياسية في الحرب، تلك الفكرة التي لم تجد صدى لدى فيصل.

وعندما شنت مصر وسوريا الهجوم في السادس من أكتوبر استاء فيصل، وأعلن أمام أصدقائه الأمريكان عبثية المعركة، وعارض الحظر، ثم قبله في يوم 19 أكتوبر،  وماطل فيصل في تطبيق الحظر في البداية ثم طبقه بما لا يضر بالمصالح الأمريكية الحيوية، حتى أنه استجاب أثناء الحظر لطلب أمريكي بتمويل السفن الحربية الأمريكية بالبحر المتوسط التي عانت من نقص الوقود.

وحينما كملت الفوائد، وعمت المنافع، وامتلأت الخزائن، أعلنت السعودية ثم بقية الدول النفطية المشاركة بالحظر، وذلك في 9 مارس 1974.

ربما وصلنا الآن للسؤال عن كُنه هذه المعركة؟ وما الذي كان حاكمًا لمجرياتها.. والباعث لحركتها؟

ها هنا محط رُحل الحقيقة ومهراق دم الكذب والادعاء نسردها في هذه النقاط

معركة الحظر بدأت عمليًّا يوم هزيمة العرب في 5 يونيو عام 1967، حين اتخذت العراق قرارها بمنع تصدير النفط للدول المتحالفة مع إسرائيل وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، والذي طبقته فعليًّا بدءًا من يوم 6 يونيو، وعرضت العراق وليبيا دعوة الحظر في مؤتمر الخرطوم في 29 أغسطس عام 1967، لكن فيصل رفض رافعًا الشعار أن النفط ليس سلاحًا بل هو مورد اقتصادي يتعين استخدامه في حدود المصالح الاقتصادية والتجارية.
قاوم فيصل بشدة المطالب الشعبية في بلاده بعد هزيمة عام 1967، بقطع النفط عن أمريكا والغرب، والتي وصلت حد إثارة الاضطرابات والاعتداء على المصالح الأمريكية في السعودية.
نجح فيصل في إفشال الدعوة لقطع النفط في مؤتمر الخرطوم بالدعوة إلى استمرار تصديره والاستفادة من بعض عوائده في مساعدة دول المواجهة مع إسرائيل، وهو ما تم إقراره بالفعل.
اعتمدت السعودية سياسات بترولية بدءًا من عام 1970 لا علاقة لها بالقضايا العربية، بهدف زيادة الأسعار وتعظيم العائد، ومارست تخفيض الإنتاج أو زيادته تبعًا لصالحها المالي.
رفض فيصل استخدام النفط كأداة ضغط سياسية في الحرب، كطلب السادات في الأول من أغسطس عام 1973.
استاء الملك فيصل حين وصلته أنباء معركة السادس من أكتوبر، وعبر عن عبثيتها أمام أصدقائه الأمريكان، ولكن أبدى قلقًا من اضطراره لإجراءات ستكون لازمة لحماية العرش.
بعد بدء المعركة بعشرة أيام أعلنت السعودية خفض الإنتاج بنسبة 15%، ومن خلال الأوبك تم رفع سعر الزيت الخام بنسبة 70% ليصل السعر إلى 5 دولارات و12 سنتًا لتحصد السعودية الأرباح.
في التاسع عشر من أكتوبر اُضطرت السعودية لتفعيل حظر النفط (صوريًّا) بعد أن سبقتها ليبيا، لتفادي حالة الغضب التي سرت بين الجماهير العربية، حينما أقر الكونجرس الأمريكي اعتماد معونة عسكرية عاجلة لدعم إسرائيل بمبلغ 2.2 مليار دولار.
وبعد انتهاء المعركة عمليًّا، وفي نوفمبر عام 1973 تم زيادة نسبة التخفيض في الإنتاج إلى 25%، وفي ديسمبر من نفس العام تم رفع الأسعار بنسبة 70%، ليصبح سعر البرميل 11.5 دولار متخطيًا لأول مرة حاجز العشرة دولارات.
في التاسع من مارس عام 1974، أعلنت السعودية انتهاء الحظر.
أما عن حصاد الفوائد التي جنتها السعودية والولايات المتحدة فنوجزها بالتالي

