إن حالة الرعب والقلق التي تعيشها تركيا بفعل التقارير الكثيرة التي تتحدث عن الإنتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش السوري في الشمال السوري وتفهمه للمتغيرات التي دخلت على الساحة الإقليمية والدولية، جعل تركيا تقف أمام عدو صلب وعنيد كونه يملك الخطط العسكرية الحديثة والمتطورة التي ستمكنه من إلحاق ضربة قاسية بتركيا، ومن جهتها تدرك أنقرة إن المواجهة مع الجيش السوري غير بعيدة، وإنها لا تستطيع الصمود في حرب طويلة لإفتقادها للعمق الإستراتيجي، وهي لذلك تحشد الرأي العام العالمي وتقوم بالمناورات العسكرية لمواجهة هذه الإحتمالات.
اليوم تراقب تركيا الوضع عن كثب وبجدية وتعد عدتها لتحولات خطيرة في المشهد السوري الجديد، إذا لا يختلف أثنين في أن أمريكا بمساعدة تركيا تعتبر الأم الشرعية التي أوجدت داعش ووفرت لها ما تحتاج من سلاح وعداد، ويعرف العالم جيداً كيف كانت تركيا وأمريكا وحلفاؤهم يرسمون الخطط لإسقاط الأسد وتفتيت سورية، لذلك فإن التدخّل التركي في الأزمة السورية ليس بجديد، وبعد سيطرة داعش على أجزاء هامة من سورية، ثبت أن أنقرة لاعب أساسي - من وراء الستار والحدود - يحرّك الأحداث ويغير المعطيات ويخلط الأوراق بما يسمح لها بالتحكم في مجريات الوضع السوري، كما أن حديث تركيا عن المناطق العازلة يستكمل مسيرة إنخراطها في الحرب على سورية، كأكثر دولة تورطت في الأحداث السورية عبر إيواء وتدريب وتسليح وتمويل ودفع المجموعات المتطرفة إلى الداخل السوري إنطلاقاً من البوابات الحكومية التركية الرسمية والغير رسمية، ومشاركتها بصورة فاعلة ومباشرة عبر ضباط أتراك في الهجوم على مواقع الجيش السوري، ويسعى أردوغان من ذلك تحقيق عدة مكاسب منها قضم مناطق من العمق الجغرافي السوري، والركض خلف أضعاث أحلامه فى إستعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية، وأن يتوج سلطاناً على منطقة الشرق الأوسط، وأن يصبح مفتاح المنطقة والمتحكم فى أمورها، وأن يكون الوكيل الحصرى المتحدث بإسمها، وأن يخاطبه الغرب حينما يود عمل أى شيء فيها.
اليوم تتسارع الأحداث في سورية بوتيرة عالية وبدأت الكثير من الموازين والتوقعات تنقلب على رأس مخططيها بعد التحركات القوية للجيش السوري لتحرير مناطق كانت في يوم ما تعتبر من المعاقل الصعبة والمهمة لقوات داعش وأخواتها والتي لا يمكن حتى التفكير بالإقتراب منها، ليتمكن الجيش السوري من قلب موازين المعادلة ويبدأ بالزحف والتحرك لتسقط معاقل داعش وحلفاؤها في معظم المناطق السورية، ففي تدمر وحلب وريف دمشق وحماه ودرعا سطر الجيش السوري أروع وأعظم ملاحم القتال العسكري، واستطاع بقدرات جيشه وإيمانه وعزيمته أن يطرد ويقضي على هذه المجموعات، وبذلك أصبحت تركيا تصحو كل يوم على أخبار تقدم الجيش السوري، وتحريره المزيد من القرى والمدن من بين أيدى القوى المتطرفة المدعومة دولياً، التى لا تكف عن الاستغاثة وطلب العون من أردوغان، بسبب كثافة الهجمات السورية الروسية الإيرانية وتمكنها من قطع معظم طرق الإمداد، وتمكن الجيش السوري بالسيطرة على المواقع الإستراتيجية، ومواصلته تحرير المناطق التي تسيطر عليها داعش، وبذلك تتهاوى حصون هذه الجماعات بسرعة كبيرة، ويكمل الجيش السوري إقامة قوس يحاصر ما تبقى من مواقع للمسلحين، وقطع الحبل السري الذي تغذيهم به تركيا وحلفاؤها، وبذلك يفقد أردوغان دوره وتأثيره على أرض المعركة في سورية، وإنطلاقاً من ذلك فإن عجز تركيا وحلفاؤها من العرب في هزيمة الجيش السوري، وإحتلال حلب وعدم كسر محور ايران- سورية - حزب الله- روسيا، تكون قد خسرت الرهان بتحقيق أي تقدم ولو كان وهمياً عبر أدواتها في حلب أو أي منطقة أخرى في سورية.
في إطار ذلك تبدو المهمة التركية في سورية عسيرة وغير قابلة التحقيق، حيث يصعب عليها تمرير مشروعها، بسبب شدة الضربات الجوية السورية الروسية والتقدم الكبير للجيش السوري وبسالة أفراده، ولذلك فلا يبدو أمام تركيا وحلفاؤها من خيار للخروج من هذا المأزق الذي أوقعت نفسها به سوى التوصل لحل سياسي في سورية، لا يتحقق إلا عبر جلوس جميع الفرقاء السوريين على طاولة الحوار وبعيدا عن التدخلات التركيةوالغربية.
مجملاً... يبدو تركيا حالياً على أبواب سيناريوهات مرعبة ومخيفة لما يمكن أن تؤول إليه الأوضاع في ظل العدوان على سورية وموقف غربي متباطئ فيما يحصل في المنطقة، ومن هذا المنطلق يجب على تركيا أن تتأهب لمرحلة جديدة، فإضطراب الأوضاع في تركيا مسألة وقت، وان النار تحت الرماد، وبإختصار شديد إن تركيا مرشحة اليوم لدفع ثمن فاتورة تدخلها في المسألة السورية بسبب سياسة التعنت واللعب بشكل منفرد في مسرح إعتقدت أنه ساحة فارغة، ومن المبكر التوقع إن كان بإمكان تركيا وحلفاؤها إسقاط نظام الأسد وتقويض الدولة السورية، والأيام وحدها كفيلة بالإجابة عن هذا السؤال.
* كاتب سياسي
Khaym1979@yahoo.com