إن تدخّل إسرائيل ليس أمراً جديداً من نوعه في سورية والمنطقة بأكملها، إذ إنها تدخّلت في صراع اليمن وفي مجازر أيلول الأسود في الأردن، وفي الحرب الأهليّة في السودان وفي الصحراء الغربية بين الجزائر والمغرب، وفي الحروب الأهليّة في لبنان وفي تحرّك الأكراد شمال العراق وفي ليبيا ومصر واليوم تدخل في سورية، ولا شك أن إسرائيل هي من أكثر الأطراف رصداً لما يجري على جبهات القتال في سورية، وإن من مصلحتها تفكيها وتقسيمها إلى دويلات وطوائف متعددة، لتحقيق أهداف استراتيجية تتمثل بالحد من نفوذ حزب الله وايران على الحدود الشمالية، فالتساؤل المطروح هنا هو: ما هو دور اسرائيل في الحرب على سورية ؟
-دعم التنظيمات المتطرفة:
هناك إثبتات يومية على تورط إسرائيل بدعم المجموعات الإرهابية في سورية، فنتنياهو منذا أكثر من خمس سنوات قد شكل قاعدة لوجسيتة لتدفق الإرهابيين إلى سورية ودعمهم بالمال والسلاح وتقديم كل أشكال الدعم لهم، وسمح بإدخال أعداد كبيرة من الجواسيس من كل الجنسيات الى سورية، بالإضافة إلى العديد من المتطوعين والمناصرين الذين يقاتلون أو يرسلون لإسرائيل التقارير في مختلف المجالات والميادين وبالتحديد المجالين العسكري والاستراتيجي، وهنا يراهن نتنياهو على تصعيدٍ عسكري وشيك ضدّ إيران ليكون ذلك مدخلًا لتفعيل صراعات مذهبية في المنطقة من أجل تغيير خرائطها وإقامة دويلات طائفية وإثنية، تؤدي الى زيادة حاجة أميركا والغرب وحلفاؤهم لإسرائيل .
كشف الكاتب الأمريكي، ريتشارد سيلفرشتاين، في مقاله المنشور تحت عنوان " Israel’s Heavy Hand In Syria’s Civil War"، الدور الإسرائيلي الخبيث في الأزمة السورية، تحقيقاً لأهدافها ومصالحها، وقال إن وسائل الإعلام الغربية تحاول الترويج لكذبة كبرى هي أن إسرائيل تتبنى موقفاً محايداً من الصراع السوري، مؤكداً على أن لإسرائيل دوراً كبيراً في إستمرار الوضع السوري على ما هو عليه، وأنها استطاعت اختراق التنظيمات المتطرفة في سورية، وأنها تقدم لهذه التنظيمات أسلحة وقذائف عن طريق وسطاء داخل الأراضي السورية.
-إسرائيل مشكلة أساسية في الأزمة السورية:
إسرائيل لها أخطر دور في الإقليم ومشكلة أساسية في الأزمة السورية, فأصابع إسرائيل موجودة في كل ما يجري في المنطقة وخاصة في سورية ,فهي اللاعب الرئيسي الخفي والذي لديه اتصالات مع جميع الأطراف, حيث يبدو واضحاً أن إسرائيل فاعل أساسي في إطالة حرب الإستنزاف على سورية وأنها المستفيد الأكبر من إستمرار النزيف السوري، وإنهاك الدولة السورية، وإضعاف القوة العسكرية للجار العربي الوحيد الذي رفض الانصياع لشروط القوة الإسرائيلية الإقليمية المدعومة من أمريكا من أجل السلام مع إسرائيل، فجاءت تصريحات إسرائيل لتكشف عن هذه النوايا الخبيثة، حيث دعت المجتمع الدولي إلى ضرورة الإعتراف بصم إسرائيل للجولان، غير أن العديد من التطورات الحديثة جعلت الدور الاسرائيلي علنياً في الحرب السورية، وأهمها، القصف الأخير لأهداف سوريه قرب مطار دمشق الدولي المدني، بالإضافة الى تدخل المدفعية والقوة الجوية الاسرائيلية عدة مرات لحماية الملاذ الآمن للمجموعات المسلحة في سورية.