الحصاد السعودي

بمجرد اندلاع حرب أكتوبر 1973 وبدء الحظر، تم رفع أسعار النفط من 3 إلى 12 دولارًا للبرميل، وشكلت تلك الطفرة للسعودية والخليج بداية تكوين ثروات واسعة.
تم تتويج الملك فيصل على عرش الزعامة العربية بادعاء أنه قد استطاع مواجهة أقوى دولة في العالم وتركيعها كما صور الإعلام، وهو ما سعى إليه فيصل بمواجهة عبد الناصر، وسانده الأمريكان للوصول إلى تلك المكانة ولكنهم فشلوا في ظل وجود عبد الناصر، وتحقق لهم ذلك بعد وفاته.
التقليل من شأن النصر الذي تحقق بسواعد ودماء المصريين والسوريين، بادعاء أن النصر تحقق بالنفط لا بالدم، كعنصر سيكولوجي كان يجب تحطيمه لصالح العقدة السعودية بأنهم يجب أن يكونوا الأقوى والأهم.
أثبتت السعودية للأمريكان أنها حليف يمكن الاعتماد عليه.
الحصاد الأمريكي

أما الولايات المتحدة فقد كانت المستفيد الأكبر من الحظر البترولي الذي مارسته الدول العربية وعلى رأسها السعودية، حيث كان الحظر بمثابة إنقاذ لاقتصادها، عبر معالجة الخلل في ميزان مدفوعاتها الذي كان يواجه عجزًا قبل حرب أكتوبر عام 1973، وتحسن موقف الدولار مقابل تراجع عملات أوروبا واليابان، ما أدى إلى إنعاش الاقتصاد الأمريكي، وتمثل ذلك بما يمكن إيجازه على النحو التالي:

أدى ارتفاع سعر البترول كنتيجة للحظر إلى إضعاف الاقتصاد في أوروبا واليابان لصالح الاقتصاد الأمريكي، فأوروبا واليابان المحرومتان تقريبًا من الإنتاج النفطي المحلي تضررت موازين مدفوعاتهما بشدة بعد أن فُرض عليهما شراء البترول بأثمان مضاعفة، فقد كانت أوروبا تستورد في حدود 80% من احتياجاتها، بينما كانت اليابان تستورد في حدود 90% مما تحتاج إليه، ولم تتأثر الولايات المتحدة التي كانت تستورد وقتها من العرب 2% فقط من احتياجاتها البترولية.
الزيادة في أسعار البترول العربي عالجت أزمة عام 1972 التي كانت تضغط على صانع القرار الأمريكي، والتي كان من ضمن أسبابها المنافسة السعرية بين شركات البترول الأمريكية المحلية والبترول العربي الأرخص في السعر، وعليه فقد انتهت حالة المنافسة تلك، وحققت تلك الشركات أرباحًا قياسية.
بلغت أرباح الشركات الأمريكية الناتجة عن رفع سعر البترول 420 مليار دولار، طبقًا لأرقام الأرباح المعلنة عام 1974، فقد حصلت الشركات الأمريكية على 7 دولارات صافي ربح مقابل كل دولار حصلت عليه الدول المنتجة للبترول.
انتعش الاقتصاد الأمريكي نتيجة الودائع والاستثمارات العربية الهائلة التي انهالت على البنوك والشركات الأمريكية.
تم تجميد قوانين البيئة الخاصة بالهواء والماء السابق إصدارها، والتي كانت تمثل ضغطًا على صانع القرار ومشكلة للمنتجين للطاقة في الولايات المتحدة.
ويفضي ما سبق من تحليل إلى رؤية مفادها أن حظر النفط ليس عملًا عربيًّا أو سعوديًّا خالصًا، بل إن شواهده تنبئ بأن هذا العمل كان مدفوعًا بالتحريض الأمريكي على رفع الأسعار لتحقيق المصالح الأمريكية، ومنها كما سبق وتبين حل مشكلات السعر المحلي للبترول الأمريكي، وخلق الحالة التي تسمح بإبطال قوانين البيئة المعوقة لإنتاج الطاقة ولضرب الاقتصاديات الأوروبية واليابانية لصالح إنعاش الاقتصاد الأمريكي، ومما انبنى عليه كذلك أن السعودية كانت منفذًا لخطة أمريكية حازت منها على كثيرٍ من الفوائد، وحاز من ورائها فيصل لقب زعيم العرب وقائد معركة البترول.
المصدر: "شام تايمز"