-الخوف الإسرائيلي من تعافي سورية:
الكل يعرف أن ما جرى في سورية من تدمير ممنهج كان هدفه إسقاط سورية وتدمير الجيش السوري، لأن تدميره يؤدي مباشرة الى نهاية كيان الدولة السورية، ولكن بعد مرور أكثر من خمس سنوات وعدم تحقق هذه السيناريوهات، وعدم حسم المعركة لصالح أعداء سورية لما طرأ عليها من تغيرات أهمها سيطرة الجيش السوري ميدانياً على مناطق كانت تحت سيطرة داعش، بالإضافة الى إخفاق المجموعات المسلحة الأخرى في مواجهة القوات السورية، وفي إطار تجدد المخاوف الإسرائيلية من تعقد المشهد في سورية، سعت إسرائيل لخلق محيط استراتيجي لها في العمق السوري بدعم وتوطيد علاقتها مع المجموعات المسلحة، لضمان إضعاف محور المقاومة في سورية، وإبعاده قدر المستطاع عن هضبة الجولان، خاصة بعد أن شعرت بأن سورية تستعيد عافيتها كدولة وكقوة عسكرية في المنطقة.
-أمريكا وإسرائيل تحالف إستراتيجي لفدرلة سورية:
هناك مخطط خبيث تقوده أمريكا, وتلعب على أكثر من حبل, تارة تدعي أنها تقاتل القوى المتطرفة، وتارة نجدها تمد يد العون لهم, وهنا نلاحظ أن مخططها ينفذ بدهاء عندما أطلقت داعش والمجموعات الأخرى التي بدأت تنهش بلدنا, وتشوه إسلامنا, وعادت لتقول أني سوف أحميكم من الإرهاب, وفي الحالتين هي المستفيدة, وهنا ندرك جيدا أبن سورية تواجه خطر التقسيم والتفتيت تحت عناوين شتى أبرزها "الفدرلة"، بهدف إلغاء دورها كقوة إقليمية في وجه إسرائيل وحلفاؤها، مثلما ندرك أن بعض المحسوبين على المعارضة السورية باتوا يعتبرون تل أبيب حليفاً لهم، ويعده بعضهم، بأنهم سيقدمون له الجولان هدية في حال تدخله لصالحهم لإسقاط النظام، ولا ننسى قيام نتنياهو بزيارات إلى الجرحى الذين يعالجون في مستشفيات إسرائيلية، و مصافحة أكثر من ألف مسلح ممن يتلقون العلاج في إسرائيل، في إطار ذلك فإن الشعب السوري على دراية تامة بهذا المخطط الأمريكي, وزراعتها لداعش التكفيري في المنطقة, للوصول الى الغاية المرجوة, وهي تقسيم سورية طائفياً وإضعافها في المنطقة، لكن مع ذلك نقول إن سورية ليست كباقي الدول التي اسستسلمت لهذه المؤامرات، وشعبها لا يمكن مقارنته بباقي الشعوب الأخرى، فإذا كانت تلك الدول قد نجحت في جعل ليبيا وغيرها دول مضطربة ويحكمها عصابات، فإنها لن تنجح مرة أخرى مع سورية لأن سورية منذ البداية فهمت اللعبة وأدركت بحس أبنائها الشرفاء، بأن أمريكا وإسرائيل لا يريدان الخير والإستقرار لسورية، لذلك نجدهم يفتعلون الأفاعيل من أجل إجهاض أي تقدم يمكن أن يسير بسورية الى ركب الحضارة.
-الجماعات التكفيرية وحقيقة الرهان الإسرائيلي الأمريكي:
تمثل سورية لديهم حاضنة للإرهاب ومنبع للتطرف يأوي إليه كل من تراه أمريكا خطراً عليها، فهي تحرص على دعم تلك المجموعات الإرهابية سياسياً وعسكرياً وإعلامياً لتكون تلك المجموعات قوية وصلبة على الأرض بحيث يأوي إليها كل من يهمه الجهاد في سبيل الله، وبذلك تنحرف بوصلة تلك الجماعات إلى سورية بدلاً من الغرب برمته، ولكن صحوة الجيش السوري حالت دون ذلك، كون سورية صامدة بوجه الإرهاب الدولي والإقليمي من جهة، وبوجه الإرهابيين والقتلة من جهة ثانية، وما يؤكد إستطاعة سورية على الصمود بوجههم، هوإستعادة الجيش السيطرة على كثير من الأراضي التي إحتلها تنظيم داعش والمجموعات الأخرى، وهنا لا ينبغي أن نعول على القانون الدولي، في مواجهة الإرهاب، لأن الآن أصبح لدينا تحديات كبيرة، ومتغيرات كثيرة تتطلب منا جهود ذاتية للتصدي له ومواجهته، فأمريكا تتعامل مع الإرهاب بإزدواجية في المعايير، لأنها تتعامل مع التنظيمات التي تساعدها في تحقيق مصالحها مثل القوى المتطرفة، وتدرج تنظيمات أخرى وتعتبرها إرهابية، وهذا ازدواج فى المعايير، لذلك فإن التعامل مع الارهاب يعتمد على معايير القوة أكثر من الاعتماد على القانون، لأن الارهاب يستخدم القوة ومواجهته لا يمكن أن تتم إلا باستخدام القوة المسلحة.
-أمريكا وإسرائيل واللعب في النار:
إسرائيل اليوم على رأس قائمة الحكومات المتّهمة بدعم الجماعات الإسلامية المتطرفة المتواجدة على الأراضي السورية، عبر سماحها بعبور آلاف المقاتلين الأجانب باتجاه سورية للإنضمام إلى تلك التنظيمات المصنّفة كتنظيمات إرهابية، فإسرائيل تستغل الأزمة السورية، للتدخل بقوة عسكرية كبيرة، لكن هذا الطموح محفوف ومليء بالمخاطر الإقليمية لأن محور المقاومة لن يوافق لإسرائيل على التدخل في سورية ويجب أن تضع في حساباتها أنها تخوض حرباً مع جبهة المقاومة كما هي أمريكا الآن، وهذا ما يؤشر الى أن المعارك في سورية تتصاعد وستأخذ أشكالاً كبيرة من العنف، كما سيتوسع التوتر ليشمل العلاقات الروسية الأمريكية الإسرائيلية، ولنكن أكثر وضوحاً إن إسرائيل تلعب بالنار، ولكنها نار مختلفة هذه المرة وتزداد قوة وقد تحرق أصابع أخرى، وأمريكا كعادتها دائماً تهرب من المنطقة إذا وجدت إن الخسارة كبيرة، هكذا فعلت في الصومال والعراق، وهكذا ستفعل في سورية، والمأمول آن تدرك إسرائيل حجم المغامرة، وتبادر الى مراجعة حساباتها، وتجنب التورط بقدر الإمكان بالمستنقع السوري.
مجملاً...يتحمل الجيش السوري اليوم مسؤولياته لحماية سورية، ويحصن سورية في مواجهة التكفيريين, ويقوم بكل ما من شأنه أن يجعل سورية قوية وعزيزة وعصية على كل التهديدات والأخطار التي تواجهها، إن المحاولات الخائبة التي تقوم بها أمريكا وعملاؤها المحليون والدواعش وأعوانهم وأعداء الدولة السورية لن تنجح في ثني الجيش السوري عن أداء واجباته لغاية إستعادة هضبة الجولان وكل الأرض العربية والإسلامية المحتلة، وستظل سورية في نهاية المطاف، وستتعافى مجددا، وتنهض من كبوتها، وتستأنف دورها الحضاري الذي إمتد لأكثر من ثمانية آلاف عام.
khaym1979@yahoo.